فلكلور الفرات في الغناء الشعبي

0

 أبو مصطفى الكاتب، كاتب وباحث في الفلكلور الشعبي

أوراق 19-20

الملف

كلمة فلكلور عنوان عريض وتعني ارث الأجداد. ما يهمنا من هذا البحث هو الغناء الشعبي.

لكل منطقة خصائصها وسماتها التي تميزها عن المناطق الأخرى. وهذه الخصائص هي التي تحدد ملامحها وألوانها. إذ يختلف الغناء الشعبي من بلد لآخر لكنها تتوافق في المضمون.

ولا أبالغ اذا قلت ان الغناء الشعبي الفراتي. هو أغنى تراث في سوريا بل وأرقاها لحنا وطربا وكلمات حيث يختلف عن غيره في الكلام واللحن والأداء.

الأغنية الشعبية تهاجر من بلد لآخر كما تهاجر الأمثال الشعبية.

وذلك يعود لحلاوتها وفهمها من قبل المتلقي، وما إن تنتقل حتى تتعرض للتعديل والتبديل في الكلمة والاداء وتصبح ذات طابع محلي حسب مكان الهجرة …

ينقسم الغناء الشعبي الفراتي الى ثلاثة أقسام:

1- الفراگیات.

2- التشاطيف.

3- الموليا.

1- الفراكيات: هي أشهر ألوان الطرب في تراثنا الشعبي. لما تحمله من شجن وحزن.

وقد اشتهر بهذا اللون العراقيون اضافة الى وادي الفرات في سورية وربما عموم الريف السوري.

تضم الفراكيات: العتابة. النايل. السويحلي. اللكاحي أو ما يسمى اليايوم.

2- التشاطيف: وهي ليست لون غنائي مستقل. بل هي عنوان عريض. يحوي الكثير من الأغاني الهازجة الراقصة ذات الإيقاع السريع. والتي تغنى بعد الفراكيات ذات الرتم البطيء. كالعتابة والنايل والسويحلي.

3- الموليا: هي إحدى أهم مظاهر القول والغناء في التراث الشعبي، في وادي الفرات، ويكتب بيت الموليا على البحر البسيط.

تراتبية الغناء الشعبي:

للغناء الشعبي تراتبية من حيث تناول المطرب للغناء. ومن خلال هذه التراتبية يتم الكشف عن مهارة المطرب لتناول هذا التراث. بشكل صحيح. فالمطرب الماهر يبدأ غنائه بالعتابة والتي تعتبر مفتاح الغناء ومن ثم يغني سويحلي متولد من بيت العتابة حاملا نفس الفكرة وينتقل لون النايل. وهو مخ الكيف لدى المتذوقين والمستمعين ومن ثم ينتقل للون اللكاحي او ما يسمى اليايوم. ويقفل غنائه بلون الموليا. وهذا يعود الى قدرة المطرب على إعادة هذه السلسلة الغنائية. أو يستمر بغناء الموليا ليخرج المستمعين من جو الرتابة كون الموليا إيقاعها أسرع ويترافق أداؤها مع الرقص والتصفيق. فتتيح بذلك للشباب استعراض مهاراتهم في الرقص المصاحب لها.

أغاني الفراكيات وكل لون على حدة:

العتابة: 

 هي فن شعري غنائي يؤدى قولاً وغناءً بشكل افرادي. على آلة الربابة وهي أحد أهم أشكال الشعر الشعبي الغنائي والتراثي. وقد اشتق اسمها من العتب والمعاتبة. وهناك الكثير من الآراء حول أصل التسمية. منهم من قال أنّها ظهرت في نهاية القرن الثامن عشر على يد الشاعر عبدالله الفاضل. سارداً قصته الحزينة من خلال أشعاره، وظهر من بعده الشاعرة فطيم البشر والشاعر واوي العجل. من عشيرة الجبور وانتشرت في وادي الفرات ومن أبرز الذين برعوا فيها شعراء عشيرة الجبور .. وهناك الكثير من القصص التي هي أقرب للخيال من الحقيقة. لكن الأقرب للتصديق أنّها جاءت من العتاب، لأن جلّ مواضيعها تتكلم عن المعاتبة. وتنقسم العتابة الى قسمين. الحزاينية. والهواوية.

