ليلاس صبري
مجلة أوراق العدد 13
نصوص
بلدي الذي تراكمت عليه المصائب، بلدي الذي أصبحت فيه الحرية ضرباً من خيال.
بلدي الذي أنهشته الحرب.
بلدي الذي ينام فيه أبناؤه عراة من دون مأوى.
بلدي الذي لا أمان فيه.
دعوني أصف لكم أرضي تلك الأرض التي كثرت حولها أعين اللصوص. أرض غنية بالثروات أرض توجد فيها جميع منابع الحياة، ولكن يا حسرتاه على أهلها لم يروا من ثروات بلادهم شيئا. إنها الأرض الغنية بالنفط والبترول، ويبقى شعبها المظلوم من دون مازوت في شتائها القارص!
أرض القمح والشعير وشعبها لا يستطيع توفير قطعة خبز، أرض غنية بينابيعها، ويبقى شعبها من دون ماء لشهور، أرض لا يوجد فيها لا كهرباء، ولا ماء، أرض كثر حولها الضباع، يوجد في كل بيت جرح في كل شارع توجد امرأة أمام الباب تنتظر عودة أبنائها، ولا تعرف أن ابنها استشهد في الحرب الكاذبة، تنتظر أبنائها المهاجرين تحضر سفرة العشاء، منتظرة أبناءها تنظر نحو الباب على أمل لقائهم.
يا حسرتي عليك يا أماه، ها أنت تبكين تارة وتضحكين تارة أخرى، على ذكريات أبنائها… بلدي تلك الأرض التي كثر فيها الغرباء. في كل يوم توجد جنازة لشهيد. تلك الأم. وذاك الأب الفقير الذي ربى أولاده على أمل أن يصبح طبيبا، يرقص الآن في جنازة ولده الشهيد ويصرخ:
اليوم عرس صغيري … لقد كبر ابني وأصبح عريساً، وتلك الأم تبكي بحسرة على ابنها تزغرد في جنازته، ويا حسرتي على ذلك!
أماه إن تلك التوابيت فارغة، لا أحد يعلم ماذا حل بجثث أبنائنا الطاهرة. كل خميس تضع إكليل الزهور على قبر ابنها الذي يحمل معاني لصورته المدفونة:
أين جسدك يا صغيري كيف قتلوك لا أحد يعلم!
لا أحد يعلم مغزى استشهادك؟
وفي كل بيت يوجد رجل عجوز يقص عليك مآسي الحياة بانتظار عبارة أن الغد أجمل ولكن أعشق أرضي، أعشقها حد النخاع، يتقطع فؤادي للعودة إلى تلك الأرض أعشقها، لأنها أرض الأبطال، أعشقها لأنها رويت بدماء أبنائها الطاهرة. أعشقها لأنها أرض الأسود، تلك الأرض التي تحضن كوكبة غفيرة من الشهداء، تلك الأرض التي تفوح منها رائحة دماء أبنائها الطاهرة، كأنها رائحه المسك والعنبر، تلك الأرض التي هي كالجحيم ولكنها الفردوس الأعلى في قلوب أبنائها.
انتظري يا أمي أمام الباب.. لا تفقدي الأمل لأننا سنعود.