كبرياء الساعور: لماذا علينا كنسويات أن نختار نظام علماني ديمقراطي؟

0

تعتبر العلمانية من أكثر المصطلحات المثيرة للجدل في الفكر العربي، التي يعود تاريخ ظهورها إلى عصر النهضة الأوروبي، حيث دعت العلمانية آنذاك إلى فصل الدين عن الدولة وتحرير الدولة من سلطة الدين، وقد بدأ الفكر العلماني بالظهور في المجتمعات العربية في أواسط القرن التاسع عشر ومرحلة النهضة والتنوير العربية، فقد دعا بعض مفكري النهضة إلى إقصاء الدين عن الحياة السياسية، منهم شبلي الشميل وسلامة موسى. وقد اتخذ المفهوم لدى التيارات الفكرية العربية دلالات مختلفة وحدثت انقسامات واضحة حول المصطلح في المجتمعات العربية، حيث تواجه مجتمعاتنا إشكالية العلاقة مع الحداثة والتقدم.

بالرغم من الجدل المثار، لقد غدا مفهوم العلمانية من المفاهيم العالمية في الثقافات الحية والديمقراطية.

من المهم اليوم توسيع دوائر النقاش والحوار بين السوريات/ين حول الكثير من المفاهيم الضرورية لمستقبل سوريا، مثل العلمانية والديمقراطية لتغيير النظرة المكرسة في العقل الجمعي.

إن الاشتغال على موضوع العلمانية في مجتمعاتنا العربية لم يتوقف، لكن تصاعد مع موجات الربيع العربي والسؤال حول شكل الحكم والدولة. بعد الثورة السورية انتشر النقاش حول بنية ووظيفة الدولة السورية وكيفية إنتاج شرعية سياسية، من أجل الخروج من الصراعات العميقة لذا علينا الإجابة عن سؤال أي علمانية نريد؟ وعن ضرورة تلازم العلمانية والديمقراطية لمواجهة الاستبداد.

تقوم العلمانية بشكل عام على مدرستين أو اتجاهين، اتجاه يؤكد على ضرورة أن تتلازم مع الحرية والتي تتجسد بمفهوم العقد الاجتماعي، الذي يتيح للناس ولجميع المواطنات/ين حرية التعبير وحق الاختيار في تنظيم حياتهم السياسية والاجتماعية. أما الاتجاه الآخر من العلمانية يسعى إلى توسيع نطاق سلطة الدولة في مختلف مناحي الحياة. في عالمنا العربي شهدنا أنظمة حكم قمعية سيطرت على كل مؤسسات الدولة بما فيها المؤسسة الدينية وحولتها إلى مؤسسات فاسدة.

بالنظر إلى الجدل الحاصل حول العلمانية بين أتباع التيارات العلمانية والتيارات الإسلامية نجد هناك تباين واختلافات واضحة، لا توجد تيارات علمانية أو تيارات دينية متجانسة، بل كل تيار يحمل بداخله مواقف متباينة تحمل الكثير من الاختلاف في التوجهات، وبهذا الخصوص يقول الكاتب والمفكر السوري ياسين الحاج صالح “هناك علمانية تسلطية، وعلمانية تحررية، هناك علمانية هي قناع للطائفية.” كما يرى ياسين الحاج صالح أنه لا ضرورة لفصل الدين عن الدولة بل إلى فصل الدين عن السيادة، والمقصود بالسيادة الولاية العامة فالدولة الحديثة بحسب وجهة نظره “هي دولة لادين لها، بل مؤسسة حكم عامة يفترض أن توفر حقوقًا متساوية للمختلفات/ين، ولا تمارس العنف باسم الدين، إن جوهر الدولة احتكار العنف الشرعي، وضمان السلم والمساواة بين السكان، من مصلحة مجتمعاتنا ومن أجل حياة أفضل للناس قائمة على الحرية والعدل”. 