وبحسب شكل بناؤها الأدبي؛ يتألف بيت العتابة من أربعة أشطر الثلاثة الأولى موحدة القافية ولها جناس واحد والشطر الرابع ينتهي بألف وباء. أو الف مقصورة أو ممدودة. مثال على ذلك:

العيد للناس ولكليبي عواشير

خلاوي أضحيت ماليا عواشير

هجرهم طال بس ليا عواشير

وتبرا الچان للخافج دوا.

عواشير في الشطر الأول: جمع عاشوراء دلالة على الحزن.

عواشير في الشطر الثاني: مفردها عشير أي الخليل أو الصاحب.

عواشير في الشطر الثالث: تتألف من كلمتين عوا شير، وشير هو كلب الشاعر عبدالله الفاضل، مؤسس هذا اللون الغنائي كما أشرنا.

ومثال آخر:

بنات السنين من تالي جفنّا

وگصن بینا مصایبها وجفلنا

یا دمع العین ما یفارج جفنّا

تُنوح الدار عودم یا الحباب

جفنّا في الشطر الأول: من الجفاء والجفوة.

جفلنا في الشطر الثاني: جفلنا من جَفل وخاف.

جفنا في الشطر الثالث: الجفن مضاف اليه نا الجماعة.

السویحلي 

هذا اللون يتميز بكلماته القليلة والمختصرة، إلا انها بالغة التأثير لدفئها ورقتها، وعادة ما ينظمها ويغنيها العشاق على شكل مناجاة للحبيب أو الحبيبة والتغني بجمالهم وأوصافهم. وكذلك تغنيها الأم لطفلها وهو بالسرير لتحثه على النوم.

يُسمى السويحلي بحسب الآلة الموسيقية المرافقة له: سويحلي زمارة، سويحلي ربابة، سويحلي ورادات، كما اشتهر لون باسم سويحلي مريم، أما من حيث الشكل الشعري الأدبي فالسويحلي يتألف من شطرين تقع قافيته الموحدة في وسط بيت الشعر وليس في عجزه والسويحلي هو مقلوب الشعر الدارمي.

مثال على ذلك:

حبره من الدموع …. مكتوبكم يا زين

من بين الضلوع …. نار الفراك تزيد.

وهو بالاساس كبيت دارمي*.

مكتوبكم يازين حبره من الدموع

ونار الفراك تزيد من بين الضلوع

ومثال آخر:

اشبيك تدوي … يابوم تالي الليل

ماراحلك شي … ولا مس دليلك ضيم.

النايل

النايل كما أسلفت هو مخ الكيف وأيقونة السلطنة، وأسباب التسمية كما يُقال أنّه يُنسب لشخص اسمه نايل، هو أول من ابتدع هذا اللون وقد نسب اليه وعرف باسمه.

شكله الأدبي؛ بيت منفرد من شطرين موحدي القافية. يمتاز بالرقة والسلاسة والكلمة البسيطة السهلة، وألفاظه عامية.

تحمل أغلب أبياته جملاً خبريه. تميل كثيراً إلى السرد القصصي. مثال على ذلك:

ما تنفع اللايمة وصفكن بالإيديني

حزين طول العمر عالتركبه عيني.

الترگبه: الذي ترقبه عيني

يتميز النايل بكثافة صوره التي تنقل الفكرة المطروحة.

يلاحظ أن بيت النايل ينتمي لعائلة الموليا لو تم إكماله بشطرين آخرين، لأنه من نفس الوزن الشعري وهو البحر البسيط.

مستفعلن فاعلن مستفعلن فاعل.

