أصدر الروائي والفيلسوف الفرنسي باسكال بروكنر رواية جديدة والتقاه الصحفي البلجيكي غي دوبلا في
لقاء نشرته لا ليبر بلجيك في عددها الصادر يوم الإثنين 27 ديسمبر كانون الأول 2022 وأهمية اللقاء في
نظرة الروائي الفلسفية لما بعد الكورونا والحرب الأوكرانية وتحول الإنسان من متوقف إلى جالس يفضل
البقاء في المنزل لينعكس على إنسان المستقبل، وقد أدان الجلوس، وأن ما يحصل هو عبارة عن قزمنة
الإنسان تماماً كما أتخيل الأقزام السبعة ليصبح الانسان الجالس مثل تلك الأقزام فالأدب في عمله الجديد
يدين “الاستبداد المستقر” ويقصد الجلوس وربما برأيي الشخصي “التنبلة” البشرية والكسل وللمفارقة لم يشر
لموضوع الكسل هنا بقدر ما أدان الحضارة المستقبلية للبشر القائمة على تقزيم حياة البشر لصالح ما أسماه
نزعة الجيل الجديد للدفاع عن “المناخ” فيما كان جيله يصارع آباءه لأجل الثورات وتوسيع حقوق الإنسان
لكن بعد سقوط الجدار أي جدار برلين تغيرت مفاهيم الجيل الجديد وتطورت الاختراعات والتفكير البشري
ولكن على حساب حرية البشر لصالح سجنه السعيد أو فندقه المرفه، هذا الصراع الأوديبي المستمر بين كل
جيل وآبائه هذه المرة برأيه ليس على حق لأن عدم الحركة تعني إضعاف التجارب البشرية وإليكم الحوار
الممتع هنا :
يقول الروائي : لقد جذبنا الوباء، وعودة الحرب إلى حدودنا (أوروبا) مع تلك الموجودة في أوكرانيا،
وتحديات المناخ، والروائي باسكال بروكنر في روايته الجديدة، أن الإنسان انتقل إلى حياة “على مستوى
الأرض، ومن متوقف، إلى انتصار النعال”. وكأنه يقول انتصرت النعال المنزلية على الأحذية ويعد كتابه
من الكتابات العالية الارتقاء في الفكر ليشارك في هذه “الكارثة” كما يسميها والتي يستنكرها مع ذلك، لكنه
ينهيها بدعوة للوقوف على قدمينا بدل الجلوس على أرائكنا بقوله : “نحن أقوى مما نعتقد”.
-أنت تكتب قصة فلسفية؟
أردت أن أكتب لمحة سريعة عن عالمنا في عام 2022 بعد كوفيد وأثناء الحرب في أوكرانيا، وأرى ما
يمكنني إنقاذه، فقد كنت سابقاً في محطة RTL التلفزيونية وأخبرنني عدة سيدات أنهن لم يعدن يغادرن
بيوتهن، لذلك شعرن بالقلق من إغراء الموقف. لقد أرعبنا الحجر الصحي في البداية ثم مر هذان الشهران
ونصف الشهر، كما بالنسبة للكثيرين، دون الكثير من الضرر. ليشعر الناس بنوع من التحرر، فلا مزيد من
القيود، ولا مزيد من الرؤساء في العمل، ولا مزيد من النقل، ولا مزيد من العمل. كتعريف للعيش دون
جذب الانتباه وطرح الهموم جانباً، نحن نوعاً ما في وضع هؤلاء السجناء الذين يندمون على مغادرة
سجنهم، لأن السجن حررهم من كل هموم الوجود، مثل مدرسة داخلية أو دير حيث يتم تنظيم كل شيء دون
أن تتعب نفسك.
“رجل العلم والمستقبل هو فقط الفرد الذي يقف غاضباً من الاكتشافات ويتذوق طعم الحرية، لكن الرجل
الجالس لديه انطباع بأن الديمقراطيات تراجعت على أريكته التي غرق فيها المرء وهو متاخم لما أمامه من
شاشات.”
-أنت كتبت هذه الجملة الرهيبة : “هناك حاجة للأجساد التي لا معنى لها من قبل المجتمع نفسه الذي لا معنى
له والذي يهدف إلى إبقاء الناس هادئين في المنزل ومن الأفضل تسليمهم إلى عقول.”
