لقد قام الحاكم الجديد لكوكبنا بأكمله «الإمبراطور كورونا» بالحكم بالإعدام على أمور كثيرة في حياتنا، وقام بسجننا في بيوتنا، واغتال بذلك «أدب الرحلات»، حيث كان الكاتب يرحل ويكتشف عوالم أخرى غير وطنه ويكتب عنها. وأعترف بأنني من عشاق «أدب الرحلات»، حيث ينقلني الكاتب/المسافر إلى أوطان لم أعرفها، وأعشقه كتابةً حين (أعترف بذلك!) سافرت إلى الشرق الأقصى: إلى بانكوك (تايلندا) وهونغ كونغ وسنغافورة ومانيلا (الفلبين) وسواها، وطفت في المدن الأوروبية كلها تقريباً وكتبت عنها، كما ذهبت إلى المدن الأمريكية: هوليوود ـ نيويورك ـ سان فرنسيسكو، وسواها كثير مثل لاس فيغاس وميامي، وزرت موسكو وسانت بيترسبورغ، وهبطت في مركب في وادي الراين، ولم تبق مدينة ألمانية أو سويسرية أو أوروبية أخرى لم أتعرف عليها وأكتب عنها.
وسعدت بالتعارف مع بعض عالمي العربي من عدن إلى تونس، ومن القاهرة إلى الكويت، وسواها لا يحصى. وكنت أحلم بزيارة ما تبقى لي من كوكبنا كأستراليا ونيوزيلندا، ولكن.. جاء الإمبراطور كورونا وحرمني من متعة السفر إلا بين غرفة نومي وغرفة المكتبة والمطبخ!
كتبي في «أدب الرحلات»
حول زيارات التعارف تلك وأسفاري، أصدرت عدة كتب منها: الجسد ـ حقيبة سفر ـ غربة تحت الصفر ـ القلب نورس وحيد ـ رعشة الحرية ـ شهوة الأجنحة ـ امرأة على قوس قزح. هذا إلى جانب كتابي عن دمشق مسقط قلبي ورأسي في.. «رسائل الحنين إلى الياسمين»، وهي كتب أحبها القارئ العربي، فبعضها في طبعته السابعة.
اليوم لم يعد في وسعي الاستمتاع بالرحيل بعدما اغتاله وباء كورونا واغتال معه «أدب الرحلات» فكيف نرحل والخوف في قلوبنا من تلقي العدوى بالوباء في طائرة تشبه علبة سردين ونحن نتبادل العدوى (!).
(وهو شعور أبوح به بالرغم من أنني تلقيت اللقاح ضد الوباء) دونما طمأنينة، ولكنني أحن إلى العديد من المدن التي سبق وزرتها والقريبة من بيروت (حيث كنت أعيش) كما أثينا وإسطنبول.. وبورتوفيتو وفينيسيا وكابري و..و..
نتحدث عن شهوات وذكريات
حين نكتب اليوم عن حقل «أدب الرحلات» نتحدث عن ذكريات.. أو «أمنيات». نكتب عن أحلام نظرية مجردة من التجربة الشخصية.. فقد صار السفر يحتاج إلى شهادة تطعيم ضد الوباء، أما المطارات التي نهبط فيها فصارت (مصيدة) لنا فتطالبنا بجواز سفر إضافي صحي حول تلقينا اللقاح لكي لا يتم احتجازنا أسبوعاً للتأكد من عافيتنا، وغير ذلك من التفاصيل كالفنادق والمطاعم المغلقة والشوارع الخاوية..
انتهى زمن التسكع حول أزقة «سانتا ماريا اون متيفري» في روما القديمة، فالإمبراطور كورونا يحكم كل حركة نقوم بها. وأضحى «أدب الرحلات» مثل عاجز في كرسي متحرك يلوك ذكرياته ويتعذب لشوقه للركض في أماكن كان يتمنى زيارتها أو زارها.. ولكن الإمبراطور كورونا حرمنا تلك المتعة واغتال أدب الرحلات إلى جانب أمور كثيرة، كذهاب الأولاد إلى المدارس، وحرية العمل، وتحصيل الرزق، هذا قبل الشكوى من إعدام «أدب الرحلات»! .. ولم يترك لنا الوباء غير حرية الموت!
