قراءة نقدية لمآلات الثورة السورية

0

الدكتور عبدالله تركماني، باحث سوري.

مجلة أوراق- العدد 16

دراسات

يعيش الشعب السوري محنة حقيقية تجلياتها متشعبة: مئات آلاف القتلى والمعتقلين، ملايين النازحين داخلياً، ملايين اللاجئين إلى الخارج، ملايين البيوت المهدّمة، عشرات ألوف المعوّقين، تصدّع مجتمعي، تعثر الحل السياسي.

وإزاء كل ذلك، يبدو أنه من الضروري أن يعمل المثقف النقدي على إعادة صياغة وترتيب أفكـاره، بما يمكّنه من فهم الأسباب العميقة لمآلات الثورة السورية في ذكراها الحادية عشرة.

إنّ المسألة السورية تطرح تساؤلات مهمة وجوهرية: لماذا استمرت طوال هذه الفترة؟ ولماذا ازدادت تعقيداً؟ وهل هناك من أفق للحل السياسي في ضوء المعطيات الداخلية والإقليمية والدولية؟ وما مقوّمات نجاح هذا الحل حتى لا يلاقي مصير المبادرات السابقة؟

يدرك السوريون أينما كان موقعهم، في السلطة أو المعارضة، ومنذ زمن ليس بقليل، أنّ ما أصبح يعرف بـ ” المسألة السورية “، لم يعد حلها من صنع أيديهم أو في متناولها أيضاً. ولقد تحولوا، في المشهد الراهن، في السلطة والمعارضة على السواء، إلى لاعب في مواجهة، أو إلى جانب، لاعبين كثر، ليس أكثر.

طبيعة الثورة السورية

سورية لم تكن مرشحة لثورة ياسمين، لأنّ النظام، منذ انقلاب حافظ الأسد سنة 1970، قام على الإمعان في تغذية العنف الداخلي لدى الجميع، ولأنّ الجغرافيا السياسية شديدة الجاذبية للقوى الإقليمية والدولية. الثورة جاءت من وعي تشكّل في مكان عميق من العقل والوجدان السوريين، وهو مكان لم يعد قادراً على تحمّل أو فهم دواعي استمرار الاستبداد المستفحل منذ ستة عقود. وهكذا أضحت الثورة جهداً هائلاً من قبل جمهور كبير من السوريين لتملّك حياتهم والاستحواذ على السياسة، أي التنظيم المستقل والكلام المستقل والمبادرة المستقلة.

لكنّ الحراك الشعبي السوري شهد تحوُّلات وانعطافات حادة، دفعت وجهته العامة في منحى انحداري، أفضى إلى مآلات الكارثة الإنسانية، التي وصّفتها الأمم المتحدة بأنها أعظم كارثة منذ الحرب العالمية الثانية. ومما لا شك فيه أنّ ذلك ناجم من جملة عوامل داخلية وخارجية، تشمل القمع الوحشي من قبل النظام، مروراً باستجابات الشارع المنتفض وردات فعله، والتدخلات الخارجية بشقيها، المساند منها للنظام أو للمعارضة، ثم الأجندات الخاصة لبعض الجهات، السورية وغيرها، رأت في الأوضاع التي ظهرت في أعقاب الثورة فرصتها لتنفيذ مشاريعها.

ولعلَّ التحوّل الأول على مسار الثورة طرأ نتيجة اضطرار قسم من شبابها، الذين شاركوا بشكل أو بآخر في حركة الاحتجاج السلمي العام، الذي شمل معظم المناطق السورية، إلى حمل السلاح، ليدخلوا في حرب غير متكافئة مع النظام. لكنّ هذا التحوّل استحال إلى حرب حقيقية، أزاحت المظاهر السلمية لتظهر مشاعر الكراهية والانقسام، وصعدت مظاهر العسكرة من خلال تسلح مجموعات أهلية، خاصة في الريف السوري. وراحت المجموعات العسكرية، غير المنظمة، تبحث عن موارد تسليحها وعيشها بشتى الطرق، فجاء الدعم الخارجي ليسهم في تعدد ولاءاتها وتناثرها، وعمل على إشاعة فوضى السلاح والتسلح، وإطلاق اللحى والذقون. مما أنتج مظاهر و” هيئات شرعية ” و” إمارات إسلامية “، بعيدة كل البعد عن أهداف الثورة السورية في الحرية والكرامة والانتقال من الاستبداد إلى الديمقراطية.

