حسب التعريف العام للخصاء فهي عملية (بتر العضو الذكري للعبد سواء كان أبيض أو أسود سواء الخصيتين أو القضيب ومن لا قضيب له يسمى مجبوب)، وكانت مهمة المخصي المحروم من إرضاء نزعته الجنسية حراسة الملوك والأعيان ونسائهم، فمبدأ الخصاء قائم على الطاعة والشراسة المطلوبة لمهمة حراسة المالك وبذات الوقت الوداعة من ناحية النساء لعدم حدوث الانتصاب. والجنس هنا ليس مجرد فقدان الشهوة الغريزية بل هي إلغاء هوية جندرية.
ويقال أنه كان للخليفة العباسي المقتدر بالله جيش كامل من الخصيان يقدر ب11 ألف مخصي من العبيد بيضاً أو سود. ورغم تحريم الخصاء شرعاً إلا أنه استمر حتى نهاية الدولة العثمانية. ولكن أصبح فيما بعدها ما يسمى بخصيان الاستعمار وخصيان الأنظمة ما بعد الاستقلال وعن طواعية ورغبة نتيجة ثقافة استمرت لعصور ولم تقتصر على العالم العربي والاسلامي، فمن شاهد فيلم الامبراطور الأخير، عن آخر أباطرة الصين فسيجد أنها ثقافة عالمية، ومن يقرأ تاريخ ديكتاتور اندونيسيا أحمد سوكارنو حليف الغرب الذي قتل حوالي المليون شيوعي وقام ببتر أعضائهم الذكرية ونشرها على حواف الطرق لردع الشعب الاندونيسي عن أي رأي مخالف.
فالخصاء لم تعد مجرد عملية بتر في عصرنا الحديث وإنما فكر شمولي مريض، ففي سورية البعث منذ 1963 وبعدها حكم آل الأسد، ظهر في سورية ما يسمى بالأدب المخصي وأبرز الخصيان كان الصحفيين والأدباء والدراما وصولاً للشبيحة ما بعد الثورة السورية وحملة مباخر السلطان وأدب التطبيل. وحتى هناك من أدباء مابعد الثورة السورية من تميزوا بأدبهم المخصي الثوري، حسب الدولة التي لجأ إليها هذا الكاتب فهناك مخصي العلمانية ومخصي الإسلاموية ومخصي الليبرالية، عدا مخصي النظام السوري. كانت الحالات نادرة في الأدب السوري التي خرجت على ثقافة الإخصاء. أذكر منهم فحل الشعر العربي السوري الحديث مثل نزار قباني وفحل أدب القصة السورية زكريا تامر وكذلك فحل المسرح السوري سعد الله ونوس ومحمد الماغوط. وحتى بالسينما كان عمر أميرالاي، ضمن كوكبة الذين خرجوا على ثقافة الإخصاء الشمولية للبعث بالمقابل كان أشهر شعراء الأدب المخصي نجم الدين صالح الذي مدح حافظ الأسد ونشرت قصيدته العصماء؟ بكتاب اللغة العربية لغير المختصين الشهير في الجامعات السورية للسنوات الثلاث الأولى، وكانت مثار سخرية طلبة الجامعات كونه أصبح المثال الساطع للأدب المخصي وأدب التطبيل وهو نوع من المسخ الغريب والمشوه، ففي عصر الخليفة العباسي كانت هناك امبراطورية وقبله الخليفة الأموي ومن الطبيعي مدحه مقابل دولة مستحدثة مجوفة وظيفية مثل مزرعة الأسد السورية، وبالتالي ربما كان للأدب المخصي في العصر الأموي والعباسي ما يبرره، وبالطبع أبرز مؤسسة في دولة الموز السورية قد روجت للأدب المخصي هي اتحاد الكتاب العرب في دمشق ووزارة الثقافة السورية التي رسخت هذا النوع من الأدب العقيم والمعقم الخاضع لنظام قمعي دموي قروسطي غير قابل للتغيير. وبالمقابل ظهرت مؤسسات معارضة للنظام رسخت ثقافة الإخصاء وتقييد حرية التعبير حسب الممول والداعم وتنميط المؤسسات الإعلامية السورية المعارضة وتطويعها وتكييفها لخدمة رؤى الآخر الداعم والترويج لثقافته وخططه السياسية، وربما الداعم لا يفكر بذلك بالمقابل وإنما ثقافة الإخصاء المتأصلة كما يبدو في خراتيت المؤسسات الفكرية السورية والمعتادة على التطبيل والتزمير للسلاطين والأنظمة قد وجدت فرصتها للتحول من ضحايا القمع لجلادين في دائرة ثقافة الإنسان العربي المقهور والعاجز عن التحرر.
أنهي مقالي بمقولة عمر بن الخطاب رضي الله عنه العظيمة والراسخة والتي لابد من السير عليها لكل انسان على الأرض : (متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً). وأمنيتي فقط أن نتحرر بفكرنا وأدبنا وأن ندع كل ما هو بالي وغير مفيد وأن نكتب أدب حر لا مخصي. فقط حر غير مقيد صادر عن قلوبنا وعقولنا.
*خاص بالموقع