علي سفر: من الموديل العاري إلى…”الإمام الخميني في مرآة الفن السوري”!

0

كان يمكن للذكرى المئوية لتأسيس جامعة دمشق التي مرت قبل أيام، أن تكون مناسبة لاحتفال حقيقي يذّكر بمشروع التنوير الذي صنعه السوريون منذ بدايات القرن الماضي، والذي تضمن تفاصيل عديدة كان أبرزها مضيهم في تأسيس ديموقراطية مبكرة خلال عهد المملكة السورية (1918-1920) التي عاشت لمدة عامين قبل أن تغتالها سنابك جيش الانتداب الفرنسي، التي أنهت التجربة وقامت بتشكيل المشهد المحلي على هيئة مازالت تحكم وجود الدولة والمجتمع حتى الآن.

لكن تعسف النظام الأسدي، وهزاله وهزلياته أيضاً، لا يترك مجالاً للتحسر على الماضي قبل مئة سنة، بل يترك المتابع يتحسر على زمن قريب، عندما كانت قاعات الكليات والأقسام الجامعية تحفل بالتجريب وبالسعي نحو مرافقة العالم المتقدّم في مساراته المتطورة، على يد شريحة من المدرّسين الذين أكملوا دراساتهم العليا في الجامعات الغربية والشرقية وجاؤوا بغلال علمية ليوزعوها على طلبتهم لعلهم يتابعون الخطو إلى المستقبل.

كان هذا هو المشهد قبل أن يتردى ويصبح واقع الجامعة مرتبطاً بحال البلد كلها، إذ صارت مسرحاً للنفوذ الأمني ولطرد الكفاءات وإحلال الولاءات، التي تبدأ بأحقية البعثيين بالتعيين قبل غيرهم، ولا تنتهي بجعل الحزبية السلطوية شرطاً للدراسة في بعض الأقسام كقسم الصحافة الذي كان يحتاج المتقدم للدراسة فيه لمقابلة مع لجنة فاحصة تسأله عن رقمه في سجلات حزب البعث!

(المندهشون)

طبعاً لا فائدة من الحديث عما هو معروف من فعالية المخبرين والزمر التي تعمل في إطار الاتحاد الوطني لطلبة سوريا، والتي كانت كافية لتطهير مدرجات وقاعات الدراسة من أي نشاط مختلف. لكن من المهم التذكير بأن الفترة التي سبق هذه المرحلة، لا سيما منها الستينيات ورغم وجود البعثيين في السلطة، كانت تتضمن ملامح تبدو في وقتنا الحالي وكأنها كانت تجري في كوكب بعيد. ومن الأمثلة التي كُتب عنها في صحافة النظام ذاته، أن كلية الفنون الجميلة في مقرها القديم في ساحة التحرير في حي القصاع قبل أن تنتقل إلى منطقة البرامكة، كان طلاب حصص الرسم فيها يتعلمون الفن باستقدام موديلات عارية، أي نساء من لحم ودم يقفن أمام الطلاب أو يجلسن عاريات من أجل أن يرسموهن! ولن يكون غريباً في هذا السياق، أي في زمن انفتاح السينما والفنون، أن تعمل بعض الفتيات في هذه المهنة وأن يصبحن في وقت لاحق من نجمات المشهد الدرامي السوري.

(مقارعة الاستكبار في كلية الفنون)

يمكن اعتبار هذه الظاهرة غير المتكررة، ذروة من الذرى في تاريخ جامعة دمشق، كونها تتضمّن نوعاً من الانفتاح الذهني على ضرورات تبدو مخالفة لقواعد المجتمع المتحفظ الصارمة. لكنها أيضاً ستتضمن النقطة القصية في جوهر الاختلاف بين المجتمع السوري المعروف، وبين المجتمع الذي يتم تلفيق صورة مغايرة له على يد النظام الذي يقود سوريا إلى هاوية لا يُعلم أين ستنتهي… وبالنظر إلى مشاركة الكلية ذاتها، وبالتعاون مع المستشارية الثقافية الإيرانية، في إقامة معرض صور بعنوان” الإمام الخميني في مرآة الفن السوري” بمناسبة الذكرى الرابعة والثلاثين لرحيل مؤسس الجمهورية الإسلامية الإيرانية!

من الناحية العملية، لا يستطيع أحد أن يثبت وجوداً لشخصية الخميني في عوالم الفن السوري، حيث لن يجد المتابعون أي لوحة مرسومة له بتوقيع فنان سوري معروف، إلا إن أدت الظروف التي مرت في السنوات الماضية ببعض الأشخاص لأن يقبلوا تأجير أدواتهم الفنية مقابل بعض القروش هنا وهناك. 

(دعوة الانشاد الديني)

لكن، في المقابل، يمكن العثور على ملصقات كانت ومازالت تنشرها المستشارية بين الحين والآخر في المناسبة ذاتها أو في أيام مشابهة كذكرى الثورة الإسلامية وغير ذلك.

وتبعاً لهذا، كان العنوان الذي وُضع على بطاقة الدعوة المصممة وكأنها دعوة لحفلة إنشاد ديني، وليست لمعرض فني أشبه بالكاريكاتور اللفظي المعبّر عن الحالة الأكاديمية حين تضطر –ربما- إلى مسايرة الأوامر، أو إلى السكوت عن اجتهادات المزايدين. وبالتأكيد يصلح، بوصفه جزءاً من الكوميديا السوداء التي تعيشها سوريا، للتعبير عن الحالة الثقافية كلها التي يتم العمل على طلائها باللون الأصفر على أيدي المؤسسات الرسمية وفق توجهات حكومية واتفاقيات موقعة بين النظام الأسدي ونظام الملالي الإيراني، وقد سبق أن أشارت “المدن” في غير مرة إلى ما يجري في هذا المجال. لكن هذا لا يجب ألا يُنسي المراقبين بأن كل ما يجري الآن يأتي بعد خطوات التطبيع العربي مع النظام، والتي تسعى إلى حد ما لإبعاده عن الإيرانيين والحفاظ على الوجه العربي لسوريا. لهذا، فإن المعنى الأخير للعنوان المضحك، هو هذه المفارقة، إذ يمكن استخلاصه من “نظرية الأحضان” لصاحبها بشار الأسد نفسه، فيما يهرول العرب لاحتضان دمشق الأسدية، بينما تصر هي على البقاء في الحضن الإيراني. 

*المدن