فوزية المرعي
قاصة وشاعرة من الرقة
مجلة أوراق العدد 12
شعر
آه … أيتها السماء ..
شرعي كل نوافذ الاستجابة للدعاء ..
لا تتركي غيمةً أو سحابةً أو طيراً أو غباراً أو أي شيء
يحولُ بينكِ وبين شفاهِ الأرض الملتهبة بالدعاء …
يا سماء.. آه ياسماء.. !
ـ تلكَ المرأةُ الكانت لا تشبهُ مَنْ حولها ..
وقفتْ على سطح دارها
مذهولةً تتأملُ أهل المدينة
الذين وقفوا بخشوع يؤَدونَ صلاة الاستسقاء..
ـ المدى يسدلُ تراتيلَ الصمتِ ويصغي أيضا بخشوعٍ
للعيونِ التي تذرف ُآلامها
وللشفاه التي تشققتْ من شدة تضرُعها ..!
حتى العصافير والبلابل
تحنطت في أعشاشها وغرست مناقيرها
في صدر الصمت …
للطيور ابتهالات سرية لا يدرك تفسيرها إلا من كَوّنها ….
ـ حَرّكت المرأةُ رأسها كرأس البوم الذي تفردَ عن كل الطيور
بحركة دائرية ..
همستْ لروحها:
يا إلهي ما هذا هل هو يوم الحشر الموعود؟!
تسللت بهدوء كي لا تبدد صمت اللحظة بخطواتها
وخرجت من منزلها ..
لاحظت في طريقها حشوداً من النساء يقفنَ خلفَ الرجال
وبعض الأطفال
يرضعون من أثداء أمهاتهم وكأنهم تحنطوا على صدورهن..!
ـ امتطتْ صهوةَ وعيها
وقادتها الريح على براق الدهشة الى الصحراء..
حطّتْ أجنحةُ لُهاثها عند حافة بئرٍ مهجورٍ ,,,
وقد اعتادت اللجوء اليها
كلما ضاقت بها الوسيعة
لتذرف حروف دموعها بجرأة في فوّهة البئر
وتُصغي لصدى الحروف
المنهمرة في قاع البئر
… ـ أمسكتْ بحافة البئر بيدي روحها
بينما رأسها تدلى في فوّهتها مناجيةً:
أيتها البئر ..
جئتك أطلب منك قميص يوسف الحقيقي
الذي خلعه في غمرة الفرح
حين أنقذته القدرة الإلهية
ورماه بجوفك ..
وتخلص من طغيان إخوته
… ـ ارتعشت المرأة إذ أبصرت
حمامة تخرج من البئر
والقميص يتأرحج بمنقارها ..
ـ خطفت المرأة القميص ..
اشتعلت روحها بفرح لم تعهده مذ نشأتها
وذهبت الى بيتها مهرولةً
يقودُ الفرحُ قدميها
… ـ بدأت تـَقُدُّ من القميص نُدَفاً صغيرةً
وتنسج ُعليها تمائمَ
تدسها لامرأة عاقر فتحمل ..
ولرجل فقير فيتحول الى غني ..
ولكل من له حاجة يرنو الى قضائها ..
وذاع صيتها في البلاد..
حتى أصبحت أشهر من زرقاء اليمامة
وتهافتت عليها الهدايا والأموال حتى غدت ثرية …
خرجت تجوب الأسواق لتتبضع ,,
استوقفها رجل غريب
تبدو عليه علامات الهيبة ..
ألقى عليها التحية وحاورها
: ـ سمعتُ بشهرتك
وجئتك من اليمن أطلب ودك
وأعرف من أنت ؟
ـ أما أن تطلب ودّي فهذا مستحيل
لأني فقدت الثقة بكل رجال الامة العربية …
ـ وأما من أنا …؟
فأنا زرقاء الفرات ..
وخذ هذه التميمة التي بقيت لدي
وسأدعو لك أن ينقرض الحوثيون عن ديارك ويسود السلام!
ـ بقي لدي سؤال يا زرقاء الفرات …
ـ ماهو …؟
ـ لقد منحتني آخر تميمة
وكلي فخر وعاجز عن الشكر
ولكن أليست بلادك المدمرة أجدر بها مني ..؟
ـ بلادي تحتاج إلى قميص (ترامب) بالكامل
وليس لندفٍ منه
وهو القميص الذي مزقه في البيت الأبيض
حين تأكد من سقوطه في الانتحابات ..؟!
قنديل*:
على شرفات الغروب قرأتُ سِفْرَاً من أسفار الماء *..؟!
ولبثتُ دهراً على سرير عشقك يازمان!…
أهزكَ سهواً ..
وتهزني عمداً ..
ذاتَ وجدٍ.. قفزتُ عنكَ.. وعنّي..
قادتني السُرى حافيةَ الروح..
فامتثلتُ عندَ ناصية الرمل..
ناسكةً تتوضأ من عطش القُـبلة..
جمرٌ يستغيثُ بجمرٍ..
نهر الفحيح يدفق من حنايا الضلوع…
يدايّ تضفران جدائل َمن بقايا عذوق الضوء..
ألقيتُ بها على كتف الشاطئ ..
أناملُ الغيم تهمي عليها قبضات ٍ من تبـر الغروب ..
انفلتَ عقالُ الصمتِ ..
فترنّمَ وترٌ انبجس عن قيثارة الذاكرة:
” الشمس فوق لجين الماء عقيان”!…
وانفرطت عن مآق العين لألئ ٌ ..
سبّحتْ الطيورُ من وكناتها لها وَلَهاً ..
سبحانَ من أودع َ بضعاً من خباياه ُبروح ِالماء …!
