سليم عوض
مؤرخ سوري من الجولان مقيم في استوكهولم
مجلة أوراق- العدد 17-18
أوراق النصوص
ثلاثة آلام سورية اجتمعت في وقت واحد عام 1982، ولمجرم واحد هو نظام الأسد ومشغليه، فبين مجزرة حماة التي بدأت في 2 شباط وإضراب الجولان الشهير الرافض لقرارات وإجراءات الضم الإسرائيلي وذكرى قصيدة بلقيس لنزار قباني إثر تفجير السفارة العراقية في بيروت في 15 ديسمبر 1981 والتي خلفت 61 قتيلاً، لتقتل قلب شاعر المرأة والعرب السوري نزار قباني بفراق محبوبته وزوجته العراقية بلقيس الراوي وقد كانت تعمل بتلك السفارة وأنجبت ولديه زينب وعمر، وللمفارقة تجتمع الآلام الثلاثة في الأرشيف الفلسطيني، ولكن لكل منها لغتها حسب توجهات الحزب الشيوعي في فلسطين المغتصبة، أو بالأحرى عكست أجواء تلك المرحلة، فبين نقل رواية النظام عن مجزرته التي ارتكبها في حماة والتي خلفت حوالي 40 ألف ضحية مدنية من أطفال وشيوخ ورجال وشبان، والتي هي ذات لغة النظام بعد الثورة السورية الثانية على نظام الأسد، وتحميله ما يسميهم “المسلحين” هذا القتل الجماعي، وبين رسالة الشاعر الفلسطيني سميح القاسم لنزار قباني بعد قتل بلقيسه، وبين زيارة الصحفي والناشط الفلسطيني نظير مجلي للجولان في تضامنه مع أبنائها في اليوم الثامن لإضرابهم وحربهم للحفاظ على هويتهم…
لا بواكي على حماة من نظام الأسد الإجرامي:
في 26 شباط 1982 نشرت صحيفة الاتحاد التابعة للحزب الشيوعي الإسرائيلي الناطقة بالعربية وللجناح العربي في فلسطين المغتصبة ما أذاعه راديو دمشق تحت عنوان “الهدوء يعود إلى مدينة حماة السورية” لتقول: “دمشق – أذاع راديو دمشـق يوم الإثنين الماضي برقية أرسلها فرع حزب البعث في مدينة حماة شرح فيها حقيقة الأحداث التي جرت في المدينة منذ بداية شباط الجاري. وقالـت الرسالة إن مجموعات «الإخـوان المسلمين» شنت في الثالث من الشهر الجاري هجوماً دموياً على بيـوت أعضاء الحزب والمحلات العامـة. وإنّها في أثناء هجومها ارتكبت الجرائم البشعة كالتمثيل بالجثـث وإبـادة عائلات بأكملها دون رأفة بالأطفال أو بالنساء أو بالشيوخ.
كما حاولت مجموعات «الإخوان المسلمين» المسلحة شل الحيـاة في المدينة حين أحرقت الحوانيت والأبنية العامـة وقتلت بعض الخبـــراء والاطباء، الذين تحتاج إليهم سورية في وقفتهـا الصامدة في مواجهـة الإمبريالية والاحتلال الإسرائيلي.
وأشار رادیو دمشق كذلك إلى أن قوات الأمن تمكنت من تطويق هذه المجموعات والإجهاز عليها. وأن الحياة تعود إلى طبيعتها في مدينـة حماة.
ومن الجدير بالذكر أن الصحافة السورية كانت قد اتهمت الإمبرياليـة الأمريكية والصهيونية بتحريك هـذه المجموعات لتتمكن من اختراق الجبهة الداخلية في سورية وإجبار النظـام السوري على الانضمام إلى مسيرة «کامب ديفيد» الخيانيّة”.
