بشر شبيب
ها هنا ابتدأت حكايتنا
ها هنا كُنا وما كُنا
هل تذكرين براءتي؟! وطفولتي؟!
وثيابَ مدرستي،
وحيطانَ البنفسجِ في حديقتنا،
وقرآني الكريم؟!
حزني الذي ربّيتهُ شبراً فشبراً في عيوني
وحملتهُ في صدري آلافَ القرونِ
وسكبتهُ دمعاً من العنبِ المذابِ على ربى قدري
هل تذكرين؟!
أيامَ كنتُ مواطناً ومقاتلاً شرساً
أمامي يسقطُ الجبلُ العظيم؟!
آهٍ من الأيامِ يا قمري!
إني لأشعرُ أنني – في هذهِ العشرِ السنين –
رجلٌ سقيم ..
وبأنني قد صرتُ شيطاناً رجيم
بلا مشاعرَ أو حنين ..
وبأنني ضيّعتُ من عمري ملايينَ السنين
هذي حياةُ اللاجئين
هذي حياةُ اللاجئين
ها هنا “آذارُ” يأتي مثلما يأتي ويرحلُ
تاريخنا !! لم يبدأ التأريخُ بعد ..
مات المؤرّخُ في قذيفةِ هاونٍ –
قرآننا !! لا ينزلُ
أهلُ المدينةِ كلهم قد رحّلوا
والحربُ لم تُبقِ لنا إلا الكؤوسَ الفارغات
نخباً فنخباً.. بيننا
نجترُّ تاريخَ الغزاة
لا تسأليني مرةً أخرى
أين الوطن؟!
أين الدواء؟!
أين الملابسُ والعشاء؟!
أين اللبن؟!
أين الحكايا والغرام؟!
أين الحمام؟!
وكلُّ أشياءِ السعادةِ؟!
إنني قد متُّ آلافاً من المرات
لم أُعطَ كفن ..
هذا الزمن .. زمنٌ يُضرّجُ بالهزائمِ والمِحَن
هذا الزمن .. كلهم باعوكَ يا وطني
وقد قبضوا الثمن
ماذا نحاولُ أن نكون؟!
والعمرُ يمضي، والغزاةُ على الرقاب وبالمدافع
ماذا نحاولُ أن نكون؟!
نملاً !! جراثيماً !! ضفادع ؟!
وكل بيتٍ في بلادي فيهِ آلافُ المدامع
نجري إلى المجهولِ، لا أحدٌ
يقولُ: الشّمسُ من جهةِ اليمين
نجري ولا أحدٌ يقولُ: هنا طريقُ الثائرين
ماذا نحاولُ أن نكون؟!
إذ أسألُ ..
أحدَ القياداتِ الكبيرة:
ماذا؟!
ولا يدري الجواب.
فجميعهم لا يُلمسون
فكيفَ نتّبعُ السراب !!
هي الحقيقةُ أنهم لا يعرفون
أنهم لا يقرأون ..
أنهم لا يكتبون ..
أنهم لم يفتحوا في عمرهم أبداً كتاب
أنهم مثلُ الضباب
هذي بلادي قد تناوشها الذئاب
هذي بلادي قد أدمنت سوطَ العذاب
قد أدمنتْ صوتَ الأنين ..
هذي بلادٌ يا عزيزتي لم تعد أبداً بلاد
في هذهِ العشرِ السنين
لم تعد أبداً بلاد ..
لكنها وطنٌ يغذّيهِ الحنين
وطنٌ يعيشُ على الحنين
وطنٌ بحزنِ المندولين
وطنٌ يضوع. – رغم الدماءِ –
يضوعُ منهُ الياسمين