ضم الجولان

0

ضرار حسان

باحث سوري من محافظة القنيطرة، لاجئ في مدريد.

مجلة أوراق- العدد 17-18

أوراق الملف

استغلت إسرائيل الظروف الدولية والإقليمية بهدف تمرير قانون إسرائيلي يسمح بضم هضبة الجولان السورية المحتلة منذ عام 1967 إلى الدولة الإسرائيلية، فبعد صيف عام 1981 المتوتر مع سوريا حول أزمة الصواريخ التي نصبتها سوريا داخل الأراضي اللبنانية في سهل البقاع وارتفاع وتيرة التوتر إلى حد المجابهة، وإزاء ضغط الأزمة العمالية في بولندا بين حركة النقابات العمالية والحكومة البولندية وانشغال العالم والرأي العالم العالمي بهذه الأزمة عمدت إسرائيل إلى إصدار قرار الضم بتاريخ 14 كانون الأول (ديسمبر) 1981، وكانت إسرائيل قد مهدت لصدور هذا القرار بتشجيع الجماعات اليهودية بجمع تواقيع لعريضة من برلمانيين إسرائيليين خلال شهر حزيران (يونيو) 1979، تطالب بأن يكون الجولان جزء لا يتجزأ من إسرائيل، وفي تموز (يوليو) 1980 صدر قانون يُسمَح بموجبه لوزير الداخلية منح الجنسية الإسرائيلية لسكان المناطق المحتلة عام 1967، وفي تموز (يوليو) 1981 أعلن بيغن برنامج حكومته الثانية مؤكدا من أن إسرائيل لن تتخلى عن الجولان ولن تزيل أية مستوطنة أقيمت فيها، والحكومة هي التي تقرر الملائم لتطبيق القانون والحكم والإدارة الإسرائيلية.

في المقابل وبعد خروج رئيس الحكومة الإسرائيلية بيغن من المستشفى بسبب بعض الكسور التي تعرض لها، دعا بعض الوزراء لحضور جلسة وزارية مصغرة في منزله أحيطت بسرية وحضرها نائب رئيس الوزراء ووزراء الخارجية اسحق شامير والدفاع أرئيل شارون والعدل موشي نسيم حيث أعلن نسيم أن الحكومة الإسرائيلية قررت ضم الجولان، وأنها قررت أن يتم ذلك بسرعة هائلة لم يسبق لها مثيل، كما أعلن أن الحكومة ستطرح على الكنيست مشروع قانون مسمى “قانون تطبيق التشريع الإسرائيلي في هضبة الجولان”.

عاد وعقد مجلس الأمن الدولي جلسة غير رسمية بناء لطلب سوريا لدرس مستجدات الوضع الراهن والاستماع إلى مندوبي بعض الدول حول الأزمة، فطالب المندوب السوري ضياء الله فتال منح إسرائيل مهلة أسبوع للتراجع عن قرارها قبل الطلب لاتخاذ إجراءات عقابية ضدها. في هذه الأثناء أرجأ مجلس الأمن إصدار أي قرار حول المشكلة، فيما انعقدت الجمعية العامة للأمم المتحدة واتخذت قراراً أدانت فيه إسرائيل على تغيير الطابع المادي والتكوين السكاني والهيكل التأسيسي والوضع القانوني الخاص بالجولان السوري المحتل، ونص القرار على أن كافة الإجراءات المتخذة تعتبر باطلة وانتهاكاً لاتفاقية جنيف الموقعة في 12 آب (أغسطس) 1949، كما ندد القرار بشدة بمحاولات إسرائيل فرض الجنسية الإسرائيلية على السكان العرب بالقوة.

عاد وأصدر مجلس الأمن قراراً حمل الرقم 497 تاريخ 17 كانون الأول (ديسمبر) 1981 يقضي ببطلان ضم الجولان إلى إسرائيل، ونص القرار على ما يلي:

إن مجلس الأمن إذ يؤكد أن اكتساب الأراضي بالقوة أمر مرفوض بموجب ميثاق الأمم المتحدة ومبادئ القانون الدولي والقرارات الصريحة لمجلس الأمن يقرر:

أولاً: إن القرارات التي اتخذتها إسرائيل بحق الجولان السوري المحتل تعتبر باطلة وكأنها لم تكن.

ثانياً: يطلب إلى إسرائيل الدولة المحتلة إلغاء قرارها دون إبطاء.

ثالثاً: بقاء سريان اتفاقية جنيف على الأراضي السورية المحتلة عام 1967.

رابعاً: يدعو الأمين العام للأمم المتحدة لتقديم تقرير بعد أسبوعين حول تطور الأوضاع في المنطقة وفي حال عدم امتثال إسرائيل لقرارات الأمم المتحدة سوف يتم البحث باتخاذ الإجراءات المناسبة.

عادت الجمعية العامة للأمم المتحدة وتبنت قراراً تطالب فيه إسرائيل بالتراجع عن قانون ضم الجولان، فيما وقفت الولايات المتحدة الأمريكية إلى جانب إسرائيل لمنع صدور قرار يؤدي إلى فرض العقوبات على إسرائيل، فيما أعرب مسؤول أمريكي عن اعتقاده أن إسرائيل ستستغل الأحداث الراهنة في بولندا للقيام بعملية اجتياح لجنوب لبنان وأن الولايات المتحدة تأكدت من ذلك بعد عملية ضم الجولان وهدفهم من هذه العملية الوصول إلى نهر الليطاني.

في المقابل أعلن وزير الدفاع الإسرائيلي شارون أن عدم تجديد اتفاقية التعاون الاستراتيجي من قبل الولايات المتحدة سيزيد الشكوك حول التزامات واشنطن الدولية، كما أعرب عن دهشته من تفاجئ مصر والولايات المتحدة من خطوة ضم الجولان مبرراً هذا الاستغراب بأن إسرائيل سبقت وأبلغت مصر أنها لن تنسحب من هضبة الجولان لأهميتها الاستراتيجية.