وهكذا، تضافرت على السوريين وثورتهم، لسوء الحظ، مجموعة من القوى والعوامل والظروف، أدت، في المحصلة، إلى ما وصلوا إليه: فمن طغمة حاكمة أرادت البقاء في الحكم بأي ثمن، وتعاملت مع السوريين كقوة احتلال غاشمة، وواجهت مطالبهم المحقة في الحرية والكرامة بالعنف العاري. إلى حلفاء لهذه الطغمة، قدموا لها، بسخاء، كل أسباب القوة والدعم العسكري والسياسي والاقتصادي. إلى تقاعس دولي في توفير الحماية للمدنيين السوريين والالتزام بمقتضيات الحل السياسي للكارثة. إلى أجندات وطموحات ومصالح عربية وإقليمية، صبت الزيت على النار، ودعمت من يخدم مصالحها من تنظيمات سياسية أو عسكرية، ما ساهم في تمزيق المعارضة، وإضعافها وتناحرها. وصولاً إلى معارضة سياسية أصرت على البقاء متفرقة، رهنت نفسها للخارج، وانخرطت بصراعات داخلية، ولم تستطع الاستجابة لمتطلبات الخروج من المحنة.

كما اتضح منذ بداية الثورة عدم وجود برنامج متكامل لفعاليات الثورة، وأنّ أغلبها كانت تسيّره دينامية الزخم الشعبي، ولم يكن يصدر عن برنامج موحد يستفيد من هذه الفعاليات ويوظفها لصالح الثورة، أي التأخر في الاستجابة، ونقص المبادرة، والركون للسهل والمعروف. وهكذا، فإنّ عدم وجود استراتيجية واضحة للثورة، جعلها لا تقدم إجابات محددة، ليس حول سقوط النظام، وإنما أيضاً المرحلة التي تلي سقوط النظام. مما سهّل على النظام اختراق الثورة في بنيتها وتكوينها وفي خطابها، وفتح المجال واسعاً أمام ظهور قوى لها أجندات خاصة، لا علاقة لها بالثورة، ولا بالأهداف التي انطلقت لأجلها، خصوصاً تلك الأهداف المتعلقة بمدنية الدولة وديموقراطيتها.

لقد انطوت الثورة على مفاجآت خطيرة: أولاها، عجز النخبة السورية عن انتاج قيادة، أو أقله مرجعية قيادية، مدنية وعسكرية، وعدم محافظتها على خطابات الحرية والديموقراطية والكرامة التي ظهرت في بدايات الثورة، ما أضر بصدقيتها إزاء العالم وإزاء شعبها. وثانيتها، تمثلت في حجم التدخلات الخارجية المضرة في الثورة السورية، والحديث هنا لا يجري عن التدخل لصالح النظام من قبل روسيا وإيران وحزب الله وعصائب أهل الحق وكتائب أبو الفضل العباس فقط، وإنما عن التدخل المتأتي من الأطراف الداعمة للثورة، والتي اشتغلت بشكل متضارب، وحسب مصالحها، ووفق حساباتها، ما أربك الثورة وزجها في معارك غير محسوبة، استنزفها وأضعفها.