يُغنى النايل بعدة طرق تتشابه وتختلف من حيث الأداء:

1- نايل الورادات: ومن أشهر الذين أجادوه المطرب موسى العبد العزيز.

2- نايل حسين أو أبو كذالي: ومن أشهر الذين أجادوه المطرب حسين الحسن  وخليل الهباش وموسى عبد العزيز وعبود الشواخ. 

3- نايل حسان: وقد نسب للمطرب حسان العكلة.

4- نايل حويجة: وهذا لم يغنّى في سوريا بل في العراق، اشتهر به المطرب جبار عكار.

اللگاحي 

لون عذب وجميل يسمى ايضا باليايوم. له لحن خاص يمدك بالراحة النفسية وتجييش المشاعر. 

بناؤه الشعري الأدبي: ليس للكاحي شعر خاص يعرف به كالموليا والنايل والسويحلي. بل إنّ مادته الأساسية هي كلمات غناء الساجوري.

يغنيه اغلب المطربين الشعبيين لكن أبرزهم المطرب أبو فلوط. وحسان العكلة. 

من أمثلة لون اللكاحي:

دربك عدل عالولدة يالناحر السالوبي

إن چان نيتك خضرة محالل وماهوبي.

 نيتك خضرة: نيتك حسنه

ماهوبي: مسامح 

الموليا 

هي إحدى أهم مظاهر القول والغناء في التراث الشعبي، في وادي الفرات، وكما أسلفنا يكتب بيت الموليا على البحر البسيط، ويتألف من أربعة أشطر ثلاثة منه لها نفس الروي القافية والشطر الرابع ينتهي بياء مشددة مع تاء مربوطة. 

مثال على ذلك: 

السلسبيل الجرى مذكور بالخلد

ارميم والعامري مجنون والورد

خاضم ببحر الهوى ما باحم السد

وانت بحبة عشيرك صرت دالية.

ارميم: شخص اسمه رميم، مات عشقا.

دالية: إحدى مراحل فقدان العقل.

من المؤكد أن للموليا تاريخ موغل في القدم. يرى الشاعر محمود الذخيرة أن جذر الموليا يعود للقرن الثامن الميلادي إبان نكبة البرامكة. أما الباحث العراقي حمود ابراهيم في بحثه أغاني تراثية. فيقول أن الموليا عراقية المنشأ. وهناك آراء متشعبة حول هذا الموضوع.

الموليا الفراتية لون غنائي له حضوره الدائم في الأفراح والمناسبات السعيدة، يختلف غناؤها من منطقة إلى أخرى بحيث كلما اتجهت غربا تأخذ بالتسارع في رتمها. حتى تصل إلى البحر.

هناك مطالع من مصارع الموليا تتكرر في كل جلسات الموليا، مثال:

المول مول الهوى ……

مكتوب منكم لفى …..

اكتب وادز بالورك ….

يا ريمتي فرعي …..

ابو شفافن بدن …..

هي مطالع أغاني مولية قيل منها الكثير من الأبيات التي تبدأ بإحدى هذه المطالع، وأبرز من تألق في غناء الموليا هم: المطرب محمد الحسن، المطرب حسين الحسن، المطرب ابو فلوط، المطرب حسان العكلة. 

وتصنف الموليا بحسب الآلة الموسيقية التي ترافقها: موليا دفوف، موليا ربابة، موليا زمارة.

التشاطيف 

هي ليست لون معين يطلق عليه اسم التشاطيف.

بل هي تسمية لمجموعة من الأغاني الايقاعية الهازجة ذات الرتم السريع.

تتداخل هذه الاغاني بين أغاني الفراكيات لتعطي المطرب فرصة لإراحة حنجرته من الأغاني الرتيبة التي تتطلب نفساً طويلاً حزيناً. مما يجعل الجلسة ذات سمة هادئة. فيلجأ المطرب الى التشاطيف لبث روح الحماس في الحضور. وجعلهم كورس يردد معه الأغاني. 

