كانت صدمة كبيرة لكثيرين حين قرأوا خبر دعم 35 دولة، بينها السعودية، والإمارات، والبحرين، وعمان، والكويت، وقطر، وسوريا، وباكستان، لسياسة الصين ضد مسلمي الإيغور في إقليم شينجيانغ، وتبرئتهم ساحة بكين من التهم التي وجهها إليها 22 سفيرًا آخرين في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة.
حدث ذلك رغم اعتقال الصين نحو مليون مسلم منذ عام 2017، بحسب بعض الإحصاءات؛ بهدف محو ثقافتهم وتراثهم الإسلامي في إطار «عمليات احتجاز تعسفية واسعة، تستهدف الإيغور وغيرهم من المسلمين، فيما يسمى بمعسكرات إعادة التعليم في شينجيانغ»، كما أكدت المفوضة السامية لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة ميشيل باشليه في سبتمبر (أيلول) الماضي.
وخذلان حكام الدول العربية والإسلامية للشعوب المسلمة المستضعفة يطرح أسئلة استفهام كثيرة حول أسباب هذا النهج الذي ربما يرقى لمرتبة «الخيانة»، ويعيد للأذهان تجارب مشابهة عبر التاريخ. وغالبًا ما تقع خيانة الحكام لشعوبهم في فترات الضعف السياسي، أو الصراع على السلطة، أو غرق الحكام في الترف، وابتعادهم عن حس المسؤولية، وفقدانهم لمواقع الريادة والقوة؛ ما يدفع بعضهم إلى الوقوع في بئر «الخيانة» مع أعداء الأمة.
بيد أن هذه الخيانة وذلك الخذلان لا يقتصران على حكام المسلمين فحسب، بل يعج التاريخ بقصص كثيرة للخونة من مختلف الأمم والمجتمعات، فالخيانة لا ترتبط بجنس أو عرق معين، بدءًا من خيانة بروتس لعمه يوليوس قيصر مؤسس الإمبراطورية الرومانية وقتله، وصولًا إلى حرب الجواسيس التي دارت بين الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة في العقود الأخيرة.
ملوك المسلمين ينشغلون بخلافاتهم عن صد خطر التتار
هناك أمثلة عديدة تظهر أن الخيانة وتحالفات بعض حكام العرب والمسلمين مع الطغاة الأجانب ضد أبناء أمتهم كانت سببًا مباشرًا في هزائم كثيرة لحقت بالأمة الإسلامية، وأدت إلى معاناة الشعوب عقودًا طويلة، نذكر منهاخيانة أمراء الشام الذين ساندوا التتار الغزاة في عام 658 هجرية، حيث خذل الأمراء مدينة ميافارقين، أشهر المدن الإسلامية في ديار بكر (تقع الآن في شرق تركيا).
في شهر المحرم من تلك السنة وصل هولاكو إلى حلب، وأطبقت الجيوش التترية على المدينة المسلمة من كل الجهات، لكن حلب رفضت التسليم لهولاكو، وتزعم المقاومة فيها توران شاه عم الناصر يوسف الأيوبي، ونصبت المجانيق التترية حول مدينة حلب، وبدأ التتار القصف الجنوني على المدينة.
في تلك الأثناء وقع حادث أليم ومفجع؛ إذ سقطت مدينة ميافارقين تحت أقدام التتار بعد الحصار البشع الذي استمر 18 شهرًا متصلة، عاش فيها أهالي المدينة بين معاناة الحصار وإصرار على الكفاح والجهاد، دون أن تتحرك نخوة أمير من الأمراء، أو ملك من الملوك في ذلك الوقت.
ثمانية عشر شهرًا والناصر داود بن المعظم بن العادل، والأشرف موسى بن المنصور إبراهيم بن أسد الدين شيركوه والي حمص، والملك المغيث عمر بن العادل بن الكامل والي الكرك، وغيرها من الأسماء الضخمة، يراقبون الموقف ولا يتحركون.
وبسبب تخاذل هؤلاء الأمراء وغيرهم سقطت مدينة ميافارقين، واستبيحت حرماتها تمامًا، وجعلها أشموط بن هولاكو عبرة لكل بلد يقاوم في هذه المنطقة؛ فقتل السفاح كل سكانها، وحرَّق ديارها، وسواها بالأرض، واتخذها خطوة لاجتياح غيرها من المدن، حتى الإمارات التي كانت تسانده من قبل.