غاصتْ قدمايَ..
واحدةٌ في الرمل ..
وأخرى في الماء..
العقل نايٌ يئنُّ في أرجوحة تميدُ بين الغرق والانهيار…!
قلت: ُ آنَ للمغامرة أن تلقي بأرسان خيولها الجامحة..
فتركت ُيداي تخفقان على أغصان الماء..
دَنَتْ شفاهُ العطش لتُقبّلَ أكمام الرواء..
فتشظّت الرغبةُ جافلة ًفوق مرايا الموج …!
جثوتُ على قدميّ الذهول ..
أقرأ عن كثبٍ في إرث الوصايا ..
وأرنو بإمعانٍ لصفحات النهر..
فانبلج عن جدار الصمت صوتٌ : ـ ويحَكِ..؟
لا الإنس ينبغي له أن يبني قصوراً ..
ولا الجنّ يتهيكل في مملكة الماء…!
وَثَبَتْ موجةٌ من ثنايا العقل..
اعتليتُ صهوتها وأبحرتُ أرمقُ احتضار الشمس ..
فتشتُ عن خيطٍ وإبرةٍ لأرفو جراح الغروب..
ولكن…
هيهات أن توصلني إليها سلالم الضياء…..؟!
همس َالصمتُ للصّمتِ نائحاً: يا شجرَ السؤال ..
كُـنْ غابة في المفازات ..
كي لا ينكسر الظلّ ُ عن الظلِّ
ويتيهُ الوهجُ بين النور وبين النار..!
من وشيعة الحيرة انبثق َصهيلُ فارس ٍ
.. فساءلتُ نفسي الهائمة:
أتمخّضَ الغيمُ عن أملٍ منشود..! ؟
خَفْقُ جناحيه أجفلَ حراشفَ الماء
.. وبعد هنيهة ٍ..
انبرى الموجُ أساورَ تدورُ حولَ خاصرة ِالدهشة..
الشاطئ ُنهضَ وارتقى
ليكون بساطاً منسوجاً باخضرار اللحظة ..
النوارس تغردُ وتلتحم ببعضها
مشكلةً إسماً على صفحات الغروب..
الشيح ُوالقيصومُ والطرفاءُ والنيتول ُوالصفصافُ وشجرُ الروح..
اشرأبت ْعيونُها لتقرأ أبجدية َالنوارس ..
تنفس الحصى مُسبّحاً بآلاء الموج.!
الفارس ُيهبط ُعلى براق مُجنّح ..
جنحٌ بلون الأرض ..وآخر بلون السماء ..
ابتدرَ ذهولي بمفرداتٍ: “سبحان من أسرى بك َمن سماءٍ إلى سماء .!
اتقدت الجرأة ُ إليه بالسؤال:
هل يلدُ التاريخُ أبطالهُ مرتين أيها الصقرُ الأندلسي ..؟
فافترّ ثغره ُبالجواب مبتسماً.. :
أنا الصقرُ القرشي وتلك صفة أضافتها إرادة ُالذاتِ للذات ….
فانّسلَّ عن جوفي أنينٌ:
تَـبّتْ عُيونك ِ باصرتي إن لم أفُـرِّق بينَ ذا وذاك..!
ولكن لي مَأرَبٌ …
أن أُبسمل.َ.ب (أندلس) فاتحة الوجع التاريخي..!
فأخبرني أيها الفاتح ..
كيف عَبَرتَ الفرات إلى الفرات؟!
أهو الخوفُ يلدُ الجرأة َ..
والجرأة تلدُ المجازفة ..
أم القدرُ أوحى لك لتعتلي صبوات المجد؟
قال: لملمي حروف الماء واقرئيها على عطش ٍ..
وتأملي كيفَ يفورُ النسغُ بجذع ِالصخرِ ..
بعذبِ الدمعِ..
وكيف تهمي عيونُ الغيم بشذر الماس على الأوراق…
قلت ُ: دعاني الفراتُ كعاشقةٍ له ..
وأنا مدركة أن للماء ذاكرة تَلِدُ العشاقَ..
ولم يخالجني يوما ً أنّ لها ذاكرة تلدُ الأبطال..!؟
ـ فهل لي أن أكونك َ..وتكونني …
لنطفئ أسطورة عطش الماء للماء..؟
ونبتكر عشقاً يولد ُمن رحم الموت
ويتماهى بنسغ الحياة..؟
ـ قال: كنتها يوماً….وكانتني ….!
شهقتُ بصرخةٍ تشبه صرخة الوليد
آنَ انفصاله ِعن مشيمته..
ارتسمتْ الصرخة ُحولي دائرةً باتساع الكون ..
وأنا بوسطها.. كنقطةٍ استكانتْ بغير حرف ..
للحزن قدسيةٌ ..
تتوضأ الروح من نهرها في كلّ شهقة ..
فانبرت مآق العشق تذرف ملحاً أجفل صدر الماء…
فعزف نبضي على أوتار قلبي بلحنٍ :
مقدسة ٌ كلُّ دموع الحزن .. ولكن…………؟
انسلّ السيفُ من غمده. ..
عربوناً للدهشة
فتأبطته وشاحاً لوجدي
.. وسَرَتْ في عروقي الأماني..
وباحت بالتبتل أوتارُ نبضي …
أيها المنبجسُ عن مهجة الإله أخبرني:
أآثمة ٌ أنا إذ كابدتُ بالخطى من سرير العشق ..
إلى سرير الماء؟
ـ قال: لله درّكِ…..
فللعشق أبجدية لا يتقن اللثغ بها
إلاّ من أتقن َفن َالعشقِ والتبتلِ لإلـــــــهِ المـــــــــــاء…!