السرقات الأدبية بذريعة أو بأخرى
أنتقل إلى موضوع يتحدث الغرب عنه في الصحف والتلفزيون، هو السرقة الأدبية التي تكاثرت مؤخراً. الذريعة الأولى للسرقات الأدبية هي تشابه الأسماء. وفي برنامج تلفزيوني، اعترف أحدهم أنه كان يستغل تشابه اسمه مع مشهور؛ لحجز أفضل مائدة في مطعم ما، أو لبيع كتاب بخطه ويباع، إذ يظنه البعض لكاتبهم المفضل، ولا يخطر ببال القراء أن ثمة من يستغل تشابه الأسماء طلباً للشهرة والمال.. وعالمنا العربي لا ينقصه أمثلة كهذه.. وجاء في مجلة (فواسي) الفرنسية العديد من السطور عن شكوى الممثل الشهير جيرار جونيو عن شخص ينتحل هويته، كما شكا العديد من المشاهير من أفعال كهذه طالتهم، ونجد نماذج منها في مجلة (كلوسر 1ـ 4 ـ 21) تشكو مقدمة برنامج شهير على القناة 2 الفرنسية «صوفي دافان» حيث ينشر البعض دعاية لمستحضر ما عن لسانها على الإنترنت!
وتشكو فوستين بولاير، ممن ينتحل صفتها مع بطاقة هوية مزورة للاحتيال على بعض الناس مالياً. ويشكو الدكتور ميشيل سيم، المشهور في فرنسا ببرامجه الطبية الإذاعية والمتلفزة للتوعية الصحية، من انتحال اسمه لبعض الإعلانات الطبية، حتى أن سيدة في الشارع هاجمته مطالبة تفسيراً حول ذلك الاحتيال! كما شكت لورانس بوكاليني (نجمة برنامج متلفز) من استغلال اسمها في إعلان للنحول بعدما استطاعت إنقاص وزنها… والأسماء كثيرة التي تشكو من انتحال صفة أو استغلال تشابه الأسماء. ألم يحن الوقت للرضى عن الذات وعدم محاولة سرقة نجاح الآخرين بذرائع شتى منها تشابه الأسماء.. كما فعلت إحدى الكاتبات حين نشرت في الصحف باسمي (مستغلة تشابه الأسماء) طالبة التبرع لها بمبلغ مالي لتجري عملية جراحية تزعم أنها بحاجة إليها. دهش القراء من الإعلان، فزوجي ثري، ثم تبين أن ثمة من استغلت تشابه الأسماء وحصلت على مبلغ كبير من المال! وشعرت بالخزي من ذلك، فأنا أفضل الموت على التسول من قرائي!
باي باي بيرة كورونا
قبل عام وعدة أشهر، كان ثمة نوع من البيرة يدعى «كورونا». وحين سمعنا بالوباء، صمدت البيرة في المخازن على أمل بيعها، وظلت تحاول أن تباع، لكن أحداً لم يعد يشتريها.
اسم «كورونا» صار مشبوهاً، وتم سحبها من الأسواق. إنه تشابه الأسماء، وهي لعنة تصيب الكثير من البشر لا البيرة وحدها. لماذا لم يعد المستهلك يشتري بيرة كورونا؟ لأنها تذكره بما يحب أن ينساه، ذلك الوباء اللعين!
في المقابل، ثمة سيدة أنجبت توأماً، فسمت الابنة كورونا والصبي كوفيد، لكن دائرة الأحوال المدنية الفرنسية رفضت تسجيل هذين الاسمين، كما أنه من المستحيل عليك أن تسمي ابنك الوليد هتلر، وحتى اسم ادولف كاد ينقرض، فالاسم عنوان معنوي. ولا أظن عربياً سيسمي ابنه نتنياهو!
*القدس العربي