من أهم أغاني التشاطيف لون “الساجوري” وقد اشتهر منه المطلع:

دربك عدل عالولدة يالناحر السالوبي

انچاد نيتك خضرة محالل وماهوبي.

لهذا فإن أغلب الأغاني الفلكلورية القديمة لا يعرف لها قائل، وتعود إلى عهود بعيدة، حيث أن توفر شروط معينة في كلماتها وألحانها وتعبيرها عن العواطف والهموم والأذواق المشتركة ضَمِن لها القدرة على الاستمرار واختراق جدار الزمن بحيث غدت أغنية شعبية فلكلورية ترددها الأجيال وتكوّن التعبير الشعبي عن صورة المجتمع، ولا ينفي عنها هذه الصفة كون مؤلفها معروفاً لدينا بالرواية أو التدوين. 

وقد تطرأ إضافات على مقاطع الأغنية، إلا أن اللازمة والمقاطع الأولى غالباً ما تظل محفوظة مع تغييرات طفيفة، مما سبب بقاؤها وسيرورتها، وثمة عوامل تتعرض لها الأغنية الشعبية فتؤدي إلى تحوير جزئي أو كلي في نصها.

كتب الكثير من أغاني الساجوري الذي لم يدون، فشاع لفترة ثم تم نسيانه ولازالت قرائح الكتاب والمغنون تنتج أغاني ساجورية جديدة.

كلمات أغاني الساجوري تصلح لغناء اللكاحي، وتصلح لغناء الاعراس الريفية على أكثر من لحن، وتصلح للغناء برفقة الزمارة، كما تصلح للغناء في مواسم الحصاد وجني القطن، لأن كلمات غناء الساجوري هي الأكثر مرونة في التلحين والتلوين، ففي المقطع المرافق تعزف الزمارة أغنية أبو الهيل وهي من كلمات أغاني الساجوري ومن ثم يتابع بألوان أخرى. 

ظريف الطول

أغنية ظريف الطول انتشرت على اتساع رقعة بلاد الشام بكاملها. ففي فلسطين لها انتشار واسع وتُعتبر من الفلكلور الفلسطيني، ولديهم الكثير من القصص عن ظريف الطول واصل التسمية، وكذلك تغنى في لبنان والاردن وكذا في أغلب المدن السورية، لكن يختلف اللحن والأداء من منطقة لأخرى، بحيث يصبح أداء

ظريف الطول أبطأ في الغناء وأداء الرقصات كلما اتجهنا نحو الشرق، وكلما اتجهنا نحو الغرب يتسارع إيقاع الأغنية ويصبح هازجاً وصاخباً. وهو يغنى في وادي الفرات كفواصل بين أغاني الفراكيات الحزينة أو الهواوية لتنشيط الأجواء الغنائية.

أشهر أغنية من ظريف الطول قول الشاعر:

ياظريف الطول يبو سنن ضحوك

ماربيت إلا بحضن امك وابوك

يومن أكشر يوم كالولي خطبوك

نار كلبي والمشاعل عالجه.

وهذا اللون يشبه الموليا والابوذية العراقية من حيث البناء، ثلاثة اشطر بقافية موحدة الروي، والشطر الرابع مختلف ينتهي بتاء مهملة أو بحرف ألف كقول الشاعر: 

ياظريف الطول وكف تا اگلك 

رايح عالغربة بلادك أحسنلك

خاف يالمحبوب تروح وتملك

تعاشرون الغير وتنسوني أنا.

 الميمر أو أبو الخديد

أبو الخديد من أغانينا الجميلة سهلة النظم والغناء. وتمتاز أيضا بقبولها للمحاورة بين فريقين في الجلسات الغنائية، والتي كثيراً مايكون فيها الارتجال المباشر، في حال كان الحوار الغنائي بموضوع معين، وتسمى محليا ب “البدع” أي الابداع المباشر.

