خليل الجيزاوي، كاتب روائي وناقد أدبي مصري
أوراق 19- 20
الملف
تعرفت على الكاتب ماجد رشيد العويد ابن مدينة الرقة السورية، على موقع القصة العربية مع بداية عام 2005، ومن خلاله عرفت وتابعت أخبار وفعاليات مهرجان الدكتور عبد السلام العجيلي للرواية العربية الذي يقام كل عام في مدينة الرقة شمال سوريا، منذ دورته الأولى عام 2005، وفي يوم 19 أكتوبر 2010 تلقيت دعوة كريمة من مدير الثقافة بالرقة للمشاركة في مهرجان العجيلي للإبداع الروائي الدورة السادسة التي ستقام 1 ديسمبر ــــ 3 ديسمبر 2010، قبلت الدعوة وكتبت شهادتي الروائية التي سأشارك هذا المهرجان العربي الكبير تحت عنوان: المحظورات في الرواية العربية؛ لأن روايتي الأولى (يوميات مدرس البنات) فازت بالجائزة الأولى عام 1999 بالمسابقة السنوية للرواية التي ينظمها نادي القصة بالقاهرة، ومن شروط المسابقة أن تنشر الرواية الفائزة بسلسلة الكتاب الفضي الذي يصدره نادي القصة بالقاهرة، وعلى الرغم أنني كتبت ثلاثة مشاهد بين الطالبة والمدرس بحيلة فنية، وهي الحلم، لكن نادي القصة رفض نشر الرواية، وعندما واجهت الكاتب يوسف الشاروني رئيس نادي القصة والذي قرأ الرواية وحكّمها نقدياً وأعطاها 90 درجة من 100، فقال بالحرف الواحد: الفوز في المسابقة شيء، والنشر شيء آخر، وأضاف غاضباً: هل تريد أن يُقفل نادي القصة مثلما حدث في هيئة قصور الثقافة بعد نشر رواية وليمة لأعشاب البحر للكاتب السوري حيدر حيدر؟!
وكان حظّ الرواية رائعاً، أن حضر صحفي من جريدة الأهرام مراسم تسليم جائزة نادي القصة برفقة الفنان فاروق حسني وزير الثقافة آنذاك، فنشرت صورتي مع الوزير وأنا أتسلم الجائزة بالصفحة الأخيرة بجريدة الأهرام، قرأ الجريدة أحد أولاد الحاج محمد مدبولي، وهكذا عرفت الرواية طريقها للنشر مع مكتبة مدبولي للنشر والتوزيع عام 2000.
سردت هذه الأحداث ضمن شهادتي الروائية بمهرجان العجيلي ولاقت قبولا واستحساناً كبيرين من جمهور الحاضرين، وأتذكر في طريق عودتي بالباص للفندق، سمعت الروائي التونسي الحبيب السالمي الذي كان يتحدث مع الجالس جواره عن الأحداث التي سردتها ـــ وربما لم يلحظ أنني أجلس بالمقعد الخلفي له ــــ فقال السالمي: كيف لمؤسسة ثقافية خاصة (يقصد نادي القصة) تتساوي مع المؤسسة الحكومية وترضخ للمحظورات، وأنهى حديثه قائلا: أتفهم احتياطات المؤسسة الرسمية، هم بالأول والأخير موظفون بوزارة الثقافة، لكنيّ أدين تصرفات المؤسسة الثقافية الخاصة.
وحرصت باليوم التالي لوصولي إلى مدينة الرقة أن أتجول في شوارعها صحبة الزملاء حيث اصطحبنا سائق الباص في جولة وسط شوارع المدينة لشراء خطوط أرقام سورية للهاتف النقال؛ لنتواصل مع الأهل، وبدأت جولتنا من دوّار الساعة ومبنى البريد، وشارع القوتلي، والجامع الكبير، سينما الشرق، وباب بغداد، ونادي الفروسية، والدرعية، والجسر، وتل البيعة، ونهر الفرات، وأثناء هذه الجولة شاهدت شوارع مدينة الرقة الجميلة والهادئة جداً، التي ولد فيها الروائي السوري عبد السلام العجيلي ـــ طبيب توليد النساء الشهير ــــ فجاءت فكرة إقامة مهرجان ثقافي باسمه كل عام، هكذا حدثنا المهندس عبد العظيم العجيلي والد الدكتورة شهلا العجيلي التي تعرفت عليها أثناء جلسات المهرجان، كذلك قابلت الروائي السوري نبيل سليمان الذي قابلته عدة مرات من قبل أثناء فعاليات ملتقى القاهرة للرواية الذي ينظمه المجلس الأعلى للثقافة، بحكم عملي في إدارة النشر بالمجلس الأعلى للثقافة آنذاك، وتعرفت أثناء مهرجان العجيلي على الناقد العراقي دكتور عمار أحمد، وكان المهرجان يضم أكثر من خمسة وعشرين روائياً وناقداً من معظم البلاد العربية، واقتصر تمثيل مصر بالدورة السادسة على كاتب هذه السطور والكاتب محمد صلاح العزب والصحفي بجريدة الأهرام سيد محمود، بعد اعتذار إبراهيم أصلان وخيري شلبي عن عدم الحضور والمشاركة؛ لأن موعد المهرجان في ديسمبر وسط فصل الشتاء، ومدينة الرقة تقع شمال سوريا حيث الصقيع والثلج خلال هذه الفترة، هكذا سمعت منهما.
