علي سفر: مكتبة يعقوب لانداو في حاوية قمامة في القدس

0

سرق الإسرائيليون، منذ تاريخ النكبة، آلاف المكتبات من البيوت العربية التي اقتحموها، وكذلك فعلوا في المؤسسات الفلسطينية التي دخلوها في القدس والضفة، وفي مدينة القنيطرة السورية العام 1967، وكذلك في بيروت العام 1982. وقد كُتبت أبحاث عديدة وصُورت أفلام أيضاً عن سياسة إسرائيل الدنيئة تجاه الإرث الثقافي الفلسطيني، والعربي بعامة، لكن لصوص الكتب وناهبي الثقافات، كانوا يواجهون هذه الاتهامات بالادعاء أنهم حريصون على حماية التراث والثقافة من خلال الاحتفاظ بما حصلوا عليه، من كتب ووثائق ومخطوطات على وجه غير قانوني.

واقعة واحدة ربما تكفي لإظهار الفارق بين العلني وبين المسكوت عنه على أرض الواقع، وهذا ما جرى قبل أيام في أحد شوارع القدس، حينما صُدم عابرون في  شارع مشمار هعام، عندما وجدوا حاوية كبيرة ممتلئة بالكتب، تنتظر قدوم سيارة البلدية لتأخذها إلى حيث يتم جمع القمامة، ليتبين بعد قليل أن المجلدات الضخمة، والكتب القديمة متعددة اللغات، إنما تعود إلى مكتبة البروفسور الشهير يعقوب لانداو! 

للانداو مكانة كبيرة في ذاكرة الكثير من الباحثين العرب، وقد يبدو الاحترام الذي تُعامل به مؤلفاته غريباً، في سياق العلاقة بين المثقفين الذين يرفضون التطبيع مع الكيان الإسرائيلي، وبين جزء من الباحثين الذين يحملون جنسيته. لكن معرفة ما قدمه هذا الباحث (1924-2020) للثقافة العربية، ولتاريخ اليهود العرب من بحوث ودراسات، شكلت مصادر للدراسات الأكاديمية والمهتمين، تدفع صوب التعامل مع منجزه بوصفه إنجازاً معرفياً إنسانياً، وليس مادة تخدم سيطرة المحتل، أو سياساته.

كتب الرجل في حياته كمّاً كبيراً من الدراسات السياسية حول المنطقة العربية، وعن علاقة إسرائيل بمحيطها، ويبدو أن الوقت الذي قضاه لانداو وهو يُعلم ويؤلف في المكتبات الأميركية، من زاوية المجاز، أكبر من الوقت الذي أمضاه في إسرائيل حيث عاش بعدما انضمت اليه عائلته ضمن موجات الهجرة اليهودية، إلى فلسطين، وعلى وجه الخصوص في العام 1935.

دراسات لانداو الاستشراقية، وكما يتحدث عنها الباحثون العرب تظهرُ مهمة في سياقها. وبالنسبة للمهتمين بتاريخ المسرح والسينما العربيين، فإنهم لن يكملوا مفردات معرفتهم بهما من دون أن يمروا على كتابه الرائد “دراسات في المسرح والسينما عند العرب”، وهو ترجمة لمؤلفه الصادر بالإنكليزية العام 1958، تحت عنوان (Studies in the Arab Theatre and Cinema) وقد قام بترجمة هذا الكتاب والتعليق عليه أحمد المغازي، وصدر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب في القاهرة العام 1972.

الممثل الإسرائيلي ايفيم ريننبرغ الذي نشر صورة مئات الكتب الملقاة وسط حاوية القمامة، قائلاً بأنها تعود لمكتبة البروفسور لانداو، وقد رميت في الشارع لأسباب مبهمة، دعا جمهور متابعيه، إلى التوجه صوب المكان، لإنقاذ ما يمكن إنقاذه منها، قبل أن تحملها سيارات عمال النظافة!

القصة التي بدت غريبة عمن سمع بها وتابعها في البيئة الإسرائيلية، حاول البعض تفنيدها من خلال الإشارة إلى أن جزءاً كبيراً من مكتبة لانداو مصدره مكتبة جامعة ولاية سكسونيا أنهالت (ULB Halle) الألمانية، التي اشترتها لتوضع في مكتبة أبحاث الدراسات التركية. لكن هذا لم ينفِ حقيقة أن ما بقي من المكتبة لم يلق الاهتمام الذي تستحقه، وربما يعود هذا إلى اللامبالاة، أو الجهل بقيمتها، أو ربما تجاهل متعمّد للموضوعات التي عمل عليها صاحبها. وقد بقي دور ورثة لانداو غامضاً في ما جرى، إلا أن البعض أشار إلى عدم قدرتهم على اقتناء الكتب في مكان خاص بها!

انتهت القصة رسمياً بتدخل من بلدية القدس التي نشرت في موقعها الإلكتروني أنه، بالتعاون مع مديرية الثقافة والترفيه، وقسم الصرف الصحي، وقسم الشرطة والتفتيش، تم نقل الحاوية التي تتضمن مئات الكتب والمجلات التي استخدمها لانداو على مدار سنوات البحث، إلى مركز القدس لبحث السياسات. وأطلقت تصريحات نفيض بالعاطفة الزائفة، فقال رئيس البلدية إن “صور الكتب الملقاة في حاوية في الشارع آلمت قلبه”! أما ديفيد كورين، الرئيس التنفيذي لمعهد القدس لبحث السياسيات، والذي استقرت الكتب لديه، فقال: “من الصعب أن تظل غير مبال بصور الكتب التي ألقيت في الشارع”…لكن المعلقين لم يتركوا هذه التصريحات تمر مرور الكرام، فكتب أحدهم: “المثير للاهتمام أنهم فوجئوا، والمثير للاهتمام أكثر أن ينسبوا الفضل لأنفسهم، بعدما عرف مئات المواطنين بما يحصل، يا للقرف!”.

*المدن