أحببت المبادرات لتحسين صورة المسلمين في الأفلام الأمريكية، وآخرها صرخة الممثل البريطاني ريز أحمد (من الأصل الباكستاني). فتحسين صورة المسلم في السينما والإعلام الغربي ضرورة ملحة، ولعل أجمل الأفلام التي شاهدتها وتقوم بتحسين صورة المسلم بلا افتعال هو فيلم «روبن هود» بطولة كيفن كوستنر، الذي تدور أحداثه أيام الحروب الصليبية. ويمثل كوستنر في الفيلم دور الارستقراطي البريطاني من أسرة لوكسلي، قريب الملك آرثر. وفي سجن من المفترض أن مسلم في القدس، يتضور السجناء فيه جوعاً. ينجح السجين الارستقراطي البريطاني بالهرب وينقذ معه مسلماً، ويهربان معاً من السجن ويصلان إلى بريطانيا.
المسلم ورقيه العلمي والطبي
أتجاوز تفاصيل الفيلم إلى ما يخص تحسين صورة المسلم في شخص المسلم داكن السمرة حتى السواد، الذي ساعده لاكسلي على الهرب من السجن في القدس أيام الحروب الصليبية.
نجد هذا المسلم يمتلك معارف علمية كان الغرب يجهلها يومئذ، منها مثلاً اختراع المنظار المقرب الذي أدهش الجميع حوله، وشاهدوا معه وعبره جنوداً قادمين لإيذائهم. وحين تتعسر ولادة إحدى النساء المسيحيات وتشرف على الموت، يقوم المسلم بمعارفه الطبية المتقدمة على توليدها في عملية جراحية قيصرية، وبذلك ينقذ حياة الطفل وحياتها ويحترمه الجميع بعد ذلك. ويسأل روبن هود المسلم الأسود لماذا يرافقه، فيقول له: إنني أرافقك لأدفع ديني، وعليّ أن أنقذ حياتك كما أنقذت حياتي، وبذلك أتحرر من ديني وأختفي من حياتك (الأخلاق المسلمة الرفيعة والوفية)، وحين يشرب الجميع الخمرة لا يذوقها المسلم قائلاً إنه لا يحب أن يفقد وعيه.
لا أركع لغير الله
أحببت خاتمة الفيلم أيضاً. فحين يتزوج روبن هود من ابنة عم الملك، يأتي الملك آرثر فجأة لحضور عرس ابنة عمه، وحين يصل يركع الجميع له باستثناء المسلم لأنه لا يركع لغير الله. وهكذا، فالفيلم يعرفنا على شخصية جميلة استثنائية للمسلم تتميز بالتفوق العلمي والأخلاقي.. إذ حين ينقذ المسلم حياة روبن هود، يقول له: الآن سددت ديني لك وسأعود إلى بلادي ولن نلتقي بعد اليوم (أي أنه كمسلم ليس انتهازياً، لكنه شديد الوفاء والإخلاص).
صورة المرأة في بعض البلاد المسلمة
في فيلم روبن هود صورة حقيقية وجميلة للإنسان المسلم الذي يتبع تعاليم دينه. ولكن ما يدور اليوم في أفغانستان/طالبان حيث يرى العالم كله مآسي النساء بذريعة الدين الإسلامي، حيث يمشين في الشوارع كما لو كن مذنبات لمجرد أنهن نساء. هذه الصورة الحقيقية للبعض لا تحسن صورة الإسلام، بل تجعل الهرب من كابول انتصاراً نسائياً ولو إلى أي مكان في العالم (المتحضر). وباختصار: لا يكتمل تحسين صورتنا كمسلمين إذا لم نحسن حقيقتنا اليومية.
وباء كورونا يهزم سحر باريس
جاءت ابنة صديقتي اللندنية إلى باريس (الحفل المتنقل) كما لقبها ذات يوم الأديب الكبير هيمنغواي. جاءت لقضاء جزء من شهر العسل. من زار هذا الصيف باريس خاب أمله؛ فهي مدينة شبه خاوية بسبب وباء الكورونا، وإغلاق معظم المتاحف والمطاعم والمرافق السياحية.
وأصطحبت ابنة صديقتي عريسها إلى مطعم في «الحي اللاتيني» يعج بالناس عادة، وكان المطعم خاوياً حقاً باستثناء ابنة صديقتي وعريسها وأنا.
وفي مدخل المطعم رجل يحاول التأكد من أننا قد تطعمنا ضد وباء كورونا، أي ما يدعى في باريس (باس سانيتير). من طرفي، لم أتطعّم إكراماً للمطاعم، بل خوفاً على صحتي!
برج إيفل أم «برج الخواء»
ابنة صديقتي كانت تريد الصعود إلى برج إيفل، بل والأكل في مطعمه الراقي (جول فيرن). والمطاعم كلها خاوية من الناس، وصارت ابنة صديقتي تلتقط صور تلك المطاعم التي كانت ذات يوم مزدحمة بالناس، كما قالت لها أمها وقلت لها. الفنادق أيضاً في باريس شبه خاوية ومعظمها مغلق.
وليس في وسع أحد الدخول إلى أي مطعم اليوم إذا لم يشهر الشهادة بأنه تلقى التطعيم ضد الوباء. والغداء لعروسين في شهر العسل كان يبدأ بالأزهار والموسيقى وليس بوجه قاتم لرجل يشبه رجال الشرطة يطلب منهما أوراقاً ثبوتية حول التطعيم ضد الوباء.. وهكذا رحلا بعد أيام، وظل الباريسيون يشكون من خواء الفنادق والمطاعم.
التهام اللحم البشري بشهية!
وعلى ذكر المطاعم الخاوية في باريس، هل في وسعك أكل لحم إنسان آخر؟ قالت لي صديقة فرنسية: ذلك الرجل الألماني الذي قتل رجلاً أربعينياً آخر وأكل لحمه، لماذا يثير هذه الضجة الإعلامية، وأضافت:
ما الفرق بين قتل الأبقار لأكلها، وأكل اللحم البشري؟
أعتقد أن المؤذي في الأمر هو القتل! وسبق لنا أن قرأنا عن طائرة هبطت هبوطاً اضطرارياً على قمة جبل مثلج، ومات معظم ركابها، والذين بقوا أحياء لم يعد لديهم ما يأكلونه غير لحم زملائهم في الطائرة الذين ماتوا قبلهم، وهي حكاية مروعة. لكنها تعني أن بوسع بعض الناس أكل اللحم البشري، ويزعم البعض أن طعمه شهي!
جريمة قتل رجل لالتهام لحمه ما زالت تبدو لنا مروعة، لكن ذلك حدث في برلين/ألمانيا.
أتساءل: هل الإنسان في حقيقته حيوان آخر في الطبيعة يلتهم حيواناً آخر مثله؟ لن أتساءل عن طعم اللحم البشري لأنني بالتأكيد، وأياً كانت الظروف، لن أتذوقه! وقد أتفهم دون تعاطف أكل بعض الناجين في الطائرة الذين دفعهم الجوع إلى أكل بقية الركاب الذين قتلهم تحطم الطائرة، ولكنني أرفض التعاطف مع شخص اجتذب عن طريق «الإنترنت» إنساناً آخر يعمل سائقاً لتاكسي ويقتله ويقص لحمه بالمنشار لأكله. ولو كنت طبيباً نفسانياً لقلت المزيد عن تلك الجريمة المروعة دون أي تعاطف مع القاتل عاشق اللحم البشري!
إنها الدنيا التي مهما كتبنا من روايات الرعب تأتي أحداثها وتتفوق بأحداثها على الروائيين كلهم!
*القدس العربي