مازال جسد بوعزيزي السوري يحترق

0

مصطفى علوش

كاتب سوري

مجلة أوراق العدد 12

الملف

انتظرناها طويلاً وحين بدأت في منتصف آذار عام 2011 بدأنا بخيانتها، وبدل أن نساند هويتها الوطنية السورية فقط تماهينا بقاتلها وأراد منها بعض أبنائها أن تكون مزرعة لأهل السنّة ولم يخجلوا من طرح شعار قائدنا للأبد سيدنا محمد، وحين كان على شعار الحرية أن يجمعنا كسوريين وجدنا أنه كبير على مقاسنا جداً، فتم تفصيله وتشويهه ليتحول إلى مزراب ذهب لعشاق الإتجار بالثورات، نعم هناك من أصبح مليارديراً بفضل الثورة السورية، وخير برهان على ذلك حين تحولت ساحات الفيس بوك إلى ساحة للحرب الأهلية.

لم يقتلنا بشار الأسد ونظامه فقط إنما قتلنا نحن روح الثورة حين اعتقدنا أنها عمل عسكري فقط، في ميزان قوى عسكري خاسر سلفاً حيث بقي الطيران بيد النظام وبيد الثوار البنادق وبينهم داعش وجبهة النصرة ومخبري النظام. ومع الأيام استشهد الكثير من الثوار وبقي أمراء الحرب يتاجرون بالناس والثورة.

ناقشنا كل شيء، نحن الأحياء ولكننا بقينا خائفين من بعضنا البعض، بقينا مذعورين من بعضنا البعض.  بقيت كل قوتنا العامة صفر على يسار الرقم. بسبب عدم الاتفاق على خريطة طريق سياسية واضحة.

كانت ثورتنا، كبيرة جداً علينا، كان علينا أن نقرأ في علم السياسة كثيراً قبل أن نتوقع أن هذا العالم لن يسمح بمجزرة حماه ثانية، كان علينا أن نقرأ سياسة ونمزجها بقراءات في علم النفس لنتعرف إلى هذا الجهل السوري القاتل الذي سمح لكل هذا العفن المتطرف بالوصول إلى قلوب الناس.

ليس بشار الأسد ونظامه وحاضنته وحلفاؤه من جعل النظام يبقى حتى الآن، إنما أيضاً شخصيات المعارضة مجتمعة ومنفردة بكل هيئاتها السياسية والتي لم نسمع من أي من أفرادها اعترافاً صريحاً بالفشل السياسي، وبالإخفاق، ولم نسمع من أي واحد من هؤلاء أنه عليه التقاعد سياسياً بسبب الخرف وزيادة الشحوم في الكتابة السياسية الأسبوعية التحليلية في الصحافة الممولة من دول عربية صغرى ترعى جبهة النصرة ومشتقاتها سياسياً وعسكرياً وعملت بالليل والنهار على إفشال الثورة من خلال الدخول إليها عبر كل الطرق، منظمات، أحزاب، برامج إثارة الطائفية.

الآن نحن عبارة عن مجموعة من الضحايا، والناجين، نحن مجموعة من الطوائف موزعون في القارات السبع، ولا أحد يريد الاعتراف صراحة بأن الثورة لا تدار بعقلية الثأر والنكايات والكراهية والحقد والانتقام.

نعم حتى اللحظة سياسياً فشلنا، ومازال بشار الأسد يلتقي بالإعلاميين ليشرح لهم أضرار الليبرالية الحديثة، لكن ثمة مسار حقوقي قانوني سوري يسير بخطوات واثقة وصادقة، تمكن مؤخراً حتى الآن من إيصال صف ضابط في استخبارات النظام إلى السجن، وأجد فيه أهم طريق للأمل لمتابعة الثورة لمن استطاع إليهه سبيلاً.

ورغم كل هذا البكاء المتسرب من كلامي، أنا متفائل لأن بيننا من يعمل بشرف في خدمة الثورة، يعمل في الليل والنهار حتى ترتاح أرواح الضحايا.

علينا أن نتعلم ونتفق على نخبة سياسية سورية جديدة تكون قادرة على العمل السياسي المنظم القائم على المتابعة والصبر، نخبة نتفق معها على برنامج وطني سياسي شامل. 

وإلى أن يحدث ذلك ستحترق أجساد كثيرة لبوعزيزي السوري فقرا وقهراً واعتقالا.