وضمن برقيات أذاعت ذات الصحيفة المذكورة أعلاه خبرين من دمشق هما:
– دمشق. اتهمت صحيفة البعث السورية، الناطقة بلسان حزب البعث السوري الحـاكم، يوم الجمعة الماضي، خبـراء الاستراتيجية في وزارة الحـرب الأمريكيـة بأنهم وراء الاغتيال والأعمال التخريبية التي تجري في سورية، وذلك في معرض تعليقها على حادث الانفجار الذي حـدث يـوم الخميس الماضي في مبنى وزارة الإعلام السورية، والذي يضم مكاتب صحيفة «البعث» ذاتها. ويذكر أن الصحيفة صدرت صباح اليوم التالي للانفجار كالمعتاد.
هذا واشارت صحيفة تشرين السورية، في الوقت نفسه، بقيام القوى الوطنية والتقدميـة العربية بتعبئة طاقاتها في خدمـة سورية. وامتدحت تنديد مختلـف أجنحـة الثورة الفلسطينيـة بمحاولات عملاء الامبريالية التي تستهدف المساس بسورية.
بالبريد غير العادي إلى نزار قباني من سميح القاسم:
في عددها الصادر في السادس من شباط الجاري نشرت مجلة «المستقبل» التي تصدر في باريس «قصيدة بلقيس». وهي. كما قالت – أحدث وأروع قصائد الشاعر الكبير نزار قباني التي يبكي فيها زوجته «بلقيس» التي قتلت في حادث الانفجار المروع الذي وقع في دار السفارة العراقية في بيروت (حيث كانت تعمل) مؤخراً وأدى إلى وقوع عشرات القتلى والجرحى.
وقد جاء في نهاية القصيدة:
بلقيس أسألك السماح، فربما
كانت حياتك فدية لحياتي
إني لأعرف جيـداً
أن الذين تورطوا في القتل، كان مرادهم
أن يقتلوا كلماتي!!
وفي بداية الشهر الجاري كان زميلنا الشاعر سميح القاسم في باريس (لحضور مؤتمر الحزب الشيوعي الفرنسي) فبعث إلى نزار ـ عبر «المستقبل» (عدد ۱۳ شباط)، الرسالة المؤثرة التالية:
الهمم القعساء كلها، لم تستطع أن تفتح خط البريـد بينك وبيني .. حقاً، لكنها استطاعت أن تقتل بلقيس.
بلا بريد؟ لا بأس، فإذا كانت مخزونات النفط بحاجـة إلى أجنبي ينقب عنها، فإن مخزونات الدم والدموع الجوفية تعرف كيف تتفجر، وكيف تفرض نفسهـا على مجاريهـا.
وها أنا ذا أكتب إليك من حاضرة العروبة باريس، ولا باس.
حين قرأت رسالتك إلى اللاشيء .. رسالتك المكتوبـة بدم بلقيس ودموعك، لم أجد من أكلّمه سـوى العجـوز الفرنسية، صاحبة الفندق الذي أقيم فيه بانتظار رحيل آخر في الرحيل الممتد ثلاثة عقود في زمن الشلل والصمم والموت…
كان على العجوز الطيبة المقحمة إقحاماً في عذابنا، كان عليها أن تبدأ البكاء لأشاركها فيما بعد، حـذراً من أن يضبطني متلبسا بالألم، جمل من جمالنا السائبة في مـدن العالم:
أخي وحبيبي ۰۰
يتملكني الآن شوق حارق إلى يد زوجتي .. أمسك بها برعب، وأغمض عيني لننفجر معاً، بلا دوي وبلا ظهور.
الآن أوثر الخفاء، وماذا أقول لك؟ هل أعترف بخجلي من أن لي بلقیسي، أما أنت فبلا بلقيس؟
يقيناً، سيعترض خط الهاتف بيني وبينك رادع رسولي يصيح: «كفى! للقضية ثمن. وكم من بلقيس ذهبت فـداء لفلسطين!»
أجل، هكذا سيفح ذلك الصوت. ولن تصدقه أنت أما أناـ فلسطين. فسأبصـق في وجهـه رغم حراسه المدججين بالصوت وبكواتم الصوت وإنني لأطلب أن تسجلوا في محاضركم:
أنا فلسطين، لا أريد دم بلقيس. لا أريد الدم المهدور عبثاً على خريطة العالم.
