فيصل خرتش: السينما السورية تقترب من مئويتها الأولى

0

البداية كانت من حلب، ففي عام 1908، شاهد الجمهور الحلبي أول عرض للصور المتحركة. لقد رأوا صورًا عجيبة جعلتهم لا يصدقون ما يرون، وتم عرض صور متحركة بواسطة جماعة جاءت من تركيا، وكانت معهم آلة متنقلة تتحرك فيها الصور أفقيًا.
أول دار كانت في حلب عرفت باسم “الكوزمو”، لصاحبها ميشيل مريش، وقد استولت عليها الدولة، وأجرت عليها إصلاحات كثيرة. وفي عام 1918، أنشأ باسيل أرسان سينما، وشب فيها حريق، فاحترقت هي والأفلام.
وفي عام 1912، جرب حبيب شماس عرضًا للصور المتحركة في المقهى الذي يستثمره في دمشق، في ساحة المرجة، في موضع فندق سميراميس، وكانت آلة العرض تدار باليد، والضوء يتولد من مصباح يعمل بغاز الإستيلين، مما سبب حريقًا كبيرًا قضى على مكان العرض، وعلى محلات كثيرة تحيط به. لقد غاب عن ذهن الذين عملوا في السينما أن الموضوع يحتاج إلى دراسة وخبرة ودقة في العمل، لذلك كانت أغلب الصالات تحترق وتؤدي إلى إفلاس الممولين.
أنشأت الدولة العثمانية في عام 1916 أول صالة للصور المتحركة في دمشق، في شارع الصالحية، مكان مجلس الشعب حاليًا، وافتتح قائد الجيش الرابع جمال باشا، وسميت “جناق قلعة”، وتم عرض أول فيلم سينمائي من صنع ألماني مع فيلم إخباري آخر يمثل استعراض الجيش الألماني في برلين، ثم احترقت السينما واشتعلت النار في الأفلام، وهي أول دار سينما أنشئت في دمشق على طراز السينما الأوروبية.
ثم أنشئت سينما “زهرة دمشق” في مقهى يقع في الجهة الشرقية من ساحة المرجة، حيث عرضت أفلامًا فرنسية بوليسية، وأفلامًا فكاهية. كان ذلك في الحرب العالمية الأولى. تلتها سينما “الإصلاح خانة” قرب دار البريد والبرق القديمة في المرجة، ثم سينما “النصر” بإدارة محمد الأغواني، وتاجر سلاح يدعى أرميناك. وجهزت السينما بأجهزة قديمة، لكنها لم تعمل إلا لفترة قصيرة، وماتت بسبب المنافسة، ثم كانت سينما الكوزموغراف، التي أصبحت سينما “أمية” في ما بعد، وتقع في شارع البحصة في دمشق عام 1924. تلتها “اللونا بارك” الصيفية في شارع بغداد، فسينما “غازي”، خلف السراي. وبعد هذه الفترة كثر عدد الدور حتى بلغ 100 سينما في حلب ودمشق.
بدأت السينما السورية تجاربها الأولى عام 1927، على يدي بهجت المصري، الذي صور فيلمًا عن الرئيس تاج الدين الحسيني، وفيلمًا عن الثورة الفلسطينية ضد الإنكليز. أما الفيلم الأول فكان “المتهم البريء” في عام 1928، من إخراج أيوب بدرية، وبطولة رشيد جلال. وكانت البداية من حلب، من إنتاج شركة (حرمون فيلم)، وحقق الفيلم سبعين ليرة ذهبية، ومثل هذا المبلغ يعتبر ممتازًا في حصيلة تلك الأيام، وتمت طباعة وتحميض الفيلم في باريس، وعرض في صالة الكوزموغراف في مدينة حلب. وبعد النجاح الهائل الذي قدمه فيلم “المتهم البريء”، قام رشيد جلال، مع عطا مكية، وإسماعيل أنزور، بإنتاج فيلم “تحت سماء دمشق”، وتقوم قصته على الوساوس والغيرة، فالفتاة تقع في غرام شاب ثري يكتشف أن هناك رجلًا آخر في حياتها. وهذا الآخر يكون أخاها الذي يأخذ منها الأموال لينفقها على راقصة في الملهى. يراقبها الخطيب ليكتشف في النهاية أنه أخوها. عُرض في سينما “باتيه” في البحصة. القصة ساذجة من حيث البنية الدرامية والحبكة، لكن أداء الممثلين جاء طبيعيًا، وفيه ديكورات تلائم العمل.
الفيلم الروائي الثاني هو “عابر سبيل”، كتبه وأخرجه أحمد عرفان، ومن أبطاله: المطرب السوري نجيب السراج. وحسب الإعلان، فهو اجتماعي وغنائي وفكاهي ضخم من إنتاج شركة عرفان وجالق للإنتاج في حلب.
ونجح فيلم “الوادي الأخضر”، وهو فيلم من بطولة زهير الشوا، وإخراجه وتأليفه، وتم عرضه عام 1962، وشاركت فيه أميرة إبراهيم، ودلال الشمالي، يحكي قصة شاب قضى في السجن فترة طويلة بسبب ارتكابه جريمة قتل، وينتظر أهل القتيل خروجه للانتقام منه، ولم يكن هو القاتل، بل أخوه. يقع الشاب في غرام ابنة المختار من دون أن يدري، كما أن أخاه وقع في غرامها، ثم يقرر أن يدفع الأخ الثمن الذي دفعه أخوه في السجن من أجل السنوات التي قضاها الآخر في السجن.
بعد ذلك، أسهمت المؤسسة العامة للسينما منذ عام 1963 في مسيرة الأفلام السورية، ورفد القطاع الخاص هذه المسيرة.

(ضفة ثالثة) الصورة من فيلم “المتهم البريء” عام 1928 كأول فيلم سوري