لذا من المهم أن نميز بين العلمانية في الحياة السياسية، والعلمانية كأيديولوجيا مطلقة تسعى إلى استئصال الدين من المجتمع، ومعاداة الأديان. إن العلمانية التي تتعامل مع المجتمع بشكل متعالي تريد فرض نمط من الحكم من فوق، هذا الشكل من العلمانية يتحالف مع الاستبداد، ولقد شهدنا كيف تحولت بعض العلمانيات/ين إلى مدافعات/ين عن الاستبداد في وجه الثورات. نعتقد أن العلمانية في المجال العام والسياسي تتيح للسكان مساواة بالحقوق والواجبات التي يضمنها الدستور والقوانين، دون حرمان الناس من حقهم بالتدين وممارسة أديانهم. العلمانية بهذا المعنى لا تقف ضد الدين وحرية التدين، بل ضد تحول الدين إلى سلطة سياسية تميز بين الناس بحسب الانتماء، وتتحكم بحياة الناس الاجتماعية والسياسية، فالحكم الديني يؤدي إلى تأجيج الصراعات والنزاع، في حين تتيح العلمانية للناس التحرر من المقدس في المجال السياسي والقانوني وتنظيم شؤون المجتمع.

تكتسب العلمانية شرعيتها الفكرية والأخلاقية بالاستناد إلى معايير أساسية: الحرية والمساواة والكرامة. فالعلمانية لا تملك حلولاً سحرية، بل من خلال قدرتها على تنظيم حياة اجتماعية وسياسية مبنية على توافقها مع العدالة والحرية والمساواة، تؤمن بحرية الناس بالاعتقاد وتحترم رأي الناس، وتعمل معهم، تمنحهم القدرة على التفاوض. إن التحرر الاجتماعي والسياسي والديني في أي مجتمع يتيح للناس الحق بالاختيار.

انطلاقًا من الواقع السوري الحافل بالصراعات والانقسامات، تحتاج سوريا لبناء نظام علماني ديمقراطي تعددي، عبر مشروع وطني لبناء الدولة الوطنية الحديثة التي تتناسب مع تنوع المجتمع السوري القومي والديني والعرقي، من خلال عقد اجتماعي يوحد كل المواطنات/ين انتماءاتهن/م في المجال السياسي، تحت سقف دستور وقانون يساوي بين الناس بغض النظر عن الجنس أو العرق أو الدين. إذ لا يمكن للدولة أن تكون علمانية بدون الديمقراطية، إذ أنها بذلك تصبح تكريسًا للديكتاتورية.

إن ادعاء النظام السوري العلمانية هو محض افتراء، فهو يقوم على الولاءات والمحسوبيات والقمع والسيطرة الأمنية التي تمنع أي حق في المساواة بين الناس، لذا ينبغي البدء بحركة نقدية سياسية وفكرية تنويرية لقبول التعددية والاختلاف والسعي إلى قيام مجتمع مدني راسخ ومتطور يلعب دور في التوعية والدفاع عن مصالح الفئات المهمشة والمحرومة من الحقوق.

لماذا علينا كنسويات أن نختار العلمانية والديمقراطية

تتيح العلمانية الديمقراطية قيام دولة مؤسسات وقانون ومواطنة، تضمن صدور قوانين وتشريعات مدنية حديثة تحقق المساواة بين الجنسين. بالطبع لابد أن ننوه أن الوعد العلماني بالتحرر والمساواة بين النساء والرجال مرهون بنضال نسوي، ونظرة نقدية مستمرة في بحث أوجه انعدام المساواة على كل المستويات.

إن الحديث عن علاقة قضايا النساء بشكل الدولة والديمقراطية والحياة السياسية لا يقتصر على قانون الأحوال الشخصية، وإنما يشمل قضايا النساء في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية من منظور النوع الاجتماعي، وإن إحراز تقدم حقيقي في حقوق النساء مرهون بتغيير وإصلاح ديمقراطي واقتصادي وسياسي حقيقي، يتيح مساحة واسعة من الحريات ومن الحقوق الأساسية لجميع المواطنات/ين بالتساوي، ويشكل بيئة مناسبة من جو الحريات لتحصل المرأة على حقوقها والتركيز على تمكين النساء في الحقل العام والسياسة. 