أنا فلسطين، أريد بلقيس لتعد لزوجها نزار قباني قهوة الصباح .. أريد الأمومة لزينب ولعمر. أريد السهرة العائلية تحت الياسمينة وعلى شرفة المنزل الدمشقي.
أنا فلسطين، أريد الإضــاءة الجيـدة والفـرح في الكاظمية. أريد جميع الطرق سالكة، في بيروت، ومـن «المحيط الى الخليج»!
أنا فلسطين، أريد الجامعات والجيوش العصريـة ورياض الأطفال ..
أريد الحدائق العامة ومعاهد الموسيقى والصناعـات الثقيلة. أريد تحيات الود والألفة، القصائد، الشوارع المعبدة، المكتبات. اللافتات الجميلة، الزراعة الحديثة.
أنا فلسطين، أريد حرية الإنسان العـربي وكرامـة الأبجدية. بهذا أكون. لا أريد أن أكون بغير هذا ولا أستطيع أن أكون!
أخي وحبیبي،
لا تصدق أنبياء الكذب. لا تصدق الدجالين مرتزقـة الطبول والكلمات الكبيرة. لا تصدق الإرادات الملكية السامية والمراسيم المبذولة جزافاً كقشور البزر، من شرفات قصور الرياسة وأقبية الأوصياء المخروقين حتى العظم.
لا تصدق أيها القابع في الربذة، بين رياح الليل ولوعـة الإيمان وجثة حبيبتك.
أمس، حدثني أخوة قادمون من بيداء العرب أنهم كانوا يحتسون القهوة على رصيف بيروتي. فجأة سقطت عـلى أقدامهم جثة ما. لم يشاهدوا القناص، طبعاً، لكنهم أزاحوا الجثة بأطراف أحذيتهم وواصلوا احتساء قهوتهم اللذيذة.
ـ كيف، أيها الأخوة؟ ..
ـ « كيف؟ .. هكذا. القتل مسألة مألوفة .. عادة يومية .. ظاهرة لا تستحق انتباهاً خاصاً. كيف؟ هكذا ..)).
وواصلنا احتساء كؤوس السم والحقارة في باريس، حاضرة العروبة! ..
أخي وحبیبي، هل أعزيك؟ أيُ عزاء هو هذا؟ وما جـدوى العزاء أصـلاً؟
التعزيةـ في اعتقادي الناشئ عن سوء طوية لا يوصف. هي ضرب فظٌّ من الشماتة .. وأنّها لتجوز بنا ولا تجوز لنا .. من نحن حتى نجرؤ على الشماتة؟.
لا أعزيك. لا أحاول تعزيتك.
كل ما أريد قوله هو أننا: نوال وأنا وطفلانا محمـد ووضاح نحبك بلا بريد، وسنحبك إلى يوم عبوتنا الناسفة .. آنذاك سنكون بريد الموت، وسنحمل قصيدتـك إلى بلقيس!
باریس 9-2-1982
أربعون عاماً على ذكرى حرب الهوية في الجولان السوري المحتل
ـ «لو قطعونا إرباً إرباً، لن نركع ولن نتخلى عن قوميتنا العربيـة السورية ..»
بهذه الكلمات حدد المناضلون الأربعة أبناء هضبة الجولان السورية المحتلة، المعتقلون بأمر إداري من وزير الحربية، موقفهم من مـؤامرة فرض الجنسيـة الإسرائيلية والقانون الإسرائيلي وموبقاته عليهم.
ـ «لو قطعونـا إرباً إرباً». – قالوا. فرافقتنا كلماتهم طول الطريق إلى الجولان.
اعتلينا المرتفعات ومشاعرنا ممزقة إرباً إرباً .. نحو أولئك الناس.
إنهم لا يزيدون عن 13 ألف انسان معظمهم من النساء والشيوخ والأطفال. يعيشون في أربع قرى صغيرة يتمسكون بها جسداً وروحاً. سوريو القوميـة والأصل. ويرفضون الاحتلال. فمـا الذي يريدونه منهم. يسمونهـم «متطرفين» و«مغامرين» و«محرضين». ويتهمونهم «بإرهاب (!) مؤیّدي إسرائيل» فيعتقلون عـدداً منهم ويمنعـون العلاج الطبي عـن مرضاهم وينهبـون أرضهم وماءهم ثـم يزعمون أنهـم «مخربـون» و«مثيرو النعرات الطائفية!» و «مخالفـون للقانـون» والـخ … ويهددونهم بالطـرد والتشريد والويـل والثبور ..
