ماذا أُعطيكِ وأنتِ مُلكي
وماذا تعطيني وأنا الخسارة؟!
***
أحيّيكِ
بشمسٍ موشكةٍ على ثلج الحدائق
رغم إنني أخرسُ الآن خرسَ الأوراقِ
وذهولِ الأوراق
فليس ثـمَّةَ بـهجةٌ
حينَ تظهرينَ وتختفينَ في مرآة الليل
***
وجهُكِ يلوحُ وصوتُكِ يتردّدُ في الوديان
فأسمعُ يديكِ تتلمسان قميصي
تتلمساني بثلج الحدائق…
صوتُكِ طعمُ المشمشِ وخرير السواقي
وهيمان الطيور
بين صوتِكِ وثلجِ الحدائقِ يسقط ُ
قناعٌ
خانتهُ الأعشابُ والجروح
فأسمعُ أجراسَ الليلِ في وديان الليل…
أجراسَ الندى وهسهسةَ الشوكِ وصيحةَ الشوك.
هسهسةٌ تخطفُ الروحَ من غصنِ الرمان
وبهجةِ زهرِ الرمان
……….
……….
يتلألأُ وجهُكِ في شرق المرآة
وغرب المرآة
فتهجُّ الطيور!
لكنَّني مذهولٌ
لا أعرفُ كيفَ ألمسُكِ أو أُناديك
أخرسُ…
لا أعرفُ أن أبيّنَ لك سبباً
لا أعرفُ كيف…
لا أعرف
…….
…….
القناعُ يسقطُ على الثلج
والجرحُ القديمُ يُوجعُ القناعَ
لكنني أخرسُ
لا أعرف كيف!
***
أنتِ رائعةٌ أيضاً لأنك جعلتني الآن،
الآن فقط
أعرف معنى الخرسِ.
الخرسُ وليس الصمت
وصرتُ قادراً على التفريق بينهما
وهذا لعمري ليس بالشيء القليل
ألستِ رائعةً إذن؟!
……….
……….
تهتزُّ الغيومُ تحتَ قميصي فتضطربُ مياهُ البئر
تتحركُ الأيامُ تتدافعُ مع الليالي
يهدأُ وقعُ خطاكِ
تهتزُّ الغيومُ في سماء الحديقة
فأشمُّ رائحةَ ليمونٍ في الهواء الندي
طفلةٌ تحملُ المرآةَ تُعلّقُها على شجرة
أو تضعُها خلفَ الشمس
ربما تُلقيها على الأعشاب
فتنبضُ الأيامُ والساعاتُ والدقائقُ في المرآة
تظهرُ وجوهٌ وتختفي وجوهٌ خلفَ سياجِ الحديقة
***
كيف تسقطُ الأقنعةُ والأيامُ والذكرياتُ
في بئرٍ هرمٍ
ولا تعودُ عصافيرُ الفجرِ إلى أشجارنا المُنتَظِرة؟!
روحٌ سريعةُ العطب
لا تكاد تبتهجُ بشيءٍ
حتى تجدهُ بعيداً مُنحدِراً يتلاشى
…………..
…………..
المرآةُ تضحكُ
المرآةُ قناعٌ آخر
قناعٌ يضيء
قناعٌ مخاتلٌ يظهرُ ويختفي كاشفاً كلَّ شيء
تسّاقط الدقائقُ والساعاتُ في ظلالي
في ظلال الحديقة
هشاشةُ الإنسان
هشاشةُ الزمنِ المكسورِ
والقناعِ الذي يضحكُ والمرآةِ المطعونة
***
تسّاقطُ
الدقائقُ
والساعاتُ
والقبلاتُ
على الأعشاب
متلاشيةً مع الفجر
آثار قبلاتي على خدّيكِ
على وجهكِ المتلألئ في بحيرة الليل
يتلألأُ العشبُ بالذكريات
تتلألأُ الأشجارُ
أتلألأُ،
تتلألأُ ظلالي
فتهربُ آلافُ الأرانبِ في البراري
***
أقفُ أمامَ الأيامِ والليالي
أرى مدينةً أخرى
أخرجُ منها مُسرعاً
لعلّيَ أجدُكَ ثانيةً عند الباب
لكنَّني ألمحُ ظلالَكِ تتلاشى…
الدقائقُ والساعاتُ تنفرط من بين يديَّ
قطراتُ ندىً مضيئةٌ تبلّلُ وجّهَكِ
كنتُ أظنُّ أنّيَ قادرٌ على النسيان
حتى تعثرتُ ثانيةً وكدتُ أسقطُ
فوجدتُ نفسي أتكئُ عليك
كم أنتِ جميلةٌ
حين تطيرينَ مع العصافيرِ وهرجِ العصافير
وهي تهجُّ من المرآةِ لتختفي تحتَ قميصِكِ
آثارُ الفجرِ على نهديكِ
قبلاتي يبلّلُها الندى
متى ينتهي هذا الليلُ الطويلُ
كي أصلَكِ
كي أقرعَ أجراسَك
وأتركَها ترنُّ في أرجاء الحديقة
في ليل المدينة وفي أرجاء السموات
***
صامتاً
أطوفُ العالمَ وحدي
حدائقُ العشاقِ على رأسي
شراراتُ الوجدِ تقدحُ في قلبي
أعرفُ إنني لا أستطيعُ أن أغيّرَ شيئاً
أعرفُ إنكِ والمرآةَ تفكّران بي
أعرفُ
ولا أستطيعُ الصياح…
أغرقُ بكلِّ ثيابي وجروحي وبساتينِ العراق
في بحرٍ تتلاطم أمواجُهُ في المرآة
أصرخ كي يسمعَني الليلُ وأجراسُ الليل
آلافُ الأرانبِ تركضُ في روحي
تركض في حقولٍ مكشوفة
كأني رأيتُها في حُلمٍ
في غابةٍ وغرقتُ معها في قطرةِ ندى
آلافُ الأرانبِ تركضُ
تركضُ…
تركضُ…
لا أكادُ أصيحُ من فرحتي وأركضُ معها
حتى تدخلَ المرآةَ متقافزةً وتختفي
………..
………..
لا أستطيعُ أن أفعلَ شيئاً…
لم يعدْ يعنيني شيءٌ
أخرسُ لا يهمُّني الصمتُ ولا الكلام
متشرداً في شتاءِ ليلٍ طويل…
ما أجملَكِ حين تطلّين عليَّ فتتسعُ الحديقةُ
تُلامسُنا الظلالُ فتغمرُنا البهجةُ وجروحُ البهجة
ما أجملَكِ عاريةً تحتَ مطرٍ خفيف
ما أجملَكِ عاريةً تحيطينَ بي من جميع الجهات
***
أرفعُ يديَّ
فيتوقّفُ المطر
أخطو وحيداً
كأن لا أحدَ في الحديقة
لا أحدَ في المدينة
لا أحدَ في هذا العالم
……….
……….
ترنُّ الساعاتُ والأجراسُ والأشجارُ
في جميع الحدائق والليالي
فنعود إلى المرآة
ندخلُها ونختفي
دونَ قناعٍ أو ذكرى
دون أن نمحوَ آثارَ القبلِ المرتبكةِ على وجوهنا
دون أن نمحوَ آثارَ خطواتِنا على الأعشاب
لكنَّ حفيفَ ظلالنا سيبقى هناك
بين البيوت والذكريات
بين المرايا والطيور التي تختفي في المرايا
حتى تستيقظَ الحديقةُ وتغني الحديقة…
*خاص بالموقع
مجلة أوراق