عاد وأعلن وزير الدفاع الإسرائيلي بتاريخ 26 كانون الأول (ديسمبر) 1981، أن الجولان ليس عملاً وحيداً وإنما هناك إجراءات أخرى لمناطق محتلة قد تتبعها، وأضاف أن إسرائيل أجبرت على ضم الجولان للتصدي للضغوطات الأمريكية الرامية لفرض انسحاب إسرائيلي من الجولان.

أمام استمرار التعنت الإسرائيلي وعدم تنفيذ قرارات مجلس الأمن الدولي ودعم الولايات المتحدة الأمريكية لإسرائيل، هددت دمشق بأنها ستوقع على اتفاق التعاون الاستراتيجي مع الاتحاد السوفياتي لمجابهة ما قد تتعرض له من أخطار محتملة، كما أعلنت أنها تعتبر قرار ضم الجولان لاغ وباطل وطالبت إسرائيل بالتخلي عنه وشددت على ضرورة تقيد مجلس الأمن الدولي بتنفيذ القرار رقم 497، وإلا فعليه الاجتماع كما تقرر سابقاً بتاريخ 5 كانون الثاني (يناير) 1982 لاتخاذ العقوبات اللازمة بحق إسرائيل بما يتناسب مع المادة 41 من ميثاق الأمم المتحدة، والتي تنص على ما يلي:

– عدم تقديم أي عون عسكري وتعليق كافة المعونات العسكرية.

– قطع العلاقات الاقتصادية والمالية والتجارية.

– الامتناع عن تقديم أي عون فني أو التعامل معها تحت أي شكل من الأشكال.

– قطع العلاقات الدبلوماسية.

في هذا الوقت استمرت الأزمة واستمر الدعم الأمريكي لإسرائيل، فقد أبلغت جين كيرك باتريك مندوبة الولايات المتحدة الأمريكية في الأمم المتحدة المندوب السوري (فتال) أن واشنطن سوف تمنع صدور أي قرار يتضمن عقوبات ضد إسرائيل بناء للفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة ولو اقتضى ذلك استعمالها حق النقض (الفيتو)، فيما أعلن كلوفيس مقصود ممثل جامعة الدول العربية في الأمم المتحدة أن إسرائيل بدأت بتحويل نقاطها العسكرية في الجولان إلى ما يسمى حدوداً دولية.

توقعت المخابرات الإسرائيلية مزيداً من التدهور الأمني والصدام العسكري بين السوريين والإسرائيليين خلال العام 1982، كما توقعوا أعمالاً عدوانية في ردة فعل على قانون ضم الجولان إلى إسرائيل وأعلنت حالة التأهب في الجيش الإسرائيلي لمواجهة التطورات الطارئة.

أمام هذه التطورات التي اعتبرتها القيادة السورية استفزازية وتمهد لعدوان أكبر على المنطقة، بدأ وزير الخارجية السوري عبد الحليم خدام زيارة إلى موسكو لإجراء مباحثات مع المسؤولين في موسكو حول الأوضاع السائدة، فالتقى أندريه غروميكو وزير الخارجية السوفياتي وتشاورا بخصوص تطوير مشروع معاهدة الصداقة التي وقعت في تشرين الأول (أكتوبر) من عام 1980، في المقابل استخدمت الولايات المتحدة حق النقض (الفيتو) على مشروع قرار عربي معدل قدم إلى مجلس الأمن الدولي يدعو لاتخاذ عقوبات متنوعة ضد إسرائيل لضمها الجولان السوري، بعد هذه التطورات عقد مجلس الأمن الدولي مجدداً جلسة بتاريخ 28 كانون الثاني (يناير) 1982 بناءً على طلب مجموعة الدول العربية ناقش خلالها الأمور الإجرائية لنقل الشكوى العربية من مجلس الأمن إلى الجمعية العامة للنظر فيها، وبالفعل وافقت الجمعية العامة وللمرة الأولى منذ قبولها إسرائيل عضواً في الأمم المتحدة عام 1949، اعتبار إسرائيل دولة غير محبة للسلام ويتناقض سلوكها مع ميثاق الأمم المتحدة وقرارات الجمعية العامة التي قبلت على أساسها إسرائيل عضواً فيها.

ردت إسرائيل على القرار في اليوم التالي مستنكرة ما وصفته قراراً ظالماً وغير منطقي وغير متوازن وما الدعوة لعزل إسرائيل دولياً إلا في إطار الجهد المستمر من قبل العرب لتقويض كيانها واعتبار القرار من القرارات المناهضة لإسرائيل التي سبق وتم التصويت عليها في السابق.

منذ اللحظة الأولى التي عمدت خلالها إسرائيل إلى ضم الجولان بدأت بممارسة مختلف أنواع أساليب الضغط والإرهاب لجعل المواطنين العرب يقبلون الهوية والجنسية الإسرائيليتين، ولكن أبى هؤلاء الخضوع للإرادة الإسرائيلية على الرغم من استمرار إسرائيل ببسط سيطرتها على الجولان.

مراجع:

1-مصطفى الجوني، ترسيم الحدود اللبنانية السورية الفلسطينية وأبعادها السياسية والعسكرية والاقتصادية 1920-2000، دار المحجة البيضاء، ط1، بيروت لبنان، 2007.

2-عبد المنعم حسكير، الجولان مفتاح السلام في الشرق الأوسط، ص218، ط1، مكتبة بيسان، بيروت لبنان، 1999.

3-صحيفة السفير: 6-2-1982، العدد 2790.