فمن هو المذنب. من المخرب. من المحرض. ومن هو مخالف القانون؟!.
أرض محتلة. هل تذكـر؟ هل تنسـى؟
دخلنا الجولان من بوابته الجنوبيـة فوق رأس بحيرة طبرية. من أول خطوة جـاء الجـواب: هذي أرض محتلة. من يذكر؟ من ينسى؟ أرض عربية سورية احتلت بقوة العسكرة والعدوان. أليس كذلك؟
وتأتي الخطـوة الثانية والثالثـة والثامنة والألف .. هنا كانت قرية عربية سورية هدموها. حرثوهـا ومحوا آثارها. لكـن أشجار الصبّار تشق طريقها بين الصخور السوداء وتعلن ليل نهار أنهـا: سورية. لا بولونية ولا أمريكية ولا مغربية. هنا بیت عربي صامد ومحطمة أبوابه. لكنه باقٍ صامت، صامد، ليدلك: هنا كانت قريــــــة عربية، وهنا عشرة بيوت سوداء، معظمها مهدوم محروق، لكنها بقيت لتعلن: رحل أهلي وأصحابي لكـن جدراني بقيت عربية.
أشجار السرو والزيتون والصبـر والليمون، حتى ولو زالت الحـروف العربية وهدمت المآذن والكنائس وكل البيوت، فإنها تعلن يومياً، للزهـر والنحـل والـزوار وللمستوطنين الأجانب: عربية. سورية. وهـل يمكن التزوير!!
وجاء دور الإنسـان
“الدرب طويل جداً. لكنك لا تعرف فيه طعم الملل. الأرض مليئة بالناس. مستوطنون ومستوطنـات. جنـود ومعسكرات. باصات في خدمة «جيش الدفاع» .. ودبابات. وشارات عبرية منتشـرة ـ موشـافية ويهودية وکتسرین و«نفح» و«اورطال» و مروم هجولان»! 33 مستوطنة يهودية. ولا ذكر للعربية في الشارات. وبعد جهد جهيـد نجد شارة تدلك على طريق وعرة حكرة – «مسعدة» – منها تعرف مجدل شمس وعين قنيـا وبقعاتا.
بركة مسعدة اسمها بالعربية بركة ران. فصارت بالعبريـة «برخات رام» وعلى أصحابها فُرض الحرمان:
ممنوع الشرب. ممنوع الري. وكل من يخالف يعاقب!
105 قرى هدمت. و120 ألـف نسمة شُرّدوا! كل الأرض وكل المـاء نهبت واليـوم جاء دور الانسـان. الغالبية الصهيونية في الكنيست قررت: الجولان جزء من أرض إسرائيل (15- 12 – 1981). والاحتلال، الذي يتوهم بأن مصائر البشـر تقـرر في كنيست إسرائيل، جاء ليطبق «القانون» على أبناء الجولان.
ـ «لو قطعونـا إرباً إرباً ..» قال المعتقلون. وهنا كل إنسان يقول مثلهم.
15 عـامـا وخمسة آلاف عـام
الاضراب مفتـوح وعام. والهدف واضح لكل أصحاب الجولان: «نرفض الجنسية الاسرائيلية. نرفض تطبيق القانون الإسرائيلي المدني علينـا. نطلب وقف حملة التنكيل والإرهاب علينا. نطالب بإطلاق سراح المعتقلين».
هذا ما يقوله الجميع هنـا بـلا استثناء. وعن هذه المطالب. «لن نتراجع لو قطعونا إرباً إرباً».
