غادة السمان: عالم حزين

0

تقول سالي حافظ، كما كتبت مجلة فرنسية واسعة الانتشار (كلوسر ـ العدد رقم 03313) تقول: لإنقاذ حياة أختي من المرض قمت باقتحام البنك الذي أودعت فيه أموالي! ونشرت المجلة صورة المهندسة الجميلة (28 سنة) التي كما تقول: كان عليّ سرقة بنكي لإنقاذ أختي المصابة بمرض السرطان. واقتحام سالي حافظ للبنك وهي تحمل مسدساً من البلاستيك ليس أمراً نادراً، وتمت تسعة اقتحامات للبنوك اللبنانية من قبل المودعين مثلها الذين لا يريدون السرقة، بل استعادة أموالهم أو بعضها من السارق (البنك)!.. وصرخة المودعين في محلها، فأنت لا تستطيع إيداع مالك في أحد البنوك اللبنانية فيسرقها البنك منك ويرفض إعادتها إليك! وبلغ الغضب بأحد المودعين التهديد بإحراق نفسه والموجودين في البنك بالبنزين الذي حمله معه! وزارة الداخلية اللبنانية حذرت من تهديد النظام والأمن، ولكن أليس البنك السارق هو الذي يهدد النظام والأمن حين يستولي على أموال المودعين وقد يعيد إليهم القليل منه (بالقطارة!).
من المحزن أن تكون أخبار لبنان (الجميل سابقاً) من هذا النمط الذي يطالعها الغرب بدهشة، إذ لم يحدث من قبل أن سرقت البنوك المودعين بل الخوف عادة من سرقة البنوك. إنه لبنان آخر الزمان. ويبقى السؤال: ما أسماء الذين سرقوا أموال الناس من البنوك وكيف يمكن استعادتها؟
في لبنان صارت الأسماء من نمط «المبني للمجهول».

28 سنة في السجن وأنا بريء

من الأخبار التي تسبب لي الحزن والتعاطف هي التي تتعلق بأشخاص تم سجنهم لسنوات قصيرة أو طويلة وهم أبرياء اتهموا بجرائم لم يقوموا بها. ففي بالتيمور ألغت قاضية أمريكية إدانة رجل مسجون منذ 23 سنة لاتهامه بارتكاب جريمة كان ينفي دائماً أنه مقترفها وكان على حق! سيحصل طبعاً على تعويض مالي، ولكن أي مال يستطيع تعويضك عن سرقة 23 سنة من عمرك؟

تلخيص حياة الفلسطينيين

في برد الشتاء قلما يحظى الفلسطيني في السجون الإسرائيلية بثوب دافئ، أو وجبة طعام مغذية، وهاجس إسرائيل الاعتداء على المسجد الأقصى ومحاولة تقاسمه مع الفلسطيني المسلم لتأدية شعائر دينية يهودية (من قبيل النكاية؟). ولذا، سرني أن معرض عمان الدولي للكتاب حافظ على شعاره «القدس عاصمة فلسطين» كما سرني أن شركة سياحة أمريكية حذرت من الحجز في المستوطنات الإسرائيلية باعتبارها أرضاً خطرة. تتساءل: لماذا هي خطرة؟ والإجابة ببساطة: لأنها الأرض المسروقة من فلسطين المحتلة. ذلك لم يمنع نساء مستوطنات من اقتحام المسجد الأقصى والتقاط صور فاضحة فيه وهن في حقيقة الأمر لا يفضحن إلا أنفسهن وإسرائيل.