لأول مرة يختلف اللون الغنائي بالتسمية في منطقة وادي الفرات الذي يمتد بين سوريا والعراق، حيث يسمى هذا اللون في سوريا وفي الرقة تحديداً “أبو الخديد” ويقصد فيه ذا الخدود: مثل “أبو الخديد الوردتين الياعم”، “أبو الخديد الوردتين الصادي”، “أبو الخديد الشبه ورد الخاثر”.

أبو الخديد الوردتين الصفصف

ذهوب ابو لعيبه على قصتو صفصف 

اندور العانات من صفن ليصف

مذهب حبيبي والدمع لو مبثر. 

ومع أنّ هذا اللون غالباً ما يُنظم في الشعر الشعبي بمطلع “أبو الخديد”، إلا أن بعض الشعراء خرجوا عن هذا النهج، وجعلوا من مدخله حراً:

صفار زلفك من جنس والا حنه

نكد ابو لعيبة هرجكم واللحنه 

خايف عليك يا ترف والاّ حنا

نصبر على جور الزمان ونكدر.

بينما يسمى بالعراق بالميمر، ويعود أصل التسمية إلى كلمة “مرور”، ويقصد فيها بالذي “لم يمر”، ووزن الميمر أو أبو الخديد هو وزن قديم وأقدم من الابوذيه العراقية، وأصل كلمة الميمر اشورية وهو من وزن الرجز وتفعيلته هي: (مستفعلن مستفعلن مستفعل).

ويغنى بنغم البيات، وكلمة الميمر محرفة من أصل الكلمة حيث أنّ أصلها استفسارية (مامر)

الناهي

 الحقيقة بحثت في كثير من المصادر عن معنى كلمة الناهي في موروثنا الشعبي فلم أجد لها هوية واضحة تفيد معنى معين، ووجدت أن الناهي … هو الآمر والزاجر عن عن الخطأ والتمادي بالشيء، وقد يأتي في المعنى الديني، كجماعة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وقد يأتي في معنى الضابط والقائم بالأمر، وقد يأتي بمعنى الضمير الذي يرسم لنا خطواتنا ويحاسبنا من خلال جلد الذات، وقد يأتي بمعنى الحبيب الذي لا مرام ولا مبتغى لنا بعده بحيث ينهانا عن محبة غيره، وهو الأقرب لموضوع بحثنا.

أي هو ذلك المعشوق الذي ينتهي عنده الجمال والروعة والاخلاق والادب والرقة والعذوبة فلا يرى العاشق شائبة في معشوقه.

ومن الابيات الجميلة التي قيلت بالناهي:

كل الهلا بالناهي… أمان أمان 

خط الملا ماينفع للحظه فان.

والقول:

كل الهلا بالناهي….. أمان أمان 

دك خيامه عالمية وبنى الصيوان.

وقولهم:

كل الهلا ليمرهمتي ياولي 

خدج كمر ضحية لمن هلي

خل العريضي ينكلع ويولي

واحد هوا وعشيرو شربح الجيران

 الأوف مشعل

تعود كلمات أغنية “عالأوف مشعل” إلى الحرب العالمية الأولى، التي حصلت فيها العديد من المذابح والمجازر، وهي قصة رجل عربي شجاع أمتطى جواده المسمى مشعل منصرفا إلى أرض المعركة، وقد استطاع هذا الرجل بحكم واجبه الوطني أن يفلت من بين يدي خطيبته التي راحت تذرف الدمع لفراقه، وكأنها أحست بأنه لن يعود وبعد مدة لم يعد خطيبها، بل عاد حصانه برفقة أحد أصدقاء الرجل، فوقفت ترمق الحصان بقلب جريح قائلة:

أوف مشعل أوف مشعلاني

بالسفربرلك ذابحو العثماني

أوف مشعل أوف مشعلاني

مع السلامة ويابعد خلاني

يا ديرة مشعل يا دار الغوالي

وحصان مشعل يصهل بالليالي

وإن كان عالأيام حالك حالي

ما انساك مشعل وان طال الزماني  

لله يغثك يا غراب البيني                   

 فرقت ما بين الحبيب وبيني

إن جيت يم الدار تبكي عيني               

 ودموعي هلت عالراح وخلاني.