وهناك من يضيف: « .. ولو اعتقلونا جميعاً .. رجالاً ونسـاءً وأطفالاً». ويضيف آخر: «ولو منعوا عنا الأكل والشرب». ويتابع ثالث: «لقد جاء الربيع. والأرض خيرة والحمد لله. نـأكل الدردار (عشب معروف في المنطقة) والعِلت إن نفد المخزون وانقطعت المعونة» .. ويؤكد رابع وهو رجل دين. «كلنا إخوة في الكفاح. ليس بيننا زعماء يساعد بعضنا بعضاً، ونتقاسم اللقمة سوية وخصوصاً مع العمال. فهؤلاء تحملوا القسط الاكبر من عـبء الإضراب».
ويتكلم آخر بالمنطق: «الصهيونية تعتبر كل يهودي في أي مكان في العالم مواطناً في دولة اسرائيل وله الحق في الحصول على الجنسية الإسرائيلية. والحجة: أن اليهود عاشوا هنا قبل 5 آلاف عام. فأي منطق هو هذا؟! إذا كانوا متمسكين «بقوميّتهم» بعد خمسة آلاف عام فكيف يطالبوننـا بالتخلي عن قوميّتنا بعد 15 عاماً من الاحتلال .. علما بأننا لم نرحل ولـم نقطع أية صلة بقوميّتنا العربيـة؟».
لكن .. أين هو المنطق من حكـام بلادنا وأين هي الانسانية والانسان؟!
– من لا يقبل بالجنسية الاسرائيلية يعتبر متمرداً؟ ويخسر حقه في العمـل وفي العلاج الطبي وفي العلم وحتى في مجرد السير في الشارع والعيش في البيت بهدوء وأمان ..
– سلمان محمد عماشة من بقعانا يوم الجمعة الماضي أخذ والدته، في حالة صعبة، إلى المستشفى. وفي الطريق لاحقته سيارة الاحتلال وأوقفته، بعد حين نزل الجنود، وبلا مقدمات انهالوا عليه بالضرب والشتم والإهانة. و«التهمة» الخطيرة أنه لم يتح لسيارة «الأمن» بـأن تجتـازه!
– الشيخ رفيق علي إبراهيم مـن مجدل شمس – يوم الخميس الأسبق دعي إلى مركز الشرطة، وبـلا مقدمات: ضرب وشتم وإهانة.
و«التهمة». تهديـد مـواطنين لأنهم كسروا الإضراب!!.
– حوالي نصف السكان لا يحملون بطاقة عضوية الهستدروت، وقد تلقى هؤلاء العلاج طول الوقت في عيادات صندوق المرضى الهستدروتي مقابل مبلغ من المال. اليوم – يُمنعون من تلقي العلاج بأي شكل من الأشكال .
– كل الذين لا يحملون الجنسية الاسرائيلية بمنعون من تسجيل المواليد والوفيات ومن تجديد رخص السيارات وتصادر سياراتهم إذا كانت موديل الأعوام 80 – 81 – 1982.
– 25 شاباً في ال 16 من العمر رفضوا قبول الهوية المدنية الإسرائيلية فسجلت عليهم مخالفات وحكم كـل منهم بدفع غرامة 16 ألف ليرة.
– المرضى المزمنون ـبالقلب أو السكري وغيرهم ـ لا يعطى لهم الدواء. والحجة: نقص دائـم في الأدوية.
– المضربون وصلتهـم أوامر فصل من العمل.
– من ادخر شيئاً من المال في البنك، ـحجز ادخاره بأمر من ضريبة الدخل (600 شخص).
– وكل هذه الاجراءات تزداد قسوة مع استمرار الاضراب و«تبشرنا» هاآرتس (22 – 2) بـأن الاحتلال سيشدد إجراءاته لقمـع الإضراب ..
لكن ..
«يستطيع الاحتلال أن يحرمنــا هويتنا. يستطيع أن ينهب أرضنـا وماءنا وأن يغلق مدارسنا ويمنـع عنا العلاج. يستطيع أن يضعنا في غيتو كما فعل النازيون. يستطيع أن يحوّل قرانا إلى معتقلات يستطيع أن يهدمها ويحرثها فوقنا. فعنده من القـوة والأجهزة والأسلحة والوحشية مـا یکفي لفعل كل ذلك. لكن الاحتـلال، بكل ما يملك من قوة وأدوات ومن دعم إمبريالي ورجعي، لن يستطيع تزوير إرادتنا وقوميّتنا وجنسيتا، لـن يستطيع».