التعتيم الإعلامي على مناصري فلسطين

حين توفي جان لوك غودار السينمائي الفرنسي الذي بدأت معه الموجة الإخراجية الجديدة، لفتني مدى لامبالاة الإعلام الفرنسي به. حين يموت في فرنسا ممثل كبير أو مخرج بوزن جان لوك غودار يحدث أحياناً أن تلغي التلفزيونات الفرنسية بعض برامجها لعرض أعمال فنية له، إلا جان لوك غودار الذي تم التعتيم قدر الإمكان على وفاته وأعماله (الموجة الجديدة) ولفتني ذلك ثم علمت أن السبب هو انحيازه إلى حق الفلسطينيين في وطنهم، بل إنه ذهب إلى وثائق من بيانه حول ذلك نشرتها مجلة «الهدف» الصادرة عن الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وكان رئيس تحريرها في إحدى الفترات الشهيد غسان كنفاني. وباختصار، على الرغم من أهمية الفنان جان لوك غودار كمبدع الموجة الفرنسية الإخراجية الجديدة، تم التعتيم عليه (عقاباً) له لانحيازه لفلسطين. فالتلفزيون الفرنسي يضم بعض المنحازين إلى إسرائيل، ينشطون في حقل التعتيم على كل مبدع يناصر الفلسطينيين. ولذا، مرت ذكرى جان لوك غودار في شبه تعتيم إعلامي على إبداعه وقيمته الفنية وموجته الإخراجية الجديدة.

اغتيال الحقيقة غير ممكن

للحقيقة أعوانها الأوفياء. واغتيالها غير ممكن حتى في الغرب. فالفنان إنسان أولاً وهذه جنسيته حين يبدع.
وربما لذلك نجد الموسيقي مؤسس فرقة (بينك فلويد) المناصر للقضية الفلسطينية لا ينسى اغتيال شيرين أبو عاقلة في حفل الفنان البريطاني روجر دوترز. وهكذا في إطار حملات الدعم للفلسطينيين والمنددة بسياسات الاحتلال، وضعت فرقة «بينك فلويد» الشهيرة اسم الشهيدة شيرين أبو عاقلة على شاشات عرض ضخمة خلال حفل أقامته في مدينة نيويورك بمناسبة مرور مئة يوم على استشهادها. وأعتقد أن قتل الشهداء غير ممكن؛ فهم يظلون أحياء في الذاكرة الإنسانية.

القلب البشري: حب وكراهية!

هل يمكن لرجل سجن شقيقته بمعونة زوجته حين جاءت للإقامة معهما بعد وفاة زوجها لكيلا تكون بمفردها؟ وهكذا قضت تلك الإيطالية بعدها 22 عاماً بمفردها في كوخ بلا تدفئة وحبساها، وتعرضت فيه للضرب والعنف الجسدي. والسؤال ببساطة: لماذا لم تهرب وكان ذلك بوسعها؟ وهل بعض الضحايا شركاء مع السجّان؟ يقول الخبر إنه تم إيداع المرأة المسكينة في مكان آمن تعيش فيه الآن. والسؤال: لماذا لم تبق في بيتها بعد وفاة زوجها، أم أنها كانت بحاجة إلى مأساة تعيشها لتنسى أنها صارت أرملة؟

الشاعر بودلير وانتحاره

الشاعر الشهير بودلير كتب رسالة إلى عشيقته جان دوفال يقول فيها إنه ينوي الانتحار. ولم يكن يكذب، إذ طعن نفسه بسكين دونما جروح خطرة. هل كان ينوي الموت حقاً؟ أم أن الرسائل التي يعلن فيها أي شخص عن رغبته في الانتحار هي صرخة استغاثة من الوحشة أو إعلان الحاجة إلى حب دافئ؟ يوم كتب بودلير الرسالة عن نيته الانتحار كان عمره 24 سنة وعاش بعد محاولة انتحاره التي (تعمد) أن تكون فاشلة، عاش 22 سنة بعدها. كأن محاولة الانتحار أو الإعلان على ذلك صرخة S.O.S أي صرخة استغاثة. ليس من الصعب على أحد الانتحار حقاً، لكن البعض يتحدث عن نيته تلك ولا يريد في نظري الموت، بل إعلان حاجته إلى الحب ودفء القلب. والمهم أن رسالته تلك التي يعلن فيها بودلير أنه ينوي الانتحار بيعت في المزاد العلني بمبلغ 80 ألف يورو.
وبودلير في نظري لم يكن حقاً يريد الموت والانتحار، بل يعلن عن حاجته إلى الحب والحنان ودفء القلب!
وذلك صعب المنال أكثر من الموت انتحاراً!

*القدس العربي