نور عباس، كاتبة وناقدة سورية، ماجستير أدب عربي
مجلة أوراق- العدد 15
أوراق النقد
لمحة موجزة عن الرواية:
تتناول رواية “ماراثون الخلود” الجزء الأخير من سيرة حياة العدّاء البرتغالي فرانسيشكو لازارو؛ فلازارو لديه طموح قديم متمثل بالفوز في الماراثون، ويعمل أقصى طاقاته لتحقيقه، إلا أنّ هذا الحلم يتحطم بسبب خطأ تراجيدي ارتكبه لازارو، إذ دهن جسده مرهماً لاعتقاده أنّ هذا المرهم سيحافظ على السوائل في جسده في أثناء السّباق، ولكن هذا المرهم كان السبب المركزي لتعطّل جسد لازارو ووفاته؛ إذ “لم يكن بالإمكان إنقاذه، ولازارو توفي حوالي السادسة صباحاً من اليوم الموالي: 15تموز 1912.”[1]
سبب اختيار هذه الرواية:
هنالك سببان مركزيان لاختيار هذه الرواية بالتحديد
أولهما؛ الرغبة في اطّلاع الآخر على الأدب البرتغالي:
إنّ قلة اطلاع الجمهور العربي على الرواية البرتغالية الحديثة دفعنا إلى اختيار هذه الرواية المنتمية إلى الأدب البرتغالي الحديث، وذلك من أجل تقديم معرفة بسيطة عن نموذج من نماذج هذا الأدب وتشجيع القارئ العربي على الاطلاع عليه.
ثانيهما؛ البؤرة المأسوية في الرواية:
إنّ الذات الإنسانية ذات مأسوية، إذ يوجد حدث مأسوي في صميم كل حياة إنسانية مُعاشة، وهذا الطابع المأسوي للحياة الإنسانيّة دفعنا إلى اختيار رواية ذات بؤرة مأسوية، يمكن أن تتقاطع مع الجانب المأسوي الحاضر في كل قارئ لهذه الرواية.
نحو فهم للرواية:
1ـ الذات بين ثنائيات
ينطوي النّصّ على عنصرين متمايزين في الماهية والخصائص:
الحلم: ذو الطّابع الأثيري، السّرمدي، المحلّق.
والجسد: ذو الطابع، المادي، الأرضي، الكثيف، المناقض لماهية الحلم.
ويتحاور هذان العنصران نصّياً فيؤثر الحلم في الجسد، ويحاول انتشاله من ماديته وكثافته، لنقله إلى عالم مغاير، أقرب إلى عالم المثل، وذلك من طريق الماراثون الذي سيخوضه لازارو صاحب ثنائية الحلم والجسد، “هم من سادة المجتمع وأنا من الشعب، أنا لازارو وسأشارك في الماراثون وأجري نحو الخلود، أنا مثل هذا الخشب؛ يمكن أن أكون شيئاً أو لا شيء، وأنا اخترت أن أكون كلّ شيء”.[2]
ويناقض الجسد تطلعات الحلم، فيخونه في لحظة الاقتراب من التّحقق، إذ انهار جسد لازارو قبل دقائق من فوزه بالماراثون ووصوله إلى هدفه المنشود، “يأتي إلى جانبي شاب من لجنة التنظيم ويسألني إن كنت على ما يرام، فأجيبه برفع إبهامي إلى الأعلى، ولكن جسمي لم يتركني أكذب، أختنق في هذا الهواء الحار، وتحتك رجلاي ببعضهما، أسقط أرضاً ويسيل الدم من معصمي”.[3]
فالذات تتحرك بين حلم يتوق إلى التجسد والتحقق، وجسد مراوغ ومخادع؛ يظهر القوة آنياً وينهار في لحظة الاقتراب من التّجلي المادي للحلم، محطماً كلّ الآمال التي سعى الكيان إلى تحقيقها.
2ـ الذات الإنسانية بين الخطأ المأسوي وعنف الطبيعة:
تسير أحداث الرواية باتجاه تحقق الحلم المتمثل بالفوز في الماراثون إلى أن يحدث خطأ تراجيدي “المرهم الذي دهنه لازارو” يتضافر معه عنف الشمس الحارقة فيتعطل الجسد، ويُعطب الحلم، وينتقل مسار الأحداث من النسق الإيجابي المتفائل إلى النسق السلبي المأسوي.
فالمرهم الذي جلبته له صديقته حنا، والذي دهنه لازارو لاعتقاده أنّ هذا المرهم سيحافظ على السوائل داخل جسده، كان السبب الرئيسي في انهيار جسد لازارو ووفاته وتعطل حلمه، “لازارو يا للهول ماذا تفعل؟ ألم تر درجة الحرارة في الخارج؟ فبهذا المرهم ستتعطل أكثر ولن يجديك نفعاً، وربما يكون خطراً على صحتك“[4]
3ـ سياقات السرد والإحساس بالنهاية المأسوية:
يمكن للذات المتلقية أن تتنبأ منذ بداية السرد الروائي بحدث مأسوي مركزي سيتموضع ضمن سياق النص.
وهذه التنبؤ ناجم عن عنصرين، أولها؛ العنوان الفرعي للرواية:
فعنوان الرواية: ماراثون الخلود، “الطموح المأسوي لفرانسيشكو لازورا”، وهذا العنوان الجزئي المُشتمِل على مصطلح “مأسوي” يشي بأن قيمة المأسوي ستتموضع في بنية النص وفق آلية ما، فعنوان الرواية لمّاح جداً؛ يوحي بالقيمة الجمالية المهيمنة على النصّ، ويدفع القارئ إلى الاستمرار في عملية التلقي النّصّيّة لوعي كيفية تجلي قيمة المأسوي جمالياً وفنّيّاً.
ثانيهما؛ حاجة النص الروائي إلى بؤرة تراجيدية تغير المسار النمطي الكلاسيكي للأحداث:
فلولا الحدث التراجيدي الذي تمظهر نصّياً لسارت الرواية وفق خطة رتيبة هادئة غير محفزة على استمرارية فعل القراءة، لذلك كان الحدث المأسوي مُشغلاً نصّياً وعنصراً ضرورياً لانتقال سيرة لازارو من السياق الحياتي النمطي إلى السياق الجمالي الفني ذي الطابع التراجيدي المأسوي.
*****
رواية: “ماراثون الخلود”، تأليف: أندريه أوليفييرا، ترجمة: عبد الجليل العربي، دار نون، عام 2017.
[1] – الرواية ، صفحة 116.
[2] – الرواية، الصفحة: 7.
[3] الرواية، الصفحة: 113.
[4] الرواية، صفحة: 105.