هكذا يرد أهالي الجولان. ويقررون استمرار الاضراب.
كانت جولتنا في اليوم الثـامن للإضراب. وفى كل قرية من القـرى الأربع وجدنا الناس مجتمعين في الساحة جاهزين لمواجهة كل موقف. استقبلونا بأروع ما يكون الاستقبال ووجدنا أنفسنا، نحن المتضامنين معهم، نستمد منهم المعنويات العالية والقوة على الاستمرار في النضال. فهم يعطون دروساً في الوقفة الموحدة الصامدة وقوة الاحتمال وفي الوعي ووضوح الرؤية واختیار أســــــــــاليب النضال.
لا تراجع – يؤكدون ـ فقد بلغ السيل الزبى. وبانتظام يثير الإعجاب والاعتزاز يضعون لنا برنامج العمـل وخطة التجوال: كنا أربعة: طبيب ومندوب عن عصبة حقوق الإنسان والمواطن وممثل عن بلدية الناصرة -وكاتب هذه السطور. للطبيب جهزوا عيادة عالج فيها المرضى من المسنين والأطفـال والحـالات المستعجلـة. ولمندوب العصبة نظموا جولة في القرى الأربع اطلع خلالها على حقيقـة الأوضاع في هذه القرى. ولنا قدموا تقريراً مختصراً واضحاً وتحليلاً عميقاً مؤثراً جعلنا جولانيّين مئة بالمئة في مواجهة الاحتلال.
وحين عدنا من الجولان لم يستطع أيٌّ منا إلا أن يعمل على تجنيـد الآخرين في معركة التضامن مع أحرار الجولان ودعم صمودهم بكل ما يملك من قوة وممكنات. أجل، إنّ دعم صمود أحرار الجولان الأسطوري هو واجب كل إنسان يعتز بإنسانيته. هو واجب كل ذي ضمير حي. فنحـن نشهد حرباً عدوانية همجية تشنهـا حكومة ذات جيش «مغوار» مدجـّج بكل أسلحة القتل والدمـار على 13 ألف إنسان أعزل معظمهم من النساء والمسنين والأطفال كل «ذنبهم» أنهم يرفضون التخلي عن جنسيتهم. فهـل يقبـل أي منـا أن يقف «حيادياً» مكتوف الأيدي إزاء هذا الحال؟ !
خاتمة:
هذه الأيام وفي الذكرى الأربعين للبواكي السورية الثلاث، من مجزرة حماة إلى حرب الهوية الجولانية إلى مرثية بلقيس النزارية والتي ربما، وأقصد هذه القصيدة، عبّرت عن تلك المراثي لحال السوريين أمس واليوم، وللمفارقة أن قتلة بلقيس هم أنفسهم من قتل ميشيل سورا الصحفي والمفكر الفرنسي الذي كشف مجزرة حماة بتفاصيلها للعالم الغربي بكتابه “سوريا الدولة المتوحشة”، وأقصد حزب الدعوة الشيعي بعد اختطافه في بيروت عام 1984 وتصفيته، مما يؤكد أنه ذات النظام هو المسؤول، والأنكى أن هذا النظام وجد في إضراب الجولان فرصته لتغطية مجزرة حماة المروعة، وكأن النظام العنصري الصهيوني أراد رمي طوق نجاة لحليفه التاريخي حافظ الأسد ولاستكمال مسرحية الصراع العربي الإسرائيلي. فضلاً عن نظام الملالي في طهران الذي خلصه من ساورا، وأختم بشيء من كلمات نزار في بلقيس وكأنها حماة والجولان:
بلقيس يا وجعي
ويا وجع القصيدة حين تلمسها الأنامل
هل يا ترى من بعد شعرك سوف ترتفع السنابل؟
يا نينوى الخضراء
يا غجريتي الشقراء
يا أمواج دجلة
تلبسُ في الربيع بساقها
أحلى الخلاخل
قتلوك يا بلقيس
أيَّة أمّة عربية تلك التي تغتال أصوات البلابل؟
أين السموأل؟
والمهلهل؟
والغطاريف الأوائل؟