عفاف محمد : عصر الصحافي «الروبوت».. هكذا ستتحكم البرمجيات في غرف الأخبار

0

بربطة عنقٍ مخططة وشعرٍ مصفف بعناية ونظّارات يمكن أن يحتاجها أيّ شخصٍ للقراءة، خرج مذيعٌ صينيّ ليتلو نشرة الأخبار على مشاهديه لكنه يحمل مفاجأةً خاصّة ليلقيها وهو يرفع حاجبه الأيسر ببطء ورسمية: «أهلا بكم جميعا! أنا مذيع ذكاء اصطناعي ناطق بالإنجليزية، هذا يومي الأول مع وكالة شينخوا.. سأعمل بلا كللٍ لأبقيكم على اطّلاعٍ فيما تُكتب النصوص إلى داخل نظامي دون انقطاع».

ما تراه في هذا الفيديو هو ذكاء اصطناعي وليس بشر حقيقي. ذكاء اصطناعي يقدم أخبارا باللغة الإنجليزية. قامت شركة صينية بمحاكاة مقدم أخبار بحيث يتحدث باللغة الإنجليزية، ويقدم نشرة إخبارية. بإمكانه أن يعمل على مدار الساعة من غير كلل. ستنتهي وظيفة مقدمي الأخبار قريبا.

ورغم أن «زيانگ شاو» المذيع الروبوت الأول في العالم ينطق عباراتِه بطريقة «روبوتيّة» للغاية خالية من التلوين الصوتيّ والتعبير العاطفي المعهود والمرغوب من أيّ مذيعٍ بشري، لكن مجرد خروجه على العلن أثارَ ضجّة وردود فعل عالميّة إذ قدّمه مذيع فوكس ضاحكًا وهو يقول: «يبدو أنّي في ورطة!»، فيما اعتبره الكثيرون جرس إنذارٍ لاختفاء مهنة مقدّمي الأخبار للأبد لقدرة الروبوت على العمل على مدار الساعة. فهل يكون هذا هو الحال بالفعل؟ وماذا يعني دخول الذكاء الاصطناعيّ لعالم الصحافة، كيف سيغيّر حال الإعلام في كل جوانبه وتفاصيله؟

بما أنني مذيع ذكاءٍ اصطناعي تحت التطوير، أعرف أنه لدي الكثير لأحسّنه.
*زيانگ شاو المذيع الروبوت الأول في العالم

ما يزال البعض يفكّر بالمستقبل البعيد حين يُطرح الحديث عن أثر الذكاء الاصطناعي المحتمل في عالم الصحافة، لكن على أرض الواقع دخل الذكاء الاصطناعي إلى عالم كتابة الأخبار وصناعة التقارير منذ سنين عدّة، وهنالك تجارب مختلفة بعضها ناجح وبعضها ما يزال قيد التطوير برهنت أغلبها على الميزات التي يمنحها الذكاء الاصطناعي في هذا المجال والإمكانات التي يوفّرها لوكالات وجهات إعلامية بارزة، نوردُ هنا أمثلةً من مساهمات الذكاء الاصطناعي في المجال الإعلامي الراهن.

1- تقارير مؤتمتة إلى ما لا نهاية

كانت وكالة «أسوشييتد برس» من أوائل المتبنين لإدماج الذكاء الاصطناعي في المجال الإعلامي. لجأت الوكالة إلى برمجياتِ شركة «Automated Insights» لأتمتةِ تقاريرها المالية عن أرباح الشركات، ما رفع من إنتاجيتها بمقدار 15 ضعفًا تقريبًا عن إنتاجها «اليدوي» سابقا، فصارت تولّد قرابة 4400 قصة خبرية من تقارير الأرباح الفصلية بعد أن كانت تنتج 300 في السابق. يعمل القسم الرياضي في الوكالة أيضًا على تطبيق هذه التقنيات فيما يخصّ لعبة البيسبول وتحديدًا أخبار فرق الدوري غير الرئيسية، إذ يحوّل الذكاء الاصطناعي البيانات الخام إلى نصوصٍ خبرية تصف الألعاب ونتائجها.

 

يتنبّأ بروفسور علوم الحاسوب والصحافة كريستيان هيميند أن 90% من المحتوى الخبري خلال 15 عامًا ستكتبه أجهزة الكمبيوتر.

