فواز حداد: الوجه المظلم للحداثة

0

لا تقتَصر النُّخب على النُّخبة المثقّفة والنُّخبة السياسية فقط؛ واقع الحال يستدعي إدراج النُّخبة الصاعدة بقوّة، نُخبة رجال المال والأعمال، فهي لا تُزاحِم النُّخب المعروفة الآنفة الذِّكر، بل آخذة بالهيمنة عليها إلى حدِّ أنّها باتت تستخدمها في تحقيق طموحاتها، فالمال يشتري السياسيّين والمثقّفين، والوسائل متوافرة، ما دام رجال الأعمال يوفّرون العمل لهذه النُّخب تحت عناوين مستقبلية.

بيد أنّه هناك نُخبة لا تُضارعها أيّة نُخبة تعمل في الخَفاء مع أنّها مشهورة، نشاطها ضارب في بلدان العالم، إنّها النُّخبة الإجرامية، تمثّلها مافيات بسطت هيمنتها على العالم السرّي للجريمة المُنظّمة، تتمتّع بميزات تفُوق غيرها من النُّخب.

ووجودُها المتوطّن إلى حدّ التجذُّر في البيئات المحلّية، يُؤمِّن لها استمرارية لا تتوفَّر لأيديولوجيات وأنظمة وأحزاب ورؤساء دول، ليس لامتلاكها القُدرة على التنظيم فقط، ولا لأنَّها غدت دولةً خفيّةً ضمن الدولة المعلَنة، بل لتمكُّنها من التسلُّل إلى الدولة العميقة، فأصبحت واحداً من أركانها، مع الحرص على البقاء في الظلّ، والابتعاد عن القيام بكلِّ ما يضعها في دائرة الضوء.

لم تؤثّر جميع الجهود المبذولة لوضع حدٍّ لنشاط المافيا، إنّ وجودها حقيقةٌ صلبة، فالمافيا الصينية على سبيل المثال ما زالت تواصل نشاطها من دون انقطاع في داخل الصين وخارجها، منذ حوالي قرنين من الزمن رغم ما أصابها من مِحن وسجون وملاحقات وأحكام قضائية. ليست استمرارية النُّخب الإجرامية اعتباطية، فالتوريث يضمن تواجدها جيلاً بعد جيل، وبنيتها الحديدية راسخة على أساس الانتماء العائلي. أمّا الطاعة فعمياء.

*العربي الجديد