1
في نهاية السنة الأخيرة من القرن العشرين، كنت في مدينة طهران مشاركاً في مهرجان ذكرى الشيرازي، وأول ما سألت عن الشاعر أحمد شاملو، وعن إمكانية اللقاء معه، فقيل لي إنه في وضع حرج، وصعوبات صحية، بعد بتر ساقه لتطور مرض السكر، ولم يعد يستقبل أحداً. وبعد ذلك بعدة أشهر (عام 2000) سمعت عن وفاته، فعرفت كم إنني تأخرت كثيراً عن زيارته.
2
تعرفت على أحمد شاملو من الصديق الروائي عبد القادر عقيل، عندما كان يترجم بعض أشعار شاملو. وتولعت بمتابعة كل ما توفر من الترجمات لشعره وعن تجربته، وكلما تعرفت عليه أكثر، تيقنتُ كم أننا نخسر كثيراً لعدم معرفتنا بتجربة الشعر الإيراني الحديث، نحن الذين صرنا نقرأ أدب الشعوب البعيدة، فيما هذا الأدب الساطع على مقربة منا نقصّر عن معرفته.
3
«يا للهفتي، كم أريدكِ يا من بعدكِ امتحاني المرّ بالوأد /يا للهفتي، كم أطلبك!/ كأن/ على ظهر حصان/ حيث السّرج/ وبلا سكينة./ والبعد/ تجربة عبثية».
4
يضع الناقد والمترجم الإيراني يوسف عزيزي، الشاعر أحمد شاملو مقابلاً للدور الإبداعي الذي حققه الشاعر أدونيس في الادب العربي الحديث. وعندما تقرأ شعر شاملو وتعرف عن الدور الطليعي الذي حققه في ريادة الشعر الحديث في إيران، يمكنك أن تتفهم دلالة المقارنة التي يقترحها يوسف عزيزي، في سياق كلامه عن أحمد شاملو. شاملو الذي يعرف عن الأدب العربي ما يؤهله لمثل هذه التقديرات.
5
لقد كان أحمد شاملو، إضافة لشرعيته، قد أسهم في تعريف الثقافة الإيرانية، بترجمة العديد من التجارب الشعرية الحديثة في العالم. كما أنه كان متصلاً، بوعي كبير، بتراث الشعر الفارسي، ودارساً عميقاً له.
6
«رائحة قميصك، / هنا/ والآن /الجبال باردة/ في البعد/ يدي/ في الشارعِ والسرير/ تبحث عن حضورِ يدكِ الأليف،/ وتأمّل الطريق/ ينسج/ اليأس».
7
وظني أن أحمد شاملو وجيله الذين نشأوا في مناخ الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، كانت جنتهم في النار (حسب تعبير الشاعر مظفر النواب)، حيث الانهـــــماك العميق في النضال السياسي، والإسهام في أحلام حركة التغيير، تلك الحركة التي اجتاحت العالم كله، واتصلت بأجمل منجزات ذلك الجيل.
فضمن حركات اليسار الرومانسية، ذات المشروع النضالي الجميل، كان شاملو في خضم الثورة الاجتماعية التي قادها مصدّق، في النصف الأول من خمسينيات القرن الماضي، وتعرض الشاعر لعسف سلطات ذلك العهد، وازدهرت أشعاره الحرة، التي تعانقت مع تطلعات الشعب الإيراني، معبرة عن الأفق الإنساني الذي كان أحمد شاملو يصدر عنه ويذهب إليه.
8
سأعتقد بأن ما فات تجربتنا، من الممكن أن تستدركها تجربة الجيل الجديد، فيجري التعرف المبكر بأهم نصوص الأدب الحديث في إيران، لئلا تقتصر ثقافتنا العربية على معرفة عمر الخيام والشيرازي وغيرهما من علامات الأدب التقليدي الكلاسيكي.
9
استطراداً،
قبل أيام اتصل بي باحث إيراني يعبر عن رغبته في دراسة تجربتي الشعرية مقارنة بشاعر إيراني أقترحه عليه. فاقترحت عليه تجربة أحمد شاملو. وبعد بعض الوقت كتب لي عن موافقته على اقتراحي. لا أعرف حتى الآن مصير دراسته، لكن ما يعجبني في الفكرة، هذه المقاربة الفذّة بين تجربة شعرية عربية وتجربة شعرية إيرانية، فمن نافل القول إننا، في ما نعرف تفاصيل كثيرة من الشعر في أمريكا اللاتينية، لا نكاد ندرك التطور العميق في تجربة الشعر الإيراني الحديث. لماذا؟
*المصدر: القدس العربي