مبادرة من برلين إلى الغوطة: زيت الزيتون عنوان الدعم والمساعدة

0

أنس عوض

من برلين إلى ريف دمشق سيدة سورية تطلق مبادرة فردية تهدف لمساعدة أشقائها في الداخل السوري بسبب تدهور وضعهم المعيشي والاقتصادي في زمن الكورونا في مناطق سيطرة نظام الأسد وتقول: ” رغم صغر المبلغ المالي الذي أجمعه من مربح المبيعات لا أتردد ورسله لعله ينقذ طفلا رضيعا من الموت جوعا”.

أم جميل الشامي (اسم مستعار) لاجئة سورية من الغوطة الشرقية أم لأربعة أولاد تقيم في ألمانيا، شاركت في الحراك الثوري بالمظاهرات السلمية منذ بداية اندلاع الثورة في الغوطة الشرقية، وامتنعت عن ذكر اسمها الحقيقي لأسباب أمنية خاصة بها، فهي تحب عمل الخير ومساعدة الآخرين وهو من أحد أعمالها التي تحب ممارسته في بلد المهجر، فلجوئها إلى أوروبا لم يمنعها من مساعدة الناس وخاصة أبناء وطنها السوريين في الداخل، تعمل على مساعدة الآخرين بقدر استطاعتها وخاصة الآن في ظل جائحة فايروس كورونا العالمي. قررت القيام بمبادرة فردية تساعد الناس الفقراء والمحتاجين وزوجات الشهداء المتواجدين في الغوطة الشرقية، اللواتي ليس لهن أي معيل، أو حتى أي دعم من المنظمات الإنسانية والإغاثية وخاصة أنهن عشنَ حصار الغوطة الذي دام لأكثر من خمس سنوات، ولم يتثن لبعضهن الخروج أثناء التهجير في 2018 لأسباب خاصة بهن.

المبادرة الخيرية

ونظرا لتدهور وسوء الوضع المعيشي الذي يعيشه أهالي الغوطة الشرقية في ظل وباء كورونا، فإلى ذلك قامت أم جميل بمبادرتها الخيرية الصغيرة بشراء عبوات زيت الزيتون ويعود سعر العبوة 25€ التي سعتها 5 لتر وتبيعها بـ 35€ بربح 10€، وبدأت مشروعها بقيمة 300€ وعندما تصل الأرباح إلى 150€ تقوم بتوزيعها على ثلاث عائلات لكل عائلة 50€ وإرسالها إلى الغوطة رغم صعوبة تحويلها في بعض الأحيان بسبب فرض عقوبات من نظام الأسد على من يتعامل بالعملة الأجنبية في مناطق سيطرته، وتقول أم جميل أن مبادرتها لم تلاقِ دعما كبيرا من بعض أصدقائها في المدينة التي تقيم بها في ألمانيا ولكن البعض الآخر رحب بمبادرتها ودعمها بمشروعها، ومن هؤلاء الأصدقاء صديقتها حسناء من المغرب دعمتها بقدر استطاعتها بمبلغ 150€ وكانت تشتري منها عبوة الزيت ب60€ أي ما يقارب ضعف ثمنها في المبيع،  وتتابع أم جميل قولها: “أقوم بترويج و ببيع تنكات الزيت عبر تطبيق واتساب بنشر صورة تنكة الزيت وعرضها للبيع وأوضح للمشتري بأن أرباح التنكة عائدة إلى الناس الفقراء والمحتاجين لمن يريد أن يدفع أكثر كما فعلت صديقتي حسناء وغيرها من الأصدقاء” .