تختلف الروايات بشأن هذه الأغنية كالعديد من الأغنيات الفلكلورية الشعبية التراثية في بلادنا، وقد عُرِفَت هذه الأغنية ورُدِّدَت في لبنان وفلسطين وسوريا والعراق، وهناك رواية للكاتب اللبناني أنطوان غندور، وأيده فيها الفنان زكي ناصيف، تقول الرواية أن رجلاً توفيت امرأته فعاش وحيداً غير مصدق أنها توفيت، وكان يتخيلها بكل شيء حتى وصل به الأمر إلى حالة من الرعب والهستيريا، وكان كلما حاول أن يرثيها يبدأ بكلمة أوف، ثم يعود ليتذكر أن كلمة أوف تقال في حالة الفرح ليقول مش عالأوف. أما كلمة مشعلاني فيقال بأنّ معناها أن الأمر سر وغير معلن، أي “مش علني”. وبالتالي يكون مطلع الأغنية على هذا النحو “عالأوف مش عالأوف مش علاني”. ويؤكد الباحث مروان أبو نصر الدين هذه القصة في كتابه “الشعر اللبناني والغناء الفلكلوري”(2012).

ويُغنّى هذا اللون في منطقة وادي الفرات الممتد بين سورية والعراق بنفس اللحن المعروف للأوف مشعل بعد أن تحرر كتاب الاغنية من لازمة أوف مشعل أوف مشعلاني، وصار يكتب بالشكل الذي نتداوله ونسمعه من المغنين والمطربين المحليين في الرقة وأريافها، بحيث يكتب بهذا الشكل:

ابويا زتني ببير بالبرية 

لحد ولا ماحود يدري بيا

من ايد مشعل طكت الردنية

ووين ماهب الهوى رماني

بويا زتني ببير مطلع منه

وين اليطلعني لوه الجنه

العن ابو مشعل لبو الربنه

عمن مشعل مضحكت نسواني

من خلال الكلمات المكتوبة في تراث وادي الفرات نجد أن مشعل قصته تختلف عما ذكر في بداية المقالة، حيث جسده المغنون على أنه شخص محبوب، وليس مطلع رثائية كما قال أخوتنا في لبنان، “عالاوف مش عالاوف مش علاني “…

هذا ماوجدته عن لون الأف مشعل أوف مشعلاني، ويبقى هذا اللون من التشاطيف لون جميل ومحبب لدينا ويطربنا سماعه.

الدلعونا

في أصل “الدلْعونا” ونشأتها، يُحكى في الأسطورة الكنعانيّة القديمة في بلاد الشام، أنّ للإله “إيل” بنتاً سمّاها “عَناة”، فغدت إلهة الخصب والحبّ والحرب عند الكنعانيّين، توسّل إليها العشّاق من أجل الحظوة بعشيقاتهم، بالقول: “عَناة يَدُكِ يا عَناة”؛ ومنها اشتُقّ لفظ “الدلْعونا”.

ويرى السريان أنّ “الدلْعونا” سريانيّة اللفظ والاصطلاح، فهي مؤلّفة من أل التعريف السريانيّة، وهي الحرف “د”، بالإضافة إلى كلمة “عونا”؛ فكانت “دَلْعونا” الّتي تعني المعاونة والمساعدة والفزعة. غير أنّ ثمّة مَنْ يرى في أصل تسمية “الدلْعونا”، أنّها تعود إلى كلّ ما يمتّ إلى الغنج والدلال بصلة، وهي لذلك تعني مخاطبة الأنثى باعتبارها من أهل الدلع، بما يعنيه الدلع من لامبالاة بالمعجبين أو بالحبيب، وإظهار التمنّع وعدم الاهتمام؛ وذلك طمعاً ودلعاً بزيادة التقرّب منها والتعلّق بها، فتكون ردّة فعل المحبّ العتاب والشكوى والدعوة إلى الترفّق به.