إن فعالية الحركات النسوية في البلد بعد الانتقال الديمقراطي يمكن أن تقود إلى دولة أكثر دعمًا للنساء، والنجاح في بناء حركة نسوية عابرة للطبقات والانتماءات، نسويات من جميع شرائح المجتمع يكافحن من أجل حقوقهن، وأن تصر النساء من جميع الأطياف على فعالية أدوارهن في المجتمع.

إن ميدان حقوق المرأة ما زال ميدان المعركة الأشد بين التيارات السياسية. 

الدفاع المستمر عن قانون أسرة بمرجعية دينية يعني استمرار التمييز ضد المرأة، هناك تيار إسلامي يقاوم تغيير قوانين الأحوال الشخصية، وهذا ما نلمسه عند الحوار حول ضرورة التغيير بين جمهور المعارضين الإسلاميين الذين يدعون لدولة مدنية ديمقراطية.

ما زالت قوانين الأحوال الشخصية في سوريا نموذجًا صارخًا على التمييز بين الرجل والمرأة، فهذه القوانين التي تحكم الزواج والطلاق والحضانة والإرث تنكر على المرأة الكثير من الحقوق التي تنص عليها قوانين حقوق الإنسان. فتظل المرأة بنظر قوانين الأحوال الشخصية تلك قاصرًا خاضعة لوصاية أفراد الأسرة الذكور، وعلى الرغم من التقدم الذي أحرزته المرأة السورية في مجالات متعددة مثل التعليم والعمل والحياة العامة، إلا أن هذه القوانين ما زالت تشهد مقاومة واستعصاء على التغيير نظرًا لاعتمادها بصفة أساسية على الشريعة، ولا تتماشى مع حقوق المواطنة المتساوية.

إن قوانين الأحوال الشخصية تقدم نموذجًا للأسرة يقوم على افتراض أن الرجل في مرتبة أعلى من المرأة، مما ينتهك حقها في المساواة.

نريد قوانين علمانية تعزز المساواة بين الرجل والمرأة، وتجنبنا الصراع مع المرجعيات الدينية التي تنتقص حقوقنا باسم المقدس. وقد لجأ النظام السوري دائمًا إلى إرضاء التيار الديني الموالي له، ورفض أي تعديل جوهري يحمي حقوق النساء ويحقق العدالة، بالرغم من ادعائه العلمانية. نريد قانون أسرة يحمي حقوق المرأة والطفل، حق قانوني للمرأة في الطلاق وتقاسم الإرث والأملاك مناصفة مع الزوج، قانون يسمح بمنح الجنسية لأطفالها، قانون يجعلها تحصل على حقوقها كاملة. إن تحقيق المساواة الكاملة بين الجنسين في الحقوق والواجبات على المستوى الدستوري والقانوني بمرجعية المواثيق والاتفاقات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان مرهون باجتماع العلمانية والديمقراطية، لأن المجتمعات العلمانية في ظل الاستبداد أو المحكومة بنظام حكم ديني لابد أن تفضي إلى انعدام المساواة.

تعتبر العلمانية من أكثر المصطلحات المثيرة للجدل في الفكر العربي، التي يعود تاريخ ظهورها إلى عصر النهضة الأوروبي، حيث دعت العلمانية آنذاك إلى فصل الدين عن الدولة وتحرير الدولة من سلطة الدين، وقد بدأ الفكر العلماني بالظهور في المجتمعات العربية في أواسط القرن التاسع عشر ومرحلة النهضة والتنوير العربية، فقد دعا بعض مفكري النهضة إلى إقصاء الدين عن الحياة السياسية، منهم شبلي الشميل وسلامة موسى. وقد اتخذ المفهوم لدى التيارات الفكرية العربية دلالات مختلفة وحدثت انقسامات واضحة حول المصطلح في المجتمعات العربية، حيث تواجه مجتمعاتنا إشكالية العلاقة مع الحداثة والتقدم.

بالرغم من الجدل المثار، لقد غدا مفهوم العلمانية من المفاهيم العالمية في الثقافات الحية والديمقراطية.

من المهم اليوم توسيع دوائر النقاش والحوار بين السوريات/ين حول الكثير من المفاهيم الضرورية لمستقبل سوريا، مثل العلمانية والديمقراطية لتغيير النظرة المكرسة في العقل الجمعي.

