محمد زعل السلوم:ما فائدة عدم قراءة الكتب المكدسة في منازلنا؟

0

عندما كنت في دمشق كدست الكثير من الكتب والمجلات طوال فترة دراستي الأولى والجامعية وما بعد الجامعية، كنت مولع بمجلات المعرفة حتى جمعت كامل أعدادها منذ العدد الأول وكذلك مجلة العربي الكويتية والمستقبل التي كانت تصدر في باريس، فضلاً عن كتب تخصصية لجامعة دمشق حتى وإن لم تكن من تخصصي أي الأدب الفرنسي، وحتى كتب كلية الطب والحقوق والأدب العربي وعلم الاجتماع والفلسفة والعلوم على أنواعها، بل واطلعت على كتب توأمي “أختي الغالية” في التربية وعلم النفس، وقد درست بالفعل التربية وعلم النفس في الأونروا فيما بعد، كنت مهووساً بجمع الكتب وبجمع المصطلحات الفرنسية للترجمة، إضافة للكثير من كتب التراث العربي وكل ما أجده في بسطات الحلبوني قرب التكية السليمانية والمتحف الوطني وجسر الرئيس، بل وأبحث عن الكتب الممنوعة في مكتبات معينة، لطرحها السياسي وكانت في الشعلان، إضافة لمنشورات المركز الثقافي بدمشق وفعالياته التي لم أغب عن معظمها منذ عام 1999 حتى إغلاقه عام 2011، كانت الثقافة تمثل كامل حياتي، ومن خلال حضوري للمسرح والسينما والموسيقى أدون ملاحظاتي في دفاتري الموزعة أينما كان وكيفما اتفق.

وفي معارض الكتب بكلية الآداب بجامعة دمشق أحاول شراء ما يمكنني شراءه حسب العروض المقدمة وكذلك معرض الكتاب السنوي، ولم يتوقف ولعي بالقراءة عند هذا الحد بل كنت أعسكر بالمكتبة الوطنية لساعات طويلة تصل أحياناً إلى 12 ساعة، خاصة خلال فصل الصيف عندما يكون عملي بالتدريس شبه متوقف. لكنني لم أكن بالمقابل لأنشر إلا ما ندر حتى عام 2004 انطلق لساني أو قلمي في كتابة المقالات والأبحاث المطولة. وإن كان لساني الشعري قد انطلق قبل ذلك بكثير فضلاً عن كتاباتي عن الإذاعات الدولية التي كنت مولعاً بها منذ عام 1993 حتى دخلنا عصر الستالايت وبعد ذلك ثورة المعلومات عبر الانترنيت.

السؤال هل قرأ معظمنا جميع الكتب التي تكدست لديه؟ وتحولت بقدرة قادر لكلاسيكيات الكتب، على سبيل المثال استلزمني 14 عام حتى أنهيت رواية الأصدقاء الثلاثة إحدى روائع مكسيم غوركي، لانشغالي عنها لفترات متباعدة، وهناك روايات تصل ل500 صفحة أنهيت قراءتها في يوم واحد. وهناك كتب كدستها لدي لم أصل بها للصفحة الأخيرة.

هناك نكتة متداولة لمارك توين يتحدث فيها عن اختفاء الأدب وهناك الكاتب والاستاذ الجامعي الانكليزي وينشستر يقول : “الكلاسيكيات في الأدب هي شيء يريد الجميع قراءته ولا يرغب أحد بقراءته”.

تتحول تلك الكلاسيكيات لمرتفعات وجبال الإنديز في منازلنا نتمنى فتحها وغزوها والخوض فيها إلى النهاية، فكم مرة تسلقنا جبال لوركا ودستوفسكي وغوغول، وجبال جيمس جويس الوعرة والتي لا يمكننا اختراقها، وتلال جورج أورويل السهلة المنبسطة والبعيدة وكأنها بلا نهاية، وكم أصابتنا الاحباطات واليأس لعدم استكمالها، وهي الأعمال الخالدة التي تحتاج لخيرة وخبرة متسلقي الصخور، لتصيبنا في النهاية هاوية الاستسلام المهين ولتصيبنا حالة الاحباط وصقيع العواطف المتقهقرة، فكم كانت صعبة جبال غابرييل غارسيا ماركيز وكم كان صعبا السباحة والغوص حتى مع مياه الشيخ العجوز لأرنست همنغواي.

فلماذا تبدو لنا المكتبة فارغة رغم تلك التكتلات العظيمة للكتب والمجلدات وهذا الهوس الاجتماعي لجمعها، هناك بعض الأشخاص من اقتنى الكتب بغرض التباهي والتعبير عن المكانة الاجتماعية لا أكثر لكن هل أنهى ذلك الشخص المتباهي لمرة واحدة رواية من ألف صفحة بل ومن 100 صفحة لا أكثر بل وحتى رواية قصيرة، لا أعتقد. وهذا النوع من الأشخاص أسميهم الأثرياء الجهلة فمكتباتهم مجرد صنم اجتماعي لا أكثر، أو كما في مسرحية موليير البرجوازي النبيل محدث النعمة والمرائي، وهناك مقولة شهيرة وتشبه النكتة اللاذعة بأن القرد يبقى قرد حتى لو قلدته شارة ذهبية.وحسب علم البيبليوثولوجيا فإن احتفاظنا بالكتب في منازلنا لها وظيفة إيجابية سواء قرأناها أم لم نقرأها فرغبة قراءتها لها وظيفة ثمينة أنها تحدد أفقنا العقلي على الخط الذي يفصل بين لا نهايتين.

خاص بالموقع

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here