حتى تاريخ كتابة هذه السطور، لا يظهر أن حركة الفرنسيين الذين جلبهم إلى سوريا عدنان عزام (أحد أبرز مسوقي النظام السوري في فرنسا)، ستهدأ، إذ تُظهر الصور المنشورة هنا وهناك، أن مؤسسات الدولة مستنفرة، من أجل جعل زيارة هؤلاء انتصاراً إضافياً، يضاف إلى ما سبقه.
لقد قابل الوفد الفرنسي أعضاء اتحاد الكتّاب العرب، وهي المؤسسة التي تكفلت بدعوتهم، واجتمعوا بمهدي دخل الله، عضو القيادة المركزية لحزب البعث، وحظوا بلقاء مع وزيرة الثقافة السورية لبانة مشوح، وأتيح لهم لقاء “جماهير” دمشق في قاعة مكتبة الأسد، ولم يحرموا حلب من أنسهم، فاجتمعت كل فعاليات المدينة في مسرح دار الكتب الوطنية، لتسمع وجهات نظرهم الداعمة لصمود سوريا في مواجهة المؤامرة المدبرة من 100 دولة معادية، بما فيها بلدهم الذي بات “محكوماً من إسرائيل” بحسب قول المرأة الوحيدة في الوفد!
لا يبدو أم أجندة الزيارات ستنتهي قريباً. وبحسب صفحة عدنان عزام في فايسبوك، فإن لقاءً جماهيرياً آخر ينتظر “الجماعة” في السويداء، وأغلب الظن أنهم لن يغادروا عائدين إلى بلدهم قبل أن يلتقوا بالدكتورة بثينة شعبان، المستشارة الخاصة في رئاسة الجمهورية، وقبل أن يحصلوا على “واسطة العقد” ويتمكنوا من لقاء بشار الأسد نفسه.
لكن، من هم هؤلاء الذين كررت وكالة الأنباء العربية السورية (سانا) على متلقّي أخبارها، توصيفهم بمفكرين وإعلاميين، وزركشت إطارات صورهم؟ اللقطات المنشورة باحتفاء مبالغ فيه في المواقع السورية الرسمية، تُظهر عدداً من الرجال مع امرأة واحدة. لكن تركيز المتن الإخباري، واقتباس التصريحات، انصبّ على اثنَين أو ثلاثة منهم.
لهذا، كان لا بد من العودة إلى اتحاد الكتاب العرب ذاته، لنعرف بمن تحتفي سوريا هذه الأيام، فجاء في التفاصيل أن الوفد “ضمّ جان ميشيل فيرنوشيه، الباحث والصحافي الخبير في مجال الإعلام والمعلومات والاتصالات، وكزافييه آزالبير، الخبير الاقتصادي-الاحصائي والمستشار الاستراتيجي السابق، وبيار إيمانويل تومات، الأستاذ والعالِم في الجغرافيا السياسية، وماري بومييه، الناشطة ومنتجة الأفلام والمناهضة للصهيونية، وإيف بيرو، العميد المتقاعد ومدير عام جمعية تعنى بقضايا الدفاع الوطني والأوروبي، وإيمانويل لوروا، المستشار الإقليمي والوطني والمدافع عن سوريا ونضالها العادل، والمصور التلفزيوني كاتشاتور مارتيروسيان، وآلان بيار تيزيو:.
وتدقيقاً في الخلفيات، لن نبذل جهداً كبيراً كي نعرف أن فيرنوشيه وآزالبير وتومات وبومييه، لا يخفون مواقفهم المؤيدة للنظام السوري وللممانعة، بذريعة مواجهته للسياسات الإمبريالية، وفي الإطار الأوسع، ليس سراً، أن بعضهم يمارس دعاية للسياسة الروسية البوتينية في فرنسا.
وفي البحث في تاريخ علاقتهم بسوريا وحضورهم فيها، لن يخذلنا أرشيف أخبار “سانا” وغيرها، حيث سنكتشف أن بعض هؤلاء زاروا دمشق مرات سابقة، بدعوات عديدة، خلال العقد الماضي، أي في الوقت الذي كان جيش النظام يلقي براميل القتل على حلب، حيث أطنبوا في مديح ما رأوه فيها من “جهود بناء وإعادة إعمار”!
زهو إعلام الأسد بوجود هؤلاء، وقيام منظم الزيارة، عدنان عزام، بنقلهم إلى ذاك الوزير وتلك الوزيرة وبعض المسؤولين الآخرين، يكشفان رغبة جامحة للقيام بـ”حَلبهم” إلى آخر قطرة، وتسويق ما ينتج عنهم كحقائق دامغة، يتم رفدها بمحاضرات في الصمود والوطنية، استمعوا لها في لقاء دخل الله ومشوح، حيث تظهر الصور أن المَضيفَين يوغلان في الشرح ويطنبان في التفسير، أمام المستمعين!
بينما تظهر إحدى الصور، معدّات تصوير تعود للمصور الفرنسي، وبما يوحي أن الزيارة سينتج عنها فيلم ربما، ستعرضه بومييه في مكان ما ضمن عملها كمخرجة للأفلام الوثائقية، وكنتيجة إضافية للسياحة السياسية!
من الواضح أن اختيار من يتم جلبهم من أوروبا ليقوموا بالدعاية للأسد، بات يخضع لدراسة أعمق، من قبل المعنيين بالأمر في مؤسساته، ليس فقط من أجل أن يكونوا في مستوى الانتصارات، والخطوات الجارية لإعادة تعويم النظام. بل كي لا تتكرر فضائح الماضي القريب، خصوصاً أن منظم الزيارة عدنان عزام، الذي أراد في المرة السابقة صناعة بروباغندا متقنة تخدم الرواية الرسمية عما يجري في سوريا، ادّعى أن أحد ضيوفه هو حفيد الجنرال غورو الذي غزا سوريا واحتلّها، وأنه جاء ليقدم الاعتذار من السوريين عن مرحلة الانتداب، وعما تفعله فرنسا حالياً، لكن الكذبة لم تنطلِ على أحد سوى من أراد تصديقها في الأجهزة والمؤسسات التي فتحت أبوابها له ولضيوفه، مع تبيّن أن غورو لم ينجب أولاداً!
غير أن النتيجة الكارثية التي وصلت إليها مساعي عزام السابقة، تمثلت في قيام أحد الضيوف، وهو الكاتب الفرنسي كريستوف دونر، برواية تفاصيل الزيارة في كتاب صدر قبل سنتين، حمل عنوان “أربعة أغبياء في سوريا”، فقال عن عزام ذاته: “إن الأمر لا يطاق لو اعتقدنا أن عدنان عزام شخص حقيقي، بل سنرغب في أن نصفعه، لكن بمجرد أن نفهم أنه شخصية مسرحية، سنحبّه، لأنه يضحكنا كثيراً”!
*المدن