إن الاشتغال على موضوع العلمانية في مجتمعاتنا العربية لم يتوقف، لكن تصاعد مع موجات الربيع العربي والسؤال حول شكل الحكم والدولة. بعد الثورة السورية انتشر النقاش حول بنية ووظيفة الدولة السورية وكيفية إنتاج شرعية سياسية، من أجل الخروج من الصراعات العميقة لذا علينا الإجابة عن سؤال أي علمانية نريد؟ وعن ضرورة تلازم العلمانية والديمقراطية لمواجهة الاستبداد.

تقوم العلمانية بشكل عام على مدرستين أو اتجاهين، اتجاه يؤكد على ضرورة أن تتلازم مع الحرية والتي تتجسد بمفهوم العقد الاجتماعي، الذي يتيح للناس ولجميع المواطنات/ين حرية التعبير وحق الاختيار في تنظيم حياتهم السياسية والاجتماعية. أما الاتجاه الآخر من العلمانية يسعى إلى توسيع نطاق سلطة الدولة في مختلف مناحي الحياة. في عالمنا العربي شهدنا أنظمة حكم قمعية سيطرت على كل مؤسسات الدولة بما فيها المؤسسة الدينية وحولتها إلى مؤسسات فاسدة.

بالنظر إلى الجدل الحاصل حول العلمانية بين أتباع التيارات العلمانية والتيارات الإسلامية نجد هناك تباين واختلافات واضحة، لا توجد تيارات علمانية أو تيارات دينية متجانسة، بل كل تيار يحمل بداخله مواقف متباينة تحمل الكثير من الاختلاف في التوجهات، وبهذا الخصوص يقول الكاتب والمفكر السوري ياسين الحاج صالح “هناك علمانية تسلطية، وعلمانية تحررية، هناك علمانية هي قناع للطائفية.” كما يرى ياسين الحاج صالح أنه لا ضرورة لفصل الدين عن الدولة بل إلى فصل الدين عن السيادة، والمقصود بالسيادة الولاية العامة فالدولة الحديثة بحسب وجهة نظره “هي دولة لادين لها، بل مؤسسة حكم عامة يفترض أن توفر حقوقًا متساوية للمختلفات/ين، ولا تمارس العنف باسم الدين، إن جوهر الدولة احتكار العنف الشرعي، وضمان السلم والمساواة بين السكان، من مصلحة مجتمعاتنا ومن أجل حياة أفضل للناس قائمة على الحرية والعدل”. 

لذا من المهم أن نميز بين العلمانية في الحياة السياسية، والعلمانية كأيديولوجيا مطلقة تسعى إلى استئصال الدين من المجتمع، ومعاداة الأديان. إن العلمانية التي تتعامل مع المجتمع بشكل متعالي تريد فرض نمط من الحكم من فوق، هذا الشكل من العلمانية يتحالف مع الاستبداد، ولقد شهدنا كيف تحولت بعض العلمانيات/ين إلى مدافعات/ين عن الاستبداد في وجه الثورات. نعتقد أن العلمانية في المجال العام والسياسي تتيح للسكان مساواة بالحقوق والواجبات التي يضمنها الدستور والقوانين، دون حرمان الناس من حقهم بالتدين وممارسة أديانهم. العلمانية بهذا المعنى لا تقف ضد الدين وحرية التدين، بل ضد تحول الدين إلى سلطة سياسية تميز بين الناس بحسب الانتماء، وتتحكم بحياة الناس الاجتماعية والسياسية، فالحكم الديني يؤدي إلى تأجيج الصراعات والنزاع، في حين تتيح العلمانية للناس التحرر من المقدس في المجال السياسي والقانوني وتنظيم شؤون المجتمع.

تكتسب العلمانية شرعيتها الفكرية والأخلاقية بالاستناد إلى معايير أساسية: الحرية والمساواة والكرامة. فالعلمانية لا تملك حلولاً سحرية، بل من خلال قدرتها على تنظيم حياة اجتماعية وسياسية مبنية على توافقها مع العدالة والحرية والمساواة، تؤمن بحرية الناس بالاعتقاد وتحترم رأي الناس، وتعمل معهم، تمنحهم القدرة على التفاوض. إن التحرر الاجتماعي والسياسي والديني في أي مجتمع يتيح للناس الحق بالاختيار.