 

ما تزال هذه التطبيقات تحوم في فلك التقارير النمطيّة التي لا تتطلب تحليلًا ولا تحتوي على تعقيداتٍ معينة، لكن يمكن لبرنامج «Wordsmith» مثلا إنتاج 2000 قصة في الثانية من هذا النوع وبمعدّل أخطاءٍ أقل.

 

2- فيديوهات خبرية في وقتٍ أقصر

لماذا تصنع فيديو فقط، في حين يمكنك صناعة تنسيقًا مخصصًا وقابلًا لإعادة الاستخدام بالمستقبل بقدرِ ما تشاء؟ هذا هو شعار شركات ناشئة عدة أبرزها «ووتشيت» التي يتعامل معها أكثر من 600 ناشر ووسائل إعلامية مختلفة بما في ذلك «دير شبيغل» و«دي فيلت» ومجلة «تايم» الأمريكية وصحيفة «يو إس إيه توداي» و«يورو نيوز».

 

يمكن أن يصنع المحرر فيديوهات مؤتمتة في نصف ساعة تناسب المحتوى الخبري وتجلب مشاهدين أكثر.

 

نشأت منصّة «ووتشيت» في عام 2012، وتعتمد فكرتها على استخدام الذكاء الاصطناعي في صناعة فيديوهات تحكي القصص الخبرية المستهدفة، ويجري ذلك بإخضاع النصّ إلى تقنية «معالجة اللغات الطبيعية» بحيث تُنسق الكلمات مع الفيديوهات والصور الرديفة من أرشيف المنصّة أو مكتبة العميل نفسه. يُنتج الفيديو خلال نصف ساعة عوضًا عن ساعة أو ساعة ونصف وهو الوقت الذي قد تحتاجه وسائل الإعلام التقليدية في حالاتٍ مشابهة.

يقول موقعٌ إخباريّ فرنسي أن مشاهدات الفيديو لديه ارتفعت إلى 50 ضعفًا بفضلِ هذه المنصّة، إذ تعتبر الفيديوهات الخبرية من أفضل الوسائل لجذب الجماهير وإشراكها في المحتوى. يوجد منصّات عدة تعمل بنفس الطريقة مثل «ويبتز» و«گلياكلاود» وتعمد بعض البرمجيات إلى إضافة المؤثرات الرقمية الخاصة أو إنشاء الفيديوهات الموسيقية الاحترافية وغير ذلك ما يتيح حتى للأفراد العاديين استخدامها في إنشاء ما يناسبهم من محتوى. تقول شركة «ووتشيت» أنها لا تهدف إلى استبدال البشر، بل إنشاء محتوى عالي الجودة بشكلٍ أسرع وأكثر كفاءة عبر إنجاز العمل الروتيني الممل وإتاحة الوقت لمستخدميه لتحويل تركيزهم إلى ما يتطلب إبداعًا ولمسةً إنسانية أكبر.

 

مثال عن فيديو منشأ بالذكاء الاصطناعي عبر منصة «گلياكلاود» التايوانية

3- رسوم بيانية فورية

تعاونت وكالة أنباء«رويترز» العالمية منذ عام 2016 مع شركة «گرافيك» التكنولوجية، لإنتاج الرسومات البيانية وتحديثها بشكلٍ فوري. يمتلك الذكاء الاصطناعي القدرة على الاستجابة الفورية للكمّ الهائل من البيانات المتوافر في العالم وتطبيقها بشكلٍ مرئي ومباشر في القصص الخبرية فيما كانت تتطلب أمورًا مماثلة أسابيع من الجهد والتركيز من المحررين.

السرعة مهمّة في مجال الأخبار. الحلّ يكمن عندنا في أن نفترض ما سيتمّ تناوله، نستوعب البيانات، نبني جميع التصوّرات، ومن ثم نقرن ذلك كله بالتغطية. فإذا أردت أن تكتب حتى عن هجمات التماسيح لأن أحدهم هوجمَ حديثًا، سنوفّر لك تمثيلًا بصريًا جاهزًا.
*أليكس روزنبرگ، نائب رئيس شركة «غرافيگ» ضمن مقابلةٍ هاتفيّة