تستأنف أم جميل حديثها عن سبب اختيارها لمنطقة الغوطة الشرقية الواقعة تحت سيطرة النظام في مساعدة الناس بدلا من مساعدة المدنيين في الشمال السوري المحرر مثلا كالمخيمات، فقالت: “إن مناطق الشمال السوري المحرر يوجد فيها الكثير من المنظمات الإغاثية والإنسانية والطبية العالمية التي تساعد المدنيين القاطنين هناك، وبينما مناطق سيطرة النظام تفتقر إلى تلك المنظمات وخاصة الغوطة الشرقية التي وصل حال بعض العائلات فيها إلى وضع بائس  تحت خط الفقر، فلذلك رغم صغر المبلغ المالي الذي أجمعه من مربح مبيع تنكات الزيت لا أتردد  بإرساله لعله ينقذ طفلاً رضيعا من الموت جوعا”،  وقالت أيضا : يتعمد النظام إهمال مدن وبلدات الغوطة بتقديم المساعدات الإغاثية والطبية لهم لنشر فايروس كورونا في تلك المناطق  بدافع الانتقام من أهالي الغوطة الذين خرجوا ضده في بداية 2011.

في زمن الكورونا

  جائحة فايروس كورونا أوقفت وعطلت دول العالم عن الحركة، حيث وصل عدد المصابين حول العالم 20 مليون مصاب، وإلى أن وصل إلى سوريا في مناطق سيطرة النظام وتم تسجيل أول إصابة بفيروس كورونا في تاريخ 22 مارس/آذار الماضي بحسب مصادر طبية تابعة لنظام الأسد، ومن ثم بدأ الوباء بالتفشي والانتشار السريع ويعود سبب ذلك إلى إهمال وعدم اللامبالاة النظام السوري  بهذا الوباء وغياب الدعم الطبي عن  المستشفيات والمراكز الصحية، فهذا ما جعل الناس في مناطق سيطرته تسعى لتأمين مستلزمات الوقائية بأنفسهم مثل الكمامات ومواد التعقيم والأدوية التي تدخل ضمن الوقاية الصحية من فيروس كورونا، حيث شهدت هذه المستلزمات ارتفاعا ملحوظا في أسعارها، ولاسيما أسطوانات الأوكسجين التي وصل سعرها إلى مليون ليرة سورية للأسطوانة الواحدة، وسعر الكمامة الواحدة 1000 ليرة سورية، ومتوسط دخل المواطن يبلغ 50 ألف ليرة، وكل هذا وسط انتشار كبير للبطالة وسوء الأوضاع الاقتصادية والمعيشية في مناطق سيطرة نظام الأسد، فمن هنا بدأت مبادرة أم جميل وسارعت بتنفيذها لتساعد وتحسن من الوضع المعيشي لبعض عائلات المحتاجين للمساعدة.

والجدير بالذكر أن أم جميل كان لها عدة مساهمات في مساعدة أهالي الغوطة الشرقية أثناء سنوات الحصار، وأن مبادرتها في مساعدة الناس ليست الأولى، فكانت تجري اتصالاتها مع أصدقائها المقيمين في ألمانيا لجمع التبرعات المالية بمبالغ قليلة وخجولة بحد وصفها وإرسالها إلى الغوطة، وتقول أم جميل: “سوف استمر في مبادرتي سواء إن كان وباء كورونا أو لم يكن لأن عمل الخير ومساعدة الناس ليس له زمن محدد.

رسالة وأمانيّ أم جميل

“أتمنى لمشروعي الخيري الصغير بأن يكبر أكبر من ذلك وأن يدعمه أهل الخير حتى نساعد أكبر عدد ممكن من الناس المحتاجين الذين ليس لهم أي معيل وأتمنى أيضا أن أفتح ورشة خياطة أو أي مشروع ربحي يساعد ويصب في خدمة كل محتاج فقير، وأدعو رجال الأعمال السوريين المتواجدين في أوروبا لمد يد العون بمساعدة ودعم الفقراء بفتح مشاريع ربحية صغيرة تجعلهم يعتمدون على أنفسهم لكيلا يحتاجوا مساعدة أحد”، هذا حلم أم جميل في الحياة الذي يعطيها أملا لا ينقطع ويدفعها لأن تستمر في عمل الخير من دون يأس أو ملل.

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here