انطلاقًا من الواقع السوري الحافل بالصراعات والانقسامات، تحتاج سوريا لبناء نظام علماني ديمقراطي تعددي، عبر مشروع وطني لبناء الدولة الوطنية الحديثة التي تتناسب مع تنوع المجتمع السوري القومي والديني والعرقي، من خلال عقد اجتماعي يوحد كل المواطنات/ين انتماءاتهن/م في المجال السياسي، تحت سقف دستور وقانون يساوي بين الناس بغض النظر عن الجنس أو العرق أو الدين. إذ لا يمكن للدولة أن تكون علمانية بدون الديمقراطية، إذ أنها بذلك تصبح تكريسًا للديكتاتورية.

إن ادعاء النظام السوري العلمانية هو محض افتراء، فهو يقوم على الولاءات والمحسوبيات والقمع والسيطرة الأمنية التي تمنع أي حق في المساواة بين الناس، لذا ينبغي البدء بحركة نقدية سياسية وفكرية تنويرية لقبول التعددية والاختلاف والسعي إلى قيام مجتمع مدني راسخ ومتطور يلعب دور في التوعية والدفاع عن مصالح الفئات المهمشة والمحرومة من الحقوق.

لماذا علينا كنسويات أن نختار العلمانية والديمقراطية

تتيح العلمانية الديمقراطية قيام دولة مؤسسات وقانون ومواطنة، تضمن صدور قوانين وتشريعات مدنية حديثة تحقق المساواة بين الجنسين. بالطبع لابد أن ننوه أن الوعد العلماني بالتحرر والمساواة بين النساء والرجال مرهون بنضال نسوي، ونظرة نقدية مستمرة في بحث أوجه انعدام المساواة على كل المستويات.

إن الحديث عن علاقة قضايا النساء بشكل الدولة والديمقراطية والحياة السياسية لا يقتصر على قانون الأحوال الشخصية، وإنما يشمل قضايا النساء في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية من منظور النوع الاجتماعي، وإن إحراز تقدم حقيقي في حقوق النساء مرهون بتغيير وإصلاح ديمقراطي واقتصادي وسياسي حقيقي، يتيح مساحة واسعة من الحريات ومن الحقوق الأساسية لجميع المواطنات/ين بالتساوي، ويشكل بيئة مناسبة من جو الحريات لتحصل المرأة على حقوقها والتركيز على تمكين النساء في الحقل العام والسياسة. 

إن فعالية الحركات النسوية في البلد بعد الانتقال الديمقراطي يمكن أن تقود إلى دولة أكثر دعمًا للنساء، والنجاح في بناء حركة نسوية عابرة للطبقات والانتماءات، نسويات من جميع شرائح المجتمع يكافحن من أجل حقوقهن، وأن تصر النساء من جميع الأطياف على فعالية أدوارهن في المجتمع.

إن ميدان حقوق المرأة ما زال ميدان المعركة الأشد بين التيارات السياسية. 

الدفاع المستمر عن قانون أسرة بمرجعية دينية يعني استمرار التمييز ضد المرأة، هناك تيار إسلامي يقاوم تغيير قوانين الأحوال الشخصية، وهذا ما نلمسه عند الحوار حول ضرورة التغيير بين جمهور المعارضين الإسلاميين الذين يدعون لدولة مدنية ديمقراطية.

ما زالت قوانين الأحوال الشخصية في سوريا نموذجًا صارخًا على التمييز بين الرجل والمرأة، فهذه القوانين التي تحكم الزواج والطلاق والحضانة والإرث تنكر على المرأة الكثير من الحقوق التي تنص عليها قوانين حقوق الإنسان. فتظل المرأة بنظر قوانين الأحوال الشخصية تلك قاصرًا خاضعة لوصاية أفراد الأسرة الذكور، وعلى الرغم من التقدم الذي أحرزته المرأة السورية في مجالات متعددة مثل التعليم والعمل والحياة العامة، إلا أن هذه القوانين ما زالت تشهد مقاومة واستعصاء على التغيير نظرًا لاعتمادها بصفة أساسية على الشريعة، ولا تتماشى مع حقوق المواطنة المتساوية.