تقول بو روسر رئيسة قسم نصوص الملتيمديا والبيانات في «رويترز»: «كما يعلم كل ناشر؛ يحقّق المحتوى أداءً أفضل عبر الإنترنت حينما يتمثّل بشكلٍ مرئي. ونريد أيضًا أن نحافظ على وقت المحررين، إذا أرسلت للمحرر قصة تتضمن رسمًا توضيحيًا أو فيديو مطابق مسبقًا، فلن يحتاج وقتًا إضافيًا للبحث عن محتوى آخر». تتيح «رويترز» لعملائها الوصول إلى هذه التقنية، لإنشاء محتوى تفاعلي أكثر إثارة للاهتمام، عبر توضيح أثر البيانات المعقدة في صيغة وسائط متعددة. يُذكر أن «رويترز»تستخدم منصة «ويبتز» السابق ذكرها أيضًا، لإنتاج فيديوهات رقمية مؤتمتة جاهزة للنشر تحت طلب عملائها.

 

4- كشف الصور المزيفة

يزداد قلق الخبراء حول العالم من السهولة المتزايدة لتعديل الصور ومقاطع الفيديو وانتشارها من دون أن يظهر زيفها، لكن تعمل شركات عدة على إنتاج أدوات ذكاء اصطناعي تكشف الصور المعدلة بشكلٍ أوتوماتيكي وتساهم في مكافحة هذه الظاهرة. نشرت شركة «أدوبي» ورقة بحثية مؤخرًا تشرح فيها كيف يمكن تطوير التعلم الآلي للتعرف إلى الأنواع الشائعة من التلاعب بالصور، يشمل ذلك الوصل بين جزئين من صورتين مختلفتين والاستنساخ (تُنسخ الأشياء من الصور وتُلصق) ونقل الشيء بالكامل خارج الصورة.

أدوات تعديل الصور تترك وراءها آثارًا تقنية معيّنة، وعلى الرغم من أنها غير مرئية للعين البشرية فهي سهلة الاكتشاف عبر التحليل الدقيق على مستوى الپكسل وخلال ثوانٍ معدودة.

لكشف هذه التلاعبات، يبحث الخبراء عادة عن الطبقات المخفية في الصور، إذ يخلّف تعديل الصور وراءه آثارًا تقنية معينة؛ مثلًا هل يوجد عدم اتسّاق في تباينات السطوع واللون في أماكن معينة ضمن الصورة؟ يمكن أن يُستدلّ على التعديل من حوافّ التباين القوية، والمناطق المصقولة بشكلٍ متعمد، وأنماط الضوضاء المختلفة.

 

رسم توضيحي من ورقة أدوبي البحثية، يوضح كيف يمكن للتعليم الآلي رصد التعديلات في الصور

 

وكما هو العادة في أنظمة التعلّم الآلي، يُعطى كم هائل من الصور المعدلة (أدرجت عشرات الآلاف من الأمثلة في النظام) ليصبح الذكاء الاصطناعي قادرًا على تمييز الأنماط الشائعة من التلاعب وتحديدها باعتبارها غير أصيلة.

 

5- تقصي الحقائق في عصر الأخبار الكاذبة

يسعى «فيسبوك» وراء ما تسعى إليه «أدوبي» لكن بمنهجٍ مختلف، إذ أعلن «فيسبوك» في سبتمبر (أيلول) 2018، توسيعَ برنامجه لتقصي الحقائق إلى الصور والفيديوهات وسيكون ذلك بمساعدة الذكاء الاصطناعي. يُستفاد من التعلّم الآلي في التعرف إلى المحتوى المفبرك عبر الانتباه لإشاراتٍ معينة، أشياء من قبيل تعليقات المستخدمين ومقارنة النصّ بالمقالات الإخبارية والكشف عن التلاعب بالصور. ومن ثم يرسل المحتوى المشبوه  إلى جهات ثالثة للتحقق من مصداقيتها وتعرض نتائج هذه الجهات تحت التدوينات الأصلية.

أمثلة يقدمها فيسبوك عن حالاتٍ تقَصَّى الحقائق فيها وحدّد موضع الزيف في المحتوى الخبري أو الصوري المرفق

 

يكون تزييف الصور والفيديوهات عادة في تصنيفاتٍ ثلاث: 1- أن تكون الصور مفبركة أو متلاعب بها. 2- أن تُستخدم في سياقٍ غير صحيح (نشر صورة من حدثٍ ما مع نصٍ يتحدث عن حدثٍ مختلف). 3- أن تكون الصورة صحيحة لكن مرفقة بمحتوى نصّي أو صوتي أو مرئي زائف. و تقول الشركة أنهم كلما تلقوا تقييمات أكثر من المدققين في هذا المجال، تحسنت دقة نموذج التعلم الآلي لديهم.

