على الرغم من كون الثقافة العربية من أكثر الثقافات التي يحضر فيها القربان إلى اليوم كممارسة شعائرية اجتماعية، فإنها لا تحتوي على غطاء نظريّ كافٍ لفهم هذه الظاهرة، وتمثّل ترجمة الأدبيات التي تناولتها في الغرب وسيلة لنقل تلك الأفكار ومن ثمّ مجادلتها وتوظيفها في سياقات محلية.
بترجمة وتحقيق الباحث التونسي محمد الحاج سالم، صدر مؤخراً “كتاب القربان: مقالة في طبيعة القُرْبَان ووظيفته” لـ مارسيل موس وهنري هوبير عن منشورات “معنى”.
نقرأ من تقديم الكتاب: “نقترح في هذا العمل تحديد طبيعة القُرْبَان ووظيفته الاجتماعيّة، وهو مسعى كاد يكون مجرّد طموح لولا بحوث تايلور، وروبرتسون سميث، وفريزر التي مهّدت له. ونحن معترفون بما لهم في رقبتنا من دين. ولكنّ دراسات أخرى تسمح لنا باقتراح نظريّة مختلفة عن نظريّتهم وتبدو لنا أكثر تفهّمًا. ونحن لا نطمح إلى تقديمها إلاّ على سبيل فرضيّة مؤقّتة؛ إذ لا يمكن لأيّ معلومات جديدة حول موضوع واسع ومعقّد مثل موضوعنا، إلاّ أن تؤدّي في المستقبل إلى تغيير أفكارنا الحاليّة. ورغم هذه التحفظّات الصريحة، فإنّنا نظنّ أنّه من المفيد تنظيم ما يتوفّر لدينا من وقائع وتقديم تصوّر عامّ بشأنها”.
ويضيف: “ومهما كانت أهميّة تاريخ التصوّرات القديمة والشعبيّة حول القُرْبَان-الهبة والقُرْبَان-الطعام والقُرْبَان-العَقْد، ودراسة ما قد أحدثته من انعكاسات سلبيّة على الشعيرة، فإنّنا لن نتوقّف عندها مهما كانت فائدة ذلك. فالنظريّات المتعلّقة بالقُرْبَان قديمة قدم الأديان ذاتها، لكن العثور على نظريّات ذات طابع علمي لا يعود إلاّ لسنوات قليلة وبعد أن نشأت المدرسة الإناسيّة وخاصّة ممثّليها الإنكليز، إذ هي صاحبة الفضل في نشوء نظريّات علميّة”.