إن قوانين الأحوال الشخصية تقدم نموذجًا للأسرة يقوم على افتراض أن الرجل في مرتبة أعلى من المرأة، مما ينتهك حقها في المساواة.

نريد قوانين علمانية تعزز المساواة بين الرجل والمرأة، وتجنبنا الصراع مع المرجعيات الدينية التي تنتقص حقوقنا باسم المقدس. وقد لجأ النظام السوري دائمًا إلى إرضاء التيار الديني الموالي له، ورفض أي تعديل جوهري يحمي حقوق النساء ويحقق العدالة، بالرغم من ادعائه العلمانية. نريد قانون أسرة يحمي حقوق المرأة والطفل، حق قانوني للمرأة في الطلاق وتقاسم الإرث والأملاك مناصفة مع الزوج، قانون يسمح بمنح الجنسية لأطفالها، قانون يجعلها تحصل على حقوقها كاملة. إن تحقيق المساواة الكاملة بين الجنسين في الحقوق والواجبات على المستوى الدستوري والقانوني بمرجعية المواثيق والاتفاقات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان مرهون باجتماع العلمانية والديمقراطية، لأن المجتمعات العلمانية في ظل الاستبداد أو المحكومة بنظام حكم ديني لابد أن تفضي إلى انعدام المساواة.

تعتبر العلمانية من أكثر المصطلحات المثيرة للجدل في الفكر العربي، التي يعود تاريخ ظهورها إلى عصر النهضة الأوروبي، حيث دعت العلمانية آنذاك إلى فصل الدين عن الدولة وتحرير الدولة من سلطة الدين، وقد بدأ الفكر العلماني بالظهور في المجتمعات العربية في أواسط القرن التاسع عشر ومرحلة النهضة والتنوير العربية، فقد دعا بعض مفكري النهضة إلى إقصاء الدين عن الحياة السياسية، منهم شبلي الشميل وسلامة موسى. وقد اتخذ المفهوم لدى التيارات الفكرية العربية دلالات مختلفة وحدثت انقسامات واضحة حول المصطلح في المجتمعات العربية، حيث تواجه مجتمعاتنا إشكالية العلاقة مع الحداثة والتقدم.

بالرغم من الجدل المثار، لقد غدا مفهوم العلمانية من المفاهيم العالمية في الثقافات الحية والديمقراطية.

من المهم اليوم توسيع دوائر النقاش والحوار بين السوريات/ين حول الكثير من المفاهيم الضرورية لمستقبل سوريا، مثل العلمانية والديمقراطية لتغيير النظرة المكرسة في العقل الجمعي.

إن الاشتغال على موضوع العلمانية في مجتمعاتنا العربية لم يتوقف، لكن تصاعد مع موجات الربيع العربي والسؤال حول شكل الحكم والدولة. بعد الثورة السورية انتشر النقاش حول بنية ووظيفة الدولة السورية وكيفية إنتاج شرعية سياسية، من أجل الخروج من الصراعات العميقة لذا علينا الإجابة عن سؤال أي علمانية نريد؟ وعن ضرورة تلازم العلمانية والديمقراطية لمواجهة الاستبداد.

تقوم العلمانية بشكل عام على مدرستين أو اتجاهين، اتجاه يؤكد على ضرورة أن تتلازم مع الحرية والتي تتجسد بمفهوم العقد الاجتماعي، الذي يتيح للناس ولجميع المواطنات/ين حرية التعبير وحق الاختيار في تنظيم حياتهم السياسية والاجتماعية. أما الاتجاه الآخر من العلمانية يسعى إلى توسيع نطاق سلطة الدولة في مختلف مناحي الحياة. في عالمنا العربي شهدنا أنظمة حكم قمعية سيطرت على كل مؤسسات الدولة بما فيها المؤسسة الدينية وحولتها إلى مؤسسات فاسدة.