لقد غابت السياسة عن العقل السوري المعارض السائد، الذي اعتقد أنّ مرحلـة اسقــاط النــظام ليست مركّبة ومعقّدة، بل هي مرحلة بسيطة تذهب من الوضع القائم إلى وضع جديد يقوم نتيجة سقوط النظام وأركانه. فلا حاجة لإعمال الذهن ووضع خطة سياسية للثورة تبين المحطات التي سيمر نضالها فيها وستجعل سقوطه محتماً. هذا البؤس السياسي ترتبت عليه نتــائج عملــية ونظــرية شديدة السوء، أقله بالنسبة إلى الشعب الثائر، الذي وجد نفسه منجذباً إلى شعار بدا تحقيقه في متناول يده، أراحه حين أفقده القدرة على التمييز بين القوى التي تبنته وخال أنها وحدها في الاتجاه والهدف، وخاصـة بين تلك القــوى الــتي لعبت دوراً متعاظماً في الصراع المسلح ضد النظام، وأيدها لاعتقاده أنها تنفذ خطة عملية لا تتطلب الكثير من الكلام. هذا الاختلاط كان وراء تحوّل سياسي خطير أنتج فهماً إجمالياً خلا من وعي الواقع الذي تذهب إليه الثورة، وعتّم على مسألة فائقة الخطورة هي أنّ هذه صارت مهددة من قوى تعاظمت قوتها واتسع باضطراد انتشارها، قالت باسقاط النظام كهدف أول وأخير، ورفضت الحرية كمطلب أعلى للشعب.

ويبدو واضحاً أنّ الثورة قد تحولت، بعد محاولات إجهاضها عبر تطييفها وعسكرتها، إلى ما أصبح يسمى بـ ” المسألة السورية “، ومنذ هذا التحوّل آلت سورية إلى ملعب لأطراف وقوى دولية وإقليمية ومحلية ولأجندات ليس للشعب السوري مصلحة بها من قريب أو بعيد. وصارت ورقة تلعب بها هذه الدول لتحقيق مصالح لها ليس في النطاق السوري فقط، وإنما في النطاق الدولي أيضاً. وهو الأمر الذي أخذ يعني أنّ أي حل سياسي لهذه المسألة لن يتحقق بدون توفّر الحد الأدنى المطلوب من التوافق الدولي حيالها.

عجز مؤسسات المعارضة الرسمية

أحد عشر عاماً على انطلاق الثورة فترة ليست قصيرة لاختبار أحوال مؤسسات المعارضة الرسمية وقدراتها، وللتأكد من عجزها وتقصيرها في مواكبة الحراك الشعبي، وفي بناء قنوات للتواصل والتفاعل معه ومده بأسباب الدعم والاستمرار، وهي ثغرة كبيرة لثورة، جاءت مفاجئة وعفوية، وعطشى لمؤسسات سياسية تقودها، ولشخصيات ورموز تاريخية تتصدر صفوفها.

فبخلاف ما كان ينبغي أن يكون عليه الخطاب السوري المعارض، من جدية ومسؤولية وقدرة على رسم الواقع وتحديد مشكلاته، ووضع الحلول لها، ودفعها على طريق التنفيذ عبر خلق أدوات وآليات تنفيذية. فقد بقي خطاب عام، لا يذهب إلى المطالب المحددة، ويركز على الشعارات العامة، بدل أن يركز على المطالب والأهداف ذات المحتوى. وهو: خطاب صراعي، يخوض في الصراعات، أكثر من ذهابه إلى التوافق. وتفصيلي، أي أنه يخوض في الجزئيات دون أن ينظر إلى روابطها بالقضايا العامة. وملتبس، بحيث تُفهم منه في بعض الأحيان أشياء غير تلك التي يقصدها أصحاب الخطاب، بل إنه في أحيان يتضمن التناقضات بحيث يصير المتلقي عاجزاً عن معرفة الهدف من الخطاب.

ويعيب الكثيرون على المعارضة انصياعها لأوامر الخارج، الإقليمي والدولي، أو على الأقل سيرها وفق حساباته وتوقيتاته وليس بدلالة المصالح الوطنية السورية، بدليل توقيت محطات تطورها السياسي وتشكيلاتها التنظيمية تبعاً لأجندة لا تتعلق بالوضع السوري العياني بمقدار ما تتعلق بمطالب الخارج.

كما نفر السوريون من معارضة قالت إنها تسعى لبناء دولة المواطنة والمساواة، بينما انزلقت إلى ممارسة مفضوحة للمحاصصة، والإصرار على توزيع المناصب على أساس الحصص المذهبية والقومية وليس على أساس القدرة والكفاءة، لإظهار صورة عن نفسها تقنع الداخل والمجتمع الدولي بأنها تمثل أطياف المجتمع وفئاته كافة.