يقول الروائي بروكنر في إجابته على هذا السؤال : لقد أدرك توكفيل أن مذاق الرفاهية المادية يمكن أن
يتعثر وأن يقتل في الفرد مذاق الحرية وما تجلبه من ديموقراطيات. وهناك قول مأثور للفيلسوف كانط “أن
الغرض الأساسي من المدرسة هو تعليم الأطفال الجلوس بهدوء.” وقد تم تعزيز هذا الأمر من خلال
التلفزيون والشبكات الاجتماعية و الهاتف الجوال والحاسوب المحمول. أخيراً، لم يعد رجل المستقبل هو
الرجل الواقف، بل الرجل الجالس، المنكمش على أريكته والمنزوي بعيداً عن الشارع من أجل المناخ!
ومتصلباً أمام شاشاته وهو ماندعوه : الإغراء المتقزم.
-من أين يأتي هذا الخوف من مستقبل العالم؟ على مدار 30 عاماً، اعتقد غالبية الناس أن حياة أطفالهم
ستكون أكثر صعوبة من حياة آبائهم.
-أنت على صواب. من المفارقات، سقوط جدار برلين الذي كان كان بنظرنا على أنه انتصار للديمقراطية،
ولكنه في الواقع كان هزيمة للشيوعية. فقد أدى سقوط هذا الجدار، الذي كان ينبغي أن يكرس التحالف
المزدوج لاقتصاد السوق والنظام البرلماني، إلى تسريع عدد من الأمور. لقد أفسح التفاؤل بتلك الحقبة
المجال لنوع من الانهزامية. فالمستقبل لم يعد مرغوباً فيه. وأخذ شكل كارثة بالنسبة للبعض، وشكل انحدار
بالنسبة للبعض الآخر. فلم يعد كل ما تخيلناه أن كل ما جرى سيعني أنه أفضل العصور، بينما العلماء
يستمرون في العمل وتحقيق المزيد من الإختراعات المتواصلة في تأثيرها فيما نحن لدينا انطباع بأنه زمن
النهاية، والبدء بالعد التنازلي لنهاية العالم والقيامة. ونرى أطفالنا على أنهم محكوم عليهم بوجود خالي من
الذعر وهذا يفرك كثيراً القلق البيئي لدى الشباب.
-الشباب مع ذلك لديهم طاقات هائلة وهم في الشارع لأجل المناخ.
-أصبح المناخ موضوع أوديبي بامتياز. فقد تجادلنا مع آبائنا باسم أيديولوجيات مثل الثورة، واليوم، باسم
المناخ حيث يصبح سبب التوتر اليوم بين العائلات. وعلى الإقتصادات فعلها. كنتيجة لحياة تحل محلها تحت
علامة الطرح، فاليوم لم يعد يتوجب عليك قيادة السيارة، ولا حتى السفر أكثر، وتناول اللحوم أكثر. إنها
فكرة سلبية بحتة، وهذا أمر غريب. كنا نناضل من أجل توسيع الحقوق، وهم يقاتلون من أجل الحد من
التجارب البشرية. من الواضح أن أزمة المناخ حقيقية للغاية، لكن يستخدمها البعض لتوجيهنا نحو وجود
ضوضاء منخفضة : ابق في المنزل، ادفن ذاتك، تجنب السفر، لتجنب الكارثة التي عجل بها آباؤنا دون
وعي.
-لديك رؤية مظلمة للغاية تحافظ على هذه الكارثة التي تندد بها.
-أنا أقوم بتحليل، لكن نصي بأكمله هو دعوة للتمرد على هذا الحبس. عندما ترى العالم، من الصعب أن
تكون متحمساً، لكن لا يمكنك الاستسلام لهذا المزاج الحزين الذي يبدو أنه يؤثر على جميع قطاعات
المجتمع. هذا الكتاب بأكمله عبارة عن دعوة للخروج من العرين، الحفرة التي يريد الناس دفن أنفسهم داخلها
وإجراء تشخيص أكثر تفاؤلاً ولو بالقليل للعالم الآتي. نحن أقوى بكثير مما نعتقد وخصومنا أضعف بكثير
مما يعتقدون. يجب أن نقف معا ونصنع المستقبل.
*خاص بالموقع