محمود باكير، محامي وكاتب سوري، أصدر مجلة الكواكبي عام 2011
أوراق 19- 20
شعر
“إهداء ..
إلى عجوز سراقبي ..
وجدته يفرك الندم ..
والدقائق وحيداً
تحت برج الساعة في إدلب”
الأبواب العتيقة..
الشتاء وهو ينهمر في الخارج..
بلا هوادة..
مشهد الحجارة المعشوشبة ..
وهي تتفتح تحت المطر..
صوت الريح ..
وهي تقتحم الدروب ..
والتلال القريبة ..
الأخوة في نومهم البريء ..
الليل..
والوحشة ونار المواقد ..
الهمسات والوشوشة ..
بعد السهر الطويل..
روح الآذان المبلل بالنجوى ..
صلاة الصبح ..
دعاء الأب اللحوح ..
خطوات الأم ..
بسملتها ..
وهي تفتتح أقنية الطحين ..
للماء الساخن ..
الحطب ..
رائحة الحطب ..
وهو على وشك الاشتعال ..
طقطقة الأكف وهي تتجمع ..
في العجين ..
كي تورق الأرغفة ..
في تعاريج الدعاء ..
الصباح ..
إشراقة الصباح الغائم ..
ونكهة الخبز الناضج ..
“ميثولوجيا” الرائحة ..
المختلطة..
في المطبخ القديم ..
ودم الديك المذبوح على عجل ..
ورأسه المقطوع..
المائل على حجر ..
قرب باب الدار..
رشقات الماء الساخن ..
رائحة الريش المنتوف..
وصوت الببور..
نهيق الحمار المربوط ..
تحت سور جيراننا..
سرب الزرازير ..
القادم من الشمال ..
وهي تستريح على ..
حواف الشبابيك الخشبية ..
في رحيلها السنوي نحو الجنوب ..
الصباح الندي ..
الثقيل ..
وهو يبدأ يومه ..
محمولاً على أكتاف..
الرعاة وهم يذهبون ..
إلى الحقول القريبة..
على ضوضاء أغنامهم المعافاة ..
إلا من “سحجة” النايات..
والثغاء الصغير ..
رائحة الخبز والتراب ..
والنهار المستعجل ..
نحو منازل النوم ..
والدفء الشفيف ..
الأبواب الخشبية..
وما وراء الشبابيك من الحكايا ..
الكلاب ..
في شغبها الشبقي ..
وهي تتقلب ..
على طين البراري ..
“بطرانة” من الشبع ..
متحررة من قوائم الخطيئة..
الباصات القادمة من الساحل ..
وأريحا ..
وهي تحمل الطلبة ..
وصناديق “اليوسف أفندي”
وتشرِّق إلى حلب ..
أبواق السيارات الصفراء ..
وهي تغرِّب ..
باللبن والسمن العربي ..
ورائحة البدويات الحرِّيفة ..
على طريق “أبو الظهور”
شاي الدكاكين والنميمة ..
في رأس السوق الشمالي ..
باعة “تتن البصمة”
التتن الأشقر المجعد ..
وكأنه جدائل الفاتنات..
بين أصابع الرجال الخشنة ..
من “الخرمنجية”
وهم يتأملون الرائحة ..
في صدورهم ..
ويعقدون الصفقات ..
مع الباعة ..
وهم يحملون بضاعتهم ..
من الجبل الوسطاني ..
وقرى الجبال القريبة..
وسهل الروج ..
…
هذا الشتاء البعيد البعيد ..
مسباح الذاكرة ..
عاجها الباهظ ..
فضتها التليدة ..
وهي تنداح مستسلمة ..
تحت بساطير الخذلان ..
ذاكرتنا الرعوية ..
فخر أيامنا التي ذهبت هباء ..
وسط كل هذا الخراب..
وكل هذه الحرب القوية..
وكل هذا الحضيض ..
من الدجل والبهتان..
***
هذا الحنين ..
ليس فائضاً “رومانتيكياً”..
ولا نوستالوجيا مريضة ..
هي حياتنا المقتولة ..
برصاصة خائنة ..
من إصبع قناص لقيط ..
ونحن نرقبها كاليتامى ..
من بعيد..
وهي مهزومة ..
ومشوَّهة ..
كحفنة من الرمل ..
تهرب من بين الأصابع ..
ونحن نحملها مثل معصية ..
فقدت ملامحها..
في طريقنا الواضح ..
كاللعنة..
نحو العدم………………..؟!