ومن بين العوامل الذاتية، ضربٌ من اللاعقلانية، أصاب ممثلي الثورة، أو لعله غلب على جزء غير يسير منهم، تجلى في الرغبوية والإرادوية والنزعات التبريرية. أدى ذلك إلى انتشار واسع لتحليلات تبسيطية سطحية، ورواج الكثير من المعطيات الكاذبة، التي تقود الناس إلى استنتاجات مزيفة لا تعِد إلا بالأوهام.

موقع العسكرة والأسلمة المتطرفة من مآلات الثورة

حدث التحوُّل لأسباب وعوامل متعددة منها تسلُّح الثورة رداً على الخيار الأمني للنظام، لكنَّ العسكرة جرت بشكل عشوائي، كما تم إفشال جميع محاولات إنشاء قيادة موحدة تتمتع بقرارات مركزية مطاعة من الجميع. وابتعد حاملو السلاح تدريجياً عن الارتباط بالحراك المدني، وعملوا لوضع المؤسسات المدنية التي أقامتها الثورة تحت سيطرتهم بدل أن يحدث العكس، بأن تتبع القوى العسكرية لقيادة سياسية. مما ترك المجال لتعملق عسكريي الثورة وإطلاق غرائزهم لإخضاع الحراك المدني لكتائبهم المسلحة.

كما أنّ أسلمة العمل المسلح لم يأتِ فقط من غزو الجهاديين الخارجي، بل أيضاً من تأسلم الكتائب للحصول على الدعم المادي والتسليحي. كما استندت الأسلمة لعامل محلي هو درجة عالية من التديُّن تميزت بها قطاعات واسعة من الشعب السوري، خاصة في الأرياف، كرد على ظلم النظام الذي دام لعقود. كما ساهم وجود منظّرين إسلاميين مدعومين من قوى إقليمية، يعملون بشكل منظَّم عبر وسائلهم الإعلامية، بتسطيح الفكر الشعبي لدى المؤيدين للثورة، وبالمقابل انحسار – إن لم يكن غياب – العمل المنظَّم للقوى الديمقراطية، الذي يدعم الثورة فكرياً وتثقيفياً. لكنّ التديُّن الشعبي شيء والتطرف في تديين أهداف الثورة شيء آخر، لا يتفق مع الغالبية المؤمنة في سورية التي كان واضحاً منذ البداية أنّ ثورتها ليست لهدف إقامة دولة دينية بل دولة وطنية ديمقراطية.

رؤى وتصورات للمستقبل

يحتاج السوريون اليوم للتوافق على سردية واضحة ومتكاملة للتغيير المنشود في المرحلة القادمة في ظل المعطيات الواقعية الحالية. سردية تستند إلى رؤية واضحة للتغيير، تقوم على شرح كيفية تحويل موارد المجموعات المؤمنة بهذا التغيير إلى عوامل قوة ومصادر طاقة من أجل إنجاز العمل في اتجاه التغيير المطلوب.

واستدراكاً يصح السؤال: هل لا تزال ثمة فرصة للعودة إلى الروح السلمية، وهل لا يزال بالإمكان الرهان على دور لمعارضة سياسية مستعدة لتحمل مسؤولية نبذ العنف وإعادة بناء ثقة الناس بوحدتهم وبجدوى نضالاتهم السلمية وبقدرتهم على نقلها إلى أطوار مدنية جديدة تحقق لهم أهدافهم وتبعدهم عن مخاطر الاستمرار في تغليب منطق المكاسرة والغلبة؟

إذ لا يمكن الاستمرار على النهج القديم، الذي أدى بالثورة إلى إضاعة البوصلة والطريق. الاستمرار في تجاهل الواقع، ونكران التحولات العميقة التي شهدتها مسيرة الصراع من أجل الحرية والكرامة على عموم الأرض السورية، لا يساعد على التقدم ولا يفتح أي طريق سالك من أجل إنقاذ رهانات الشعب السوري الأساسية، وإيجاد شروط خروج الملايين من أبنائه من حياة التشرد اللاإنسانية.