بالنظر إلى الجدل الحاصل حول العلمانية بين أتباع التيارات العلمانية والتيارات الإسلامية نجد هناك تباين واختلافات واضحة، لا توجد تيارات علمانية أو تيارات دينية متجانسة، بل كل تيار يحمل بداخله مواقف متباينة تحمل الكثير من الاختلاف في التوجهات، وبهذا الخصوص يقول الكاتب والمفكر السوري ياسين الحاج صالح “هناك علمانية تسلطية، وعلمانية تحررية، هناك علمانية هي قناع للطائفية.” كما يرى ياسين الحاج صالح أنه لا ضرورة لفصل الدين عن الدولة بل إلى فصل الدين عن السيادة، والمقصود بالسيادة الولاية العامة فالدولة الحديثة بحسب وجهة نظره “هي دولة لادين لها، بل مؤسسة حكم عامة يفترض أن توفر حقوقًا متساوية للمختلفات/ين، ولا تمارس العنف باسم الدين، إن جوهر الدولة احتكار العنف الشرعي، وضمان السلم والمساواة بين السكان، من مصلحة مجتمعاتنا ومن أجل حياة أفضل للناس قائمة على الحرية والعدل”. 

لذا من المهم أن نميز بين العلمانية في الحياة السياسية، والعلمانية كأيديولوجيا مطلقة تسعى إلى استئصال الدين من المجتمع، ومعاداة الأديان. إن العلمانية التي تتعامل مع المجتمع بشكل متعالي تريد فرض نمط من الحكم من فوق، هذا الشكل من العلمانية يتحالف مع الاستبداد، ولقد شهدنا كيف تحولت بعض العلمانيات/ين إلى مدافعات/ين عن الاستبداد في وجه الثورات. نعتقد أن العلمانية في المجال العام والسياسي تتيح للسكان مساواة بالحقوق والواجبات التي يضمنها الدستور والقوانين، دون حرمان الناس من حقهم بالتدين وممارسة أديانهم. العلمانية بهذا المعنى لا تقف ضد الدين وحرية التدين، بل ضد تحول الدين إلى سلطة سياسية تميز بين الناس بحسب الانتماء، وتتحكم بحياة الناس الاجتماعية والسياسية، فالحكم الديني يؤدي إلى تأجيج الصراعات والنزاع، في حين تتيح العلمانية للناس التحرر من المقدس في المجال السياسي والقانوني وتنظيم شؤون المجتمع.

تكتسب العلمانية شرعيتها الفكرية والأخلاقية بالاستناد إلى معايير أساسية: الحرية والمساواة والكرامة. فالعلمانية لا تملك حلولاً سحرية، بل من خلال قدرتها على تنظيم حياة اجتماعية وسياسية مبنية على توافقها مع العدالة والحرية والمساواة، تؤمن بحرية الناس بالاعتقاد وتحترم رأي الناس، وتعمل معهم، تمنحهم القدرة على التفاوض. إن التحرر الاجتماعي والسياسي والديني في أي مجتمع يتيح للناس الحق بالاختيار.

انطلاقًا من الواقع السوري الحافل بالصراعات والانقسامات، تحتاج سوريا لبناء نظام علماني ديمقراطي تعددي، عبر مشروع وطني لبناء الدولة الوطنية الحديثة التي تتناسب مع تنوع المجتمع السوري القومي والديني والعرقي، من خلال عقد اجتماعي يوحد كل المواطنات/ين انتماءاتهن/م في المجال السياسي، تحت سقف دستور وقانون يساوي بين الناس بغض النظر عن الجنس أو العرق أو الدين. إذ لا يمكن للدولة أن تكون علمانية بدون الديمقراطية، إذ أنها بذلك تصبح تكريسًا للديكتاتورية.

إن ادعاء النظام السوري العلمانية هو محض افتراء، فهو يقوم على الولاءات والمحسوبيات والقمع والسيطرة الأمنية التي تمنع أي حق في المساواة بين الناس، لذا ينبغي البدء بحركة نقدية سياسية وفكرية تنويرية لقبول التعددية والاختلاف والسعي إلى قيام مجتمع مدني راسخ ومتطور يلعب دور في التوعية والدفاع عن مصالح الفئات المهمشة والمحرومة من الحقوق.