 

6- البرمجيات في غرف الأخبار

«أتمنى لو كان هنالك برامج بوت تساعد الصحفيين على تغطية اهتماماتهم بطرقٍ لا يتوقعونها. نقول اليوم للكمبيوتر: «شاهد هذا الموقع وأعلمني بم يتغيّر». قد نقول غدًا: «أيها الكمبيوتر، أنت تعرفني فنحن نعمل سويّة منذ فترة. راقب مناطق اهتماماتي وأخبرني إذا اكتشفت شيئًا يستحق النشر يجب أن أطّلع عليه». نتمنى أن نمتلك مع الوقت القدرة على إضافة ميزة مماثلة لـ«كواكبوت»، هكذا يقول جون كيفي مطوّر بوت ومدير إنتاج التطبيقات في « كوارتز»

كواك كواك! أفسحوا الطريق للبوت ليصل إلى مبتغاه! في شهر ديسمبر(كانون الأول) 2017، أعلن موقع «كوارتز» عن تعاونِه مع منصّة «دوكمنت كلاود» لإطلاق «كواكبوت» وهو سلاك بوت (تطبيق برمجي تفاعلي يُستخدم على منصّة «سلاك») مصممٌ ليجعل حياة الصحفيين أسهل، عبر توفير الأدوات اللازمة وتأدية المهام المفيدة التي يحتاجها المراسلون والمحررون ومنتجو الأخبار.

في نسخته الأولية، لم يكن في جعبة «كواكبوت» إلا بعض الحيل القليلة المُجدية في غرف الأخبار؛ أشياء من قبيل التقاط صورة للشاشة من أي موقع وحفظ أي عنوان URL عبر إخبارِ أرشيف الإنترنت ليحفظ نسخةً من الصفحة واقتراح مصادر موثوقة للبيانات للمواضيع المختلفة، فضلًا أنه حين يعطى عنوان ما، يمكنه تحديد أيّ كليشيهات سيئة في الصفحة المعطاة. لكنه سيتيح للصحفيين قريبًا تحميل ملفات PDF إلى منصة «دوكمنت كلاود» واستخراج النصوص والرسوم البيانية من تلك الملفات، ومراقبة مواقع الويب لملاحظة أيّة تغييرات، وصناعة رسومٍ بيانية ومخططات سريعة وغير ذلك الكثير.

هذه ليست إلا البداية بالنسبة لهذا النوع من البرمجيات مفتوحة المصدر، القائمون عليها يقولون أن حدودهم هي السماء في هذا المجال، فهم يريدون إنشاء كل أداة وأتمتة كل مهمّة يمكن لها أن تساعد الصحفيين في غرف الأخبار (سواء تلك التي تضمّ مبرمجين في طاقمها أم لا). أكثر من 20 غرفة أخبارٍ بدأت باستخدام «كواكبوت» بالفعل ويتوقع أن يتضاعف الرقم بسرعة بفضلِ الدعم المالي الذي يحصل عليه الفريق.

 

7- تترصّد الأخبار معك

لدى موقع «كوارتز» أيضًا ضمن «بوت استديو» برمجيات بوت أنشأها لتنبّه الصحفيين عندما يحدث شيء غير عاديّ يستحق الاهتمام في مجال تركيز الصحفيّ نفسه. تتبع البرمجيات مثلًا تغريدات «تويتر» ويمكن أن يكون لها نفع خاصّ عند تغطية الكوارث الطبيعية أو الهجمات، يمكن أيضًا تتبع أيّ بيانات وتحديثات متخصصة مثلًا جهات الشرطة المحلية أو المعطيات المالية للشركات وخلاف ذلك.