في حكاية السريان الّذين توطّنوا جبال عامل قديماً عن “الدلْعونا” قول مختلف؛ إذ يرى السريان أنّ “الدلْعونا” سريانيّة اللفظ والاصطلاح، فهي مؤلّفة من أل التعريف السريانيّة، وهي الحرف “د”، بالإضافة إلى كلمة “عونا”؛ فكانت “دَلْعونا” الّتي تعني المعاونة والمساعدة والفزعة. وترتبط “الدلْعونا” لدى السريان بطقس عصر العنب في أجران معاصر النبيذ الصخريّة، تحت أقدام النساء. إذ كان السريان يحفرون معاصرهم البدائيّة في بلاط الصخر، بالقرب من كروم العنب. 

لم تقف ظاهرة مدّ يد العونة معنًى لغناء “الدلْعونا” ودبكتها عند السريان، إنّما استمرّ نهج المعاونة الجماعيّة في بلادنا حتّى فترات متأخّرة من التاريخ الحديث، ولا سيّما في الأرياف لدى الفلّاحين، مثل عونة جني المحاصيل والأغلال؛ إذ تعوّد الفلّاحون الفزعة لبعضهم بعضاً. كذلك في البناء وصبّ عقدات أسقف البيوت، وعجن طين البناء بالأقدام، على طريقة فتيات السريان في هرس حبّ العنب.

بقي الرجال حتّى مراحل متأخّرة من القرن الماضي يهبّون لعونة فلان من الناس، يغوصون بأقدامهم داخل الأوعية أو برك الطين، ويدعكونه لخلطه بالقشّ والتبن وتليينه، في طقس جماعيّ يتخلّله القفز والركّ والغناء، في استمراريّة لـ “الدلْعونا” السريانيّة القديمة.

تُغنّى “الدلْعونا” في بيتين مكوّنين من ثلاثة أشطر على قافية واحدة، وقفلة تكون على قافية “الدلْعونا”. لا يُشترط أن يتضمّن البيتان مفردة “دَلْعونا”، إنّما الشرط أن تكون القفلة على قافية “الدلْعونا” بالأحرف “و، ن، ا”، مثلًا:

سافَرْ حبيبي ببابور السكِّة

عيوني تِبْكي وقلبي يتشكة

تِحْرَمْ عَلَيِّ النَّزْلِة عَ الدبْكة

عَ طولِ غْيابَكْ يا اسْمَرْ اللونا.

# # #

 الياحرام

تُعتبر أغنية “ياحرام” من الأغاني الهادئة والرائعة التي تتغنى بالماجدات الفراتيات، والتوجع لحالهن والتعاطف معهن، وتغنّى الياحرام مع نقر الدف، كما تغنّى مع الفرقة الموسيقية لكن برتم أسرع.

قيل الكثير من أبيات الشعر في هذا اللون، ومعظم تلك الابيات مجهولة الشاعر، وهي

تندرج ضمن أغاني التشاطيف، تلك الاغاني الفاصلة بين أغاني الفراكيات، مثال على ذلك قولهم:

ياحرام وياحرام 

رثمة والعكل تمام

فتكون اللازمة:

ياحرام حرموها

من شوفتي منعوها

اني لآخذ لبوها

عدد چثير من الزلام. 

وهناك الكثير من الابيات الشجية الجميلة التي قيلت في الياحرام.

يمكننا التأكيد في النهاية، أن أهل وادي الفرات ما زالوا من أكثر الناس تمسكا بتراثهم، إذ قد يسمع الشباب الأغاني الشبابية الحديثة، كمزاج شخصي، لكن سرعان ما يعودون للتراث بعد مضي فترة فورة الشباب، وتحديداً في المناسبات العامة كالأعراس حيث لا منافس للأغاني التراثية.