لماذا علينا كنسويات أن نختار العلمانية والديمقراطية

تتيح العلمانية الديمقراطية قيام دولة مؤسسات وقانون ومواطنة، تضمن صدور قوانين وتشريعات مدنية حديثة تحقق المساواة بين الجنسين. بالطبع لابد أن ننوه أن الوعد العلماني بالتحرر والمساواة بين النساء والرجال مرهون بنضال نسوي، ونظرة نقدية مستمرة في بحث أوجه انعدام المساواة على كل المستويات.

إن الحديث عن علاقة قضايا النساء بشكل الدولة والديمقراطية والحياة السياسية لا يقتصر على قانون الأحوال الشخصية، وإنما يشمل قضايا النساء في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية من منظور النوع الاجتماعي، وإن إحراز تقدم حقيقي في حقوق النساء مرهون بتغيير وإصلاح ديمقراطي واقتصادي وسياسي حقيقي، يتيح مساحة واسعة من الحريات ومن الحقوق الأساسية لجميع المواطنات/ين بالتساوي، ويشكل بيئة مناسبة من جو الحريات لتحصل المرأة على حقوقها والتركيز على تمكين النساء في الحقل العام والسياسة. 

إن فعالية الحركات النسوية في البلد بعد الانتقال الديمقراطي يمكن أن تقود إلى دولة أكثر دعمًا للنساء، والنجاح في بناء حركة نسوية عابرة للطبقات والانتماءات، نسويات من جميع شرائح المجتمع يكافحن من أجل حقوقهن، وأن تصر النساء من جميع الأطياف على فعالية أدوارهن في المجتمع.

إن ميدان حقوق المرأة ما زال ميدان المعركة الأشد بين التيارات السياسية. 

الدفاع المستمر عن قانون أسرة بمرجعية دينية يعني استمرار التمييز ضد المرأة، هناك تيار إسلامي يقاوم تغيير قوانين الأحوال الشخصية، وهذا ما نلمسه عند الحوار حول ضرورة التغيير بين جمهور المعارضين الإسلاميين الذين يدعون لدولة مدنية ديمقراطية.

ما زالت قوانين الأحوال الشخصية في سوريا نموذجًا صارخًا على التمييز بين الرجل والمرأة، فهذه القوانين التي تحكم الزواج والطلاق والحضانة والإرث تنكر على المرأة الكثير من الحقوق التي تنص عليها قوانين حقوق الإنسان. فتظل المرأة بنظر قوانين الأحوال الشخصية تلك قاصرًا خاضعة لوصاية أفراد الأسرة الذكور، وعلى الرغم من التقدم الذي أحرزته المرأة السورية في مجالات متعددة مثل التعليم والعمل والحياة العامة، إلا أن هذه القوانين ما زالت تشهد مقاومة واستعصاء على التغيير نظرًا لاعتمادها بصفة أساسية على الشريعة، ولا تتماشى مع حقوق المواطنة المتساوية.

إن قوانين الأحوال الشخصية تقدم نموذجًا للأسرة يقوم على افتراض أن الرجل في مرتبة أعلى من المرأة، مما ينتهك حقها في المساواة.

نريد قوانين علمانية تعزز المساواة بين الرجل والمرأة، وتجنبنا الصراع مع المرجعيات الدينية التي تنتقص حقوقنا باسم المقدس. وقد لجأ النظام السوري دائمًا إلى إرضاء التيار الديني الموالي له، ورفض أي تعديل جوهري يحمي حقوق النساء ويحقق العدالة، بالرغم من ادعائه العلمانية. نريد قانون أسرة يحمي حقوق المرأة والطفل، حق قانوني للمرأة في الطلاق وتقاسم الإرث والأملاك مناصفة مع الزوج، قانون يسمح بمنح الجنسية لأطفالها، قانون يجعلها تحصل على حقوقها كاملة. إن تحقيق المساواة الكاملة بين الجنسين في الحقوق والواجبات على المستوى الدستوري والقانوني بمرجعية المواثيق والاتفاقات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان مرهون باجتماع العلمانية والديمقراطية، لأن المجتمعات العلمانية في ظل الاستبداد أو المحكومة بنظام حكم ديني لابد أن تفضي إلى انعدام المساواة.

*الحركة السياسية النسوية السورية