كانت مشاركتي في مهرجان العجيلي الزيارة الأولى للسفر إلى سوريا الشقيقة؛ ولهذا طلبت من أحد منظمي المهرجان أن يتم فتح تذكرة العودة مدة أسبوع وأن تكون العودة من مطار دمشق وليس من مطار حلب، وعندما تعلّل الزميل أن المهرجان إمكانياته المالية محدودة، ردّدت سريعاً: يا صديقي فقط افتح تذكرة العودة وستكون فترة إقامتي طوال الأسبوع على حسابي الشخصي، وليس على حساب مهرجان العجليي، وأضفت: ليس من المعقول أن أزور مدينة حلب ومدينة الرقة، ولا أزور مدينة دمشق، فابتسم وقال تقصد الشام، فقلت لأ أقصد دمشق، فابتسم قائلا: نحن نطلق على دمشق اسم الشام، كما تطلقون اسم: مصر على مدينة القاهرة، وبالفعل أقمت بفندق في شارع الحلبوني وسط دمشق، ووضعت خطة لزيارة معظم أحياء ومعالم العاصمة، فزرت سوق الحميدية واشتريت بعض الهدايا لأولادي، وفي يوم ثان زرت المسجد الأموي وزرت قبر صلاح الدين الأيوبي، وفي يوم ثالث زرت حيّ السيدة زينب والمسجد الذي يحمل اسمها، وفي اليوم قبل الأخير تجولت في شوارع دمشق الشهيرة بالحلويات الشامية، واشتريت حلويات لأولادي.
وتصادف بعد عودتي للقاهرة بحوالي شهر أن قامت ثورة الربيع العربي يوم 25 يناير 2011، واشتعلت مدينة القاهرة بالمظاهرات الصاخبة مثلما اشتعلت معظم العواصم العربية، وسقط بعض الحكام العرب، فقد هرب الرئيس التونسي علي زين العابدين، وتخلى الرئيس المصري حسني مبارك عن الحكم وسلّم قيادة البلاد للجيش، وصعدت عناصر التيار الديني المتشدّد المنابر الإعلامية بفضل تفوقهم في حشد الجماهير الغاضبة لارتفاع الأسعار وتدني مستوى المعيشة، وهكذا سمعت وقرأت وشاهدت عبر القنوات الفضائية الإخبارية كيف تغيّرت مدينة الرقة الجميلة التي لا تزال صورة شوارعها الهادئة حيّة في ذاكرتي البصرية، وحزنت جداً؛ لأنها باتت مقراً لقوات داعش ــــ ذات الفكر الديني المتطرف ـــــ وشاهدت كيف دُمرّت منازل مدينة الرقة وباتت شوارعها أرض خراب نتيجة الحرب بين قوات المعارضة وقوات داعش.
ومع الأسف كانت الدورة السادسة ديسمبر 2010 آخر دورات مهرجان العجليي، فحزنت حزناً كبيراً على الحالة التي أصبحت عليها مدينة الرقة التي كانت ذات يوم منبراً مُهمّاً من منابر الثقافة والتنوير في سورية العربية الشقيقة ذات التاريخ العربي المشترك مع مصر العروبة، وقد سمعت خلال هذه الزيارة ولمست مدى حب الأشقاء في سوريا للزعيم جمال عبد الناصر حيث أخبرني أحد الأصدقاء من مدينة الرقة أن كل بيت في سوريا يضع صورة جمال عبد الناصر في غرفة الاستقبال، ومع كل هذه الأحداث الدامية، ومع كل هذا الخراب الذي لحق بمدينة الرقة لا يزال عندي بصيص أمل أنه في نهاية الدرب شمعة أمل، وستعود يوماً ما الرقة منبراً ثقافياً، وستعود دمشق عاصمة للثقافة العربية.