فلم تعد الحاجة تقتصر على إيجاد ” وزارة شؤون خارجية ” للثورة، تنسق علاقاتها الدولية، وإنما أصبحت الحاجة ماسة لبناء منظمة وطنية مركزية، تكون مظلة سورية جامعة، تقود العمل التحرري. مما يتطلب سياسات جديدة، تقوم على توحيد الصف، والعمل على تجميع السوريين من جديد، وتوسيع دائرة مشاركتهم وانخراطهم في نشاطات السياسة الهادفة إلى تقريب ساعة الخلاص. كما يحتاج إلى تنظيم أفضل للطاقات والجهود، وتفعيل للجاليات السورية في كل مكان، وتجديد للخطاب السياسي والإعلامي، بحيث تكون الثورة بالفعل لكل السوريين، ولحماية أرواحهم ومصالحهم، والخروج بخطة عمل واضحة، تهدف إلى استعادة جزء من المبادرة المفقودة، وإعادة تعريف الأهداف المرحلية والبعيدة، وحل المشكلات الثلاث الكبرى العالقة، مشكلة القيادة، واستقلال الموارد التي لا قرار شبه مستقل من دونها، وتعزيز وطنية القرار.

وهكذا، يبدو أنّ فرصة السير في طريق المعالجة السياسية للصراع السوري لم تعد ملكاً لجهة واحدة، بل تحكمها ارتباطات ومصالح متداخلة، زادها تعقيداً طول أمد الصراع وما كرسه من نتائج مؤلمة يصعب تجاوزها راهناً، وقد يقود تفاقمها إلى مسار خطير يصل إلى إطاحة أبسط الحقوق الإنسانية، وتدمير مقوّمات الحياة المشتركة والمعايير الوطنية الجامعة. وفي هذا السياق هل ثمة فرصة حقيقية لتقدم حل سياسي يوقف العنف المتمادي وينقذ المجتمع والدولة من براثن التفكك والضياع؟

بين كل الاحتمالات يبدو أنّ مآل الحل الواقعي والمنطقي والذي يتفق مع مصلحة السوريين، السعي لإنهاء الوضع الكارثي السوري بحل سياسي تفاوضي يقيم حكماً انتقالياً بكامل الصلاحيات، بالتشارك بين من لم تتلطخ أياديهم بدماء السوريين من أهل النظام وممثلي المعارضة السورية، يوقف إطلاق النار ويقود عملية انتقالية تمر بدستور جديد وانتخابات تشريعية ورئاسية وعودة المهجَّرين وإعادة الإعمار ومواجهة المنظمات الإرهابية، وكل من لا يقبل بوقف القتال والاحتكام لعملية سياسية ديمقراطية، تطلق حرية تشكيل الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني، وتشكيل هيئة مستقلة للعدالة الانتقالية.

وبناء على ما تقدم، يبقى العامل الذاتي الوطني حجر الأساس في أي تعامل مع المبادرات والجهود التي تقارب المسألة السورية. فمن دون قيادة سياسية متماسكة للمعارضة تمتلك رؤية سياسة واضحة ومطمئنة لسائر المكوّنات السورية، على قاعدة احترام الحقوق والخصوصيات، وتكون بعيدة كل البعد من التعصب والتطرف، وتأخذ في اعتبارها المعادلات الإقليمية والدولية، وتؤكد للجميع أنّ سورية المستقبل ستكون عامل استقرار وأمن وتنمية وانسجام لمصلحة الجميع، ستبقى الأمور عائمة، مفتوحة على غير ما هو منشود.

يستدعي هذا، قبل أي شيء آخر، العودة إلى ذاتنا، واستعادة روح الثورة والمبادئ التي كانت تمثلها، في الحرية والكرامة وحق الشعب في تقرير مصيره، ورفض المساومة على القضية التي ضحَّى من أجلها ملايين السوريين، بعضهم بأرواحه وبعضهم بمستقبله وكل ما يملك، فمن دون إحياء روح الثورة من جديد، وتعميم إشعاعها في قلوب أغلب السوريين، لن يبقى هناك أيُّ معنى، وسيتحول الكفاح البطولي المرير للشعب السوري، منذ أحد عشر عاماً، إلى اقتتال مجاني، عبثي.