أحد الأمثلة البارزة لحالةٍ ساعد فيها بوت الصحفيين على إدراك الحدث لحظة وقوعه بتفوّق، كان ضمن هجوم «وانا كراي» الإلكتروني في مايو (أيار) 2017، والذي أدى لتوقف أنشطة تجارية واقتصادية وخدمات حكومية في مناطق مختلفة من العالم. تمثّل الهجوم ببرمجيات خبيثة تقيد الوصول إلى الحواسيب المستهدفة، وتطلب الفدية مقابل إعادة فتح الوصول للملفات. أنشأ مراسل التقنية في «كوارتز» برنامج بوت يتعقّب جميع مدفوعات بيتكوين التي يرسلها ضحايا الهجوم بمثابةِ فدية على أملِ استعادة الوصول إلى ملفاتهم. واستطاع به إنشاء تغطية خبرية توضّح المبالغ المالية المدفوعة وتحديثها لحظة بلحظة.

يوضح جون كيفي أنه حتى بالنسبة لغرف الأخبار الصغيرة التي لا تملك موارد كافية يوجد أدوات وبرمجيات مجانية تمامًا يمكن الاستفادة منها بنفس الطريقة، وينصح تحديدًا بموقع «IFTTT.com» والذي يرمز لجملة «إذا هذا، إذن ذاك» أي «إذا حدث شيء ما (محفّز) سيجري شيء آخر (فعل محدد)». يمكن أن يتمثل المحفّز بتغريدة كتبها الرئيس، أو كلمة معينة في تغذية «آر إس إس» أو تغيّر في درجة الحرارة أو أيّ شيء معين يريد الصحفي تتبعه؛ في المقابل يكون الفعل في إنشاء صفّ جديد في جدول البيانات لديك، أو إرسال رسالة أو حتى تشغيل ضوء في مكتبك. وبالتالي تمكين الصحفي من تتبع وترتيب الأخبار والتحديثات المهمة في المجال المستهدف لديه. للاطلاع أكثر على قائمة برامج البوت التي تساعد الصحفيين هنا.

 

8- تغطية الأخبار العاجلة لحظة بلحظة

أعلنت صحيفة «واشنطن بوست» الأمريكية في شهر نوفمبر(تشرين الثاني) 2018 إطلاقها تغطية حيّة للانتخابات الأمريكية؛ لأجل تزويدِ الجمهور بأحدث أخبار الانتخابات النصفية والنتائج والتحليلات المتعلقة من جميع أنحاء البلاد. ولإخراج التغطية على أكمل وجهٍ ممكن، لجأت الصحيفة إلى تقنيّة «هيليوگراف» المطوّرة من قبل محرري ومبرمجي الصحيفة أنفسهم. يعمل الذكاء الاصطناعي في هذه التقنية على التقاط الأخبار فور ظهورها في كل ما يخصّ حيثيات الانتخابات، وتتبع التوازن الجندري في الكونجرس والتحليلات الجغرافية الخاصة بالأصوات المتبقية على مستوى المحافظات والذي يقيّم تلقائيًا اتجاهات التصويت في المناطق الرئيسية. تتوجه هذه التغطية للقراء، لكنها تنبّه المراسلين أيضًا إلى أيّ أمرٍ يمكن أن يغفلوه وفقًا لجيرمي گلبرت مدير المبادرات الاستراتيجية في الصحيفة.

سواءٌ انتبهتَ إلى ذلك من قبل أم لم تفعل، فإن بعض البيانات الصحفية والتقارير التي تشاهدها على الإنترنت قد كتبتها لك برمجيّة متخصصة.

يُذكر أن الصحيفة قد انتهجت طريقة «الكتابة الروبوتية» تلك منذ سبتمبر (أيلول) 2017، إذ ولّدت في ذلك العام وحده 850 محتوى «مذهلًا» مكتوب بالذكاء الاصطناعي، يشمل ذلك 500 مقال حول الانتخابات والتي جلبت أكثر من500 ألف نقرة-ربما لا يبدو رقمًا كبيرًا بالنسبة لمشاهدات الصحيفة الأصلية لكنها جميعها قصصٌ لم تكن لتخصّص لها موظفين على أية حال.

ظهرت الكتابة الروبوتية هذه للمرة الأولى مع أولمبياد ريو دي جانيرو 2016، حين لجأت الصحيفة إلى برمجية «Xiaomingbot» لتغطية الألعاب الأولمبية. أظهر الذكاء الاصطناعي في هذه الحالة كفاءةً مشهودًا لها؛ إذ تمكّنت الصحيفة عبره من نشر 450 مقالة على مدار 15 يومًا فقط، بمعدّل 100 كلمة بالمتوسط للتقرير الواحد.