في هذه الأجواء، وبينما كان سيف الدين قطز يجهز لمعركة عين جالوت عام 1260 لتخليص العالم الإسلامي من شر التتار، فوجئ بأن عددًا من الأمراء الأيوبيين قد ارتموا في أحضان التتار، ورفضوا مساعدته، بل إن الناصر يوسف الأيوبي أمير دمشق وحلب حينها كان قد طلب من التتار بعد سقوط بغداد أن يعاونوه في غزو مصر.
ورغم ذلك سعى قطز إلى إذابة الخلافات التي بينه وبين أمراء الشام بهدف الوحدة مع الشام، أو على الأقل تحييد أمرائها، ثم وجد قطز أن رأس هؤلاء الأمراء هو الناصر يوسف الأيوبي أمير حلب ودمشق، فأرسل له يعرض عليه الوحدة، على أن يكون الناصر هو ملك مصر والشام! لكن الناصر يوسف لم يستجب، ثم حصد عاقبة موقفه بأن مرت الأيام سريعًا، وسقطت حلب، وهُدّدت دمشق، وفرّ الناصر يوسف إلى فلسطين، وعندها خرج جيش الناصر عن طوعه، وفضل الانضمام إلى قطز.
إن نسي التاريخ فإنه لا بد وأن يذكر خيانة كل من الوزير بن العلقمي ونصير الدين الطوسي للخلافة العباسية وارتكابهما جريمة حضارية كبيرة بحق المسلمين، يقول عنها ابن كثير راويًا أحداث سنة 656هـ: «ابن العلقمي، وزير المستعصم البغدادي.. ثم صار وزير سوء على نفسه وعلى الخليفة وعلى المسلمين، مع أنه من الفضلاء في الإنشاء والأدب، وكان رافضيًا خبيثًا رديء الطوية على الإسلام وأهله. وقد حصل له من التعظيم والوجاهة في أيام المستعصم ما لم يحصل لغيره من الوزراء، ثم مالأ على الإسلام وأهله الكفار هولاكو خان.. ثم حصل له بعد ذلك من الإهانة والذل على أيدي التتار الذين مالأهم وزال عنه ستر الله، وذاق الخزي في الحياة الدنيا».
ويقول أيضًا: «الخواجا نصير الدين الطوسي وزر لأصحاب قلاع الألموت من الإسماعيلية، ثم وزر لهولاكو، وكان معه في واقعة بغداد. ويقال إن الذي أشار بقتل الخليفة المستعصم هو الوزير ابن العلقمي، والمولى نصير الدين الطوسي، وكان النصير عند هولاكو قد استصحبه في خدمته لما فتح قلاع الألموت، وانتزعها من أيدي الإسماعيلية، وانتخب هولاكو النصير ليكون في خدمته، كالوزير المشير، فلما قدم هولاكو وتهيب من قتل الخليفة هون عليه الوزير ذلك فقتلوه رفسًا».
قائد جيش البنغال ينحاز للبريطانيين ضد شعبه
حينما رفع أحفاد هولاكو وجنكيز خان راية الإسلام في روسيا والهند، وأنشأوا دولة إسلامية، ظهر نموذج آخر من الخيانة على يد الأمير الهندي مير جعفر الذي خان الدولة المغولية المسلمة، لصالح بريطانيا التي احتلت دولة الهند والبنغال والسند لمدة 200 عام بسبب خيانته.
بدأت الخيانة التي قام بها جعفر عندما كان قائدًا لجيش البنغال، التي كانت وقتها تحت حكم سراج الدولة، حيث خاض حربًا ضد شركة «إيست إنديا» البريطانية التي أرادت الاستيلاء على المنطقة.
وعندما بدأت المعركة بين الجانبين في 23 يونيو (حزيران) 1757، انشق مير جعفر رفقة 15 ألف رجل من سلاح الفرسان و35 ألف من المشاة؛ ما تسبب بإحباط عزيمة ما تبقى من الجيش البنغالي، وهروب سراج الدين، وقام البريطانيون بتعيين جعفر مكانه حاكمًا للبنغال تحت الرعاية البريطانية.
ومع ذلك لم يستطع مقاومة الرغبة بخيانة البريطانيين ودخل في مفاوضات سرية مع خصومهم الهولنديين. وتسبب فشله في مساعدة البريطانيين بإقالته والاستبدال به بابن زوجته في عام 1760.
المصدر : ساسة بوست