عِمْ زمانك يا ابنَ أخي
لم نَعِمْ نحن حتى المكانْ.
عِمْ شهودك خمراً، وأمراً
وزوِّجْ سرابك من ظامئات الرمالِ
ووشِّ الهدى بالضلالْ.
عِمْ ذهاباً وثيرَ الهوى
وبعيدَ الرؤى والظنونْ.
عِمْ كتاباً يرى في السماء بدايةَ زرقتها
في كروم الحنين بدايةَ خمرتها
في الجنون بدايةَ حكمتهِ
في الطغاة نهاياتِهم
ويشدُّ الحروف إلى جمرها،
ويقوِّم حتى الهلالْ.
عِمْ على أي حال بحال سواهُ
ولو أوهموكَ بأنَّ
له ما لهُ من شهودٍ عدولٍ ثِقاتٍ
بأنك أنت إلهُ النعامِ الجميل الذكيِّ،
الذي يفطر القلبَ وهْوَ يحاول أن لا يرى ما يرى
قل لهم:
بل له ما لهُ..
من ضوارٍ يتعتعها ثِقَلُ القيد والهمِّ
لكن هِمَّتها تتوسد ظلَّ فرائسها
ولهُ ما لهُ من بصير الحرام
لهُ ما له من ضرير الحلالْ!
* * *
عِمْ كما يشتهي الله من أهلهِ
لا تقلْ فسدَ الملحُ في الطينِ
مَنْ يُفسِد الملحَ؟
سبَّحتُه في الغيوب
وسبَّحتُه في غرير الدماء ونفسي
وسبَّحتُ سبحانه في الرمال السوافي جنوباً
وفيما تجلى به وله
من خصال طبيعته في الشمالْ.
كم تنزَّهتُ فيهِ
وأحمدتُه من عميق جراحي
صباحاً صباحاً
نساءً نساءً
على رِسلهنَّ
بكلِّ المعاني القريبة منهُ
أتحتجُّ حواءُ؟
لا.. لا أظنُّ
فليس لها أن تَرُدَّ الصريع
إذا ما استجار بأنداء أثوابها.
يا إله المحبِّينَ
يكفيك ما قلتَ
ما قلتُ
مما يقال وما لا يقال.
* * *
كم تغرغرتِ السحْبُ
واغرورقتْ؟
كم وكم ألَّفَ العاشق المتصوِّف نايات قرآنهِ
ونأى؟
ياااااااا لهُ وحدهُ
وحدهُ..
لا شريك لهُ
لا صديق لهُ
لا نديم يليق بأسرارهِ
لا ظلالْ.
* * *
عِمْ دمشقَ وبغدادَ صنَّاجتين
ولا تلعنِ الحاكمين بأكثر مما لهم من ضحايا
ستكتب بعض الرثاء لهم
كي يموتوا تماماً
ستدفِنُهم كل يوم قليلاً
لكي يستريحوا
وإن شئتَ فاغفر لهم
لا يليق بهم غير ذلك
خلِّ سبيلَهُمُ للرياح
سيعشب مِن بعدهم كلُّ ما صحَّرته ظلال تماثيلهم
وانتصاراتها الخاسرةْ.
وعِمْ حلم بيروت
من خارج الأصدقاء العُداة
ومن خارج الأولياء الموالي
ومن خارج القلقين على ابن أبيه
ستبقى دمشقُ دمشقَ البدايات يا ابن أخي
وستبقى بأحلامها، وبأهرامها القاهرةْ.
قل لهم لنقول معك:
ليس للدمع هذي العيونُ
ولا هي للبيع تلك القوافلُ
أعني القوافي من الشهداء الذين أضاءوا سماواتِنا
حين أشكَلَ معنى الخطابِ
أنينُ النواعير أفضحُ من لجلجات المنابرِ
لا..
ليس أن تؤمنوا
غير أن تقرؤوا ما استبدَّ، إلى أن تبدَّدَ
فلتقرؤوا السورة الكافرةْ.
* * *
الطريق إلينا طويلٌ طويلٌ
ولكنه حين يمضي إلى غيرنا
لا يطول!
إذن غيرُنا نحنُ
علَّ الطريق يميل قليلاً
وعلَّ الصديق يرانا عدوَّاً
وعلَّ العدوَّ يحول
لقد أجهش النرجس العربي
بأوهامهِ
وتلبلبَ أسوار أيامهِ
طللاً طللاً
فاعترته المكائدُ
فانداح فيما له ولها
واعتراه الذهول
الطريق يرى ما يرى
ونراه يطول إلينا
ويمضي على رسلهِ..
الطريق ذهابٌ
فلا تسألنَّ إياباً
ولا تسترح في مفارقهِ
والطريق دليلٌ
إذا عزَّ فيه الدليل
طويل إذا كان خطوكَ
سامحكَ الله
كيف تسير أماماً وخلفاً بنفس الخُطا؟!
وطويلٌ..
عنيتُ الطريقَ ولا شيءَ غير
طويلٌ إذا ما سلكتَ سواهُ
بريءُ النوايا
ولكنه لا يقول
بلى..
الطريق طويلٌ طويلٌ
أتسمعني؟
وعليلٌ عليلٌ
أتسمعني؟
وقتيلٌ قتيلٌ
ولكنَّهُ، كي تقول لنا، ولهُ، ولنفسكَ يا ابن أخي
لا يقولْ.
قل إذن كي نقول معك:
في الطريق إلينا
وما نحن نحن كما تعرفون
ولكنها حكمةٌ
هكذا!
في الطريق إلينا
إلى رملنا
– والسرابُ أعزُّ اشتقاقاتهِ-
وُلِد الأنبياءْ.
في البكاء علينا
وما نحن نحن ولا غيرَنا
كان غيمٌ من الدمع والصلواتِ
وما كان ماء
ولكنَّه دمنا في الموازين
لا يَكْمُل الأمر من دونهِ
لا يحول إلى ما نريد المحالْ.
ولهذا لكم ولنا
أن نخطَّ على ذيل ليل طويلٍ
بصبحٍ زُلالٍ زُلال
“عراةٌ ملوك المطاف الأخيرِ
عراة ملوك الهباءْ”.
ثمَّ أكملْ على رِسْلكَ الآن مستقبلاً
لا نراه كما ينبغي
قل مثالاً، وليس امتثالاً:
ختاماً إذن
لم يكن يأسُكم يأسَنا
لا ولا سيفُكم سيفَنا
لا ولا ما تريدون
أن تسألوا عنه
أو أن تجيبوا
سوى عروةٍ في قميص السؤالْ.
*خاص بالموقع