و كما هو متوقع، شجعت التقنية الصحيفة على اعتمادِها في تغطياتٍ أخرى متعددة، مثالُ ذلك إطلاق تغطية شاملة لقوائم الكتب الأكثر مبيعًا في شهر فبراير(شباط) . طوّرت الصحيفة تقنية «برادبيري» بشكلٍ خاص لذلك، ليتيح الذكاء الاصطناعي للمحرر إنشاء قوائم أكثر بكثير في وقتٍ أقل بكثير، مع إنشاء ملخصٍ أسبوعيّ مستخلص من البيانات في كلّ ما يتعلق بعناوين الكتب ومؤلفيها والإضافات المختلفة والأداء التاريخي للعناصر المدرجة في القوائم.

«يتيح «برادبيري» لمحرري الصحيفة إنشاء المزيد من القوائم مثل آخر العناوين الجديدة وأكثر الكتّاب تمرّسًا وكذلك التوسّع لمواضيع جديدة مثل التلفاز والأفلام والموسيقى-كل ذلك دون أيّ زيادة للعبء البشري. *جيرمي گلبرت

9- عمّ يتحدث الناس وما الذي يهمّهم فعلًا؟

على مدى عقودٍ متتالية، تركزت تغطية الانتخابات على ما يسمّى بـ«سباق الخيل»-من سيكون الفائز في الانتخابات الرئاسية هذا المرشّح أم ذاك؟ لكن الباحث العلمي في مختبر الميديا في معهد «ماساتشوستس للتكنولوجيا» بيل پاورزيشير إلى أن الأفكار والمواضيع الرئيسية التي على المحكّ قد تضيع في دوامات الأخبار. ولذا طوّر المختبر أداة تُدعى «إلّكتوم» وهي منصّة تحليل بيانات لتسليط الضوء على ما أطلقوا عليه «سباق خيل الأفكار» وذلك لاستيعاب المشكلات الفعلية التي تواجه البلاد.

يسحب «إلّكتوم»آلاف القصص الخبرية وحوالي 500 تغريدة في اليوم الواحد، وباستخدام أدواتٍ معقدة مستندة إلى خوارزميّة طوّرها المختبر، تصنّف البرمجية كل ما يخصّ الانتخابات الرئاسية،  تبين هذه التصنيفات أيضًا مقدار ما تتلقاه المسائل المختلفة من اهتمامٍ في مواضيع الحديث الإنترنيتية. ما الذي يحظى بأكبر قدرٍ من الاهتمام حاليًا؟ الهجرة؟ الاقتصاد؟ ما الذي يجري تجاهله؟

يوفّر الذكاء الاصطناعي تلخيصًا شاملًا للكمّ الهائل من البيانات والنقاشات المتاحة على الإنترنت، ليزوّد الصحفيين والوسائل الإعلامية بالرؤى المناسبة في المجال المستهدف، بالإضافةِ إلى استخراج تفاصيل محددة جدًا قد لا تخطر على بالِ الصحفي البشري أصلًا. تشتهر مثلًا جملة «إنه الاقتصاد يا غبي!» من حملة بيل كلينتون السياسية أثناء ترشّحه لمنصب الرئاسة، لكن تحليل البيانات أعلاه وجد أن اهتمام المغرّدين على «تويتر» أثناء الانتخابات يمتد لقضايا الأمن القومي والسياسة الخارجية والهجرة والأسلحة والقضايا العرقية وغيرها من مسائل أخلاقية وجدلية.

مثال عن الرسوم البيانية التي يولّدها تحليل البيانات لمحاور الاهتمام بين الإعلام وتويتر

 

يسجّل بيل پاورز المفاجآت التي استخلصها لهم الذكاء الاصطناعي أيضًا، إذ أنه رغمًا عن ما يُشاع بكونِ «تويتر» ساحة يتسيّدها الشباب ذو التوجّه الليبرالي، لكن ظهر وجودٌ قوي لتيار الأصوات المحافظة. والمفاجأة الثانية تمثلت بقائمة المؤثّرين غير المشهورين اللذين لن تهتمّ التغطيات الإخبارية بإدراجهم، لكن أسماءهم ترددت في التغريدات كثيرًا. ما يبيّن أن وسائل الإعلام الاجتماعية تخلق بيئةُ جديدة لمؤثّرين غير تقليديين.

 

 

المصدر : ساسة بوست

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here