بغض النظر عن التعريفات المتعددة لمفهوم الدولة لكنها جميعا تتفق على نقطة مهمة وهي انها نظام مؤسسي, أو جهاز اداري-سياسي أو مجموعة من الأجهزة الفوقية التي تعكس المبادئ التي يقوم عليها التنظيم الاجتماعي للمجتمع. والدولة مؤسسة سياسية يرتبط بها الأفراد من خلال تنظيمات متطورة يُمنع من خلالها استغلال السلطة والصلاحية من قبل الحكام!, وتبسط سلطتها على إقليم جغرافي بشكل حقيقي. ويعتبر (أنجلز) أن: الدولة ليست سلطة مفروضة على المجتمع من الأعلى…وإنما هي ثمرة المجتمع ذاته في مرحلة معينة من تطوره. والدولة بالمعنى الحديث هي شكل من أشكال النُظم السياسية التي لها هيكل مستقل للسلطة السياسية حيث تتكون من منظومة من الهياكل الاجتماعية والسياسية، التي تمتلك حقوقاً وسيادةً متأصلتين تمنحها سيادة على إقرار شؤونها الاقتصادية والقضائية بنفسها, وتشرق على المثل المشتركة للحياة الجماعية فإنها غير متجاهلة الأفراد المكونين للمجتمع. هذه المقدمة هي للتوضيح عن أن الدول التي لاتتبع العمل المؤسساتي يكون مصيرها عادة الدخول في قائمة “الدول الفاشلة”
منذ عام 2005 يُصدِر «صندوق السلام العالمي» تقريرها السنوي “مؤشر الدول الفاشلة”، والذي اصبح اسمه منذ عام 2015 “مؤشر الدول الهشة”. يستند هذا المؤشر على إطار يعرف باسم (CAST) لتقييم مدى قابلية الدول للانهيار, ويقوم بتصنيف 178 دولة من دول العالم، من خلال تحليل 12 معيار رئيسي اجتماعي واقتصادي وسياسي, يتفرع عنها حوالي 100 مؤشر فرعي هي “مؤشرات إجرائية”: من قبيل انتشار الفساد, غياب الشفافية والمحاسبة, ضعف الثقة في المؤسسات السياسية, التدهور الحاد في تقديم الخدمات العامة, عدم اداء الدولة وظائفها الجوهرية مثل تأمين الطاقة, التعليم، النظام الصحي، النقل. “مؤشرات اجتماعية”: من قبيل زيادة النشاطات غير الشرعية، احتكار الوكالات الأمنية أو الجهاز الأمني لخدمة النخب المهيمنة, تقييد الحريات, اللامساواة بين الجماعات, تباين مستوى الفقر. “مؤشرات سياسية-اقتصادية”: من قبيل تعطيل المسار الديمقراطي وعمل الدستور, زيادة مستويات الفساد وتفاعلاتاته على مختلف النشاطات العامة, نقص الاستثمارات الأجنبية، تدهور ميزان المدفوعات, تدهور دخل الفرد, زيادة حد سياسات التقشف القومي. وبناءً على «صندوق السلام العالمي» احتلت سوريا المركز التاسع للدول الأكثر هشاشة عام 2015 ثم المركز الخامس عام 2016, والمركز الرابع عامي 2017 و2018 متقدمة فقط على جنوب السودان، الصومال، اليمن؟.
في الواقع ومنذ نهاية عام 2012 وقعت سوريا ضمن نطاق الدول الهشة مع وصول الصراع العسكري الاهلي الى مستويات عنفية غير مسبوقة, وتراجع هيمنة الدولة المركزية على المرافق التابعة لها, وهذه خصائص تتميز بها هذه الدول نتيجة عجزها على أداء وظائفها لضمان الاستقرار ودرجة الكفاءة على المستوى الداخلي, نتيجة عدم حضور الإرادة السياسية في التزام الدولة بأداء وظائفها اتجاه مواطنيها. ويقول الفيلسوف نعوم تشومسكي أن الدولة الفاشلة هي “الدولة غير القادرة أو غير الراغبة في حماية مواطنيها من العنف, وتعتبر نفسها فوق القانون محليا كان ذلك أم دوليا، حتى إذا كانت هذه الدولة تملك شكلاً من اشكال الديمقراطية فهي فاشلة اذا كانت مؤسساتها الديمقراطية مجردة من أي جوهر حقيقي”. وفي الوقت الذي قطعت فيه دولاً اقليمية مجاورة أشواطاً بعيدة في التقدم الاجتماعي والثقافي والاقتصادي وتطوراً ملحوظاً في العملية الديمقراطية, بقيت سوريا تعاني من مشاكل عميقة ومستمرة لاتنفك تزداد سوءاً. ومنذ خمس سنوات سابقة تقريباً لم تعد المؤسسات الحاكمة التشريعية والتنفيذية قادرة على تطوير الدولة كمفهوم وككيان قادر على تأسيس مشروع حداثي عصري يضمن لها استقراها وثباتها, بل وجدنا عودة الحكومة السورية الحالية, بشكل خاص في مجالي التعليم والتنمية الاجتماعية الى اطرها التقليدية العامة المؤدلَجة في مقارباتها لمعالجة المشاكل. أما اقتصادياً فترسخت بشكل غير مسبوق اسلوب الصفقات العائدة لمصلحة قوى السوق وقوى الاحتكار مُستعمِلة المواطنين الراضخين للقمة العيش في فلكها لتعزيز واستدامة سلطتها وسيطرتها. وشهدت سوريا تحديداً خلال الازمة السورية تخلخلات عميقة وخطيرة في بنية الدولة, وغدت البنى الاحتكارية هي المتحكمة الاولى في المشهد العام للدولة, وفقدت هذه الاخيرة في اطارها المؤسساتي قدرتها على اداء مهامها واختلال وظائفها وفشلها في دعم نموذج اقتصادي محلي مناسب, وفشلها في حماية التنوع الاجتماعي والاثني والقومي الداخلي. وبقيت الثقة من قبل للمواطنين مفقودة تجاه المؤسسات الحكومية بسبب عدم الكفائة في عمليات التشغيل, وهدر الايرادات, وضعف في توجيه المخصصات المالية, وعدم مراعاة حاجات منخفضي الدخل واهمال كارثي للجوانب البيئية. هذه المُخرجات هي جزء صغير من نتاج دورة الفساد الممنهج للاقتصاد السوري التي ضمت الأعمال غير النزيهة التي يقوم بها اشخاص يشغلون مناصب في السلطة, الرشاوى, والمعاملات الحكومية غير القانونية, الاحتيال، الاختلاس, تحويل الأموال, المحسوبية وغسيل الأموال وغيرها, ضمن نمطين من الفساد الثانوي والضخم, مع ملاحظة انه في الحالة السورية هناك درجة من التداخل بين نمطي الفساد السابقين, حيث تحولت الوظائف الادارية العليا الى ممرات غير شرعية للثراء, ويتمظهر الفساد الممنهج في المؤشرات الاقتصادية السلبية والفقر والقضايا البيئية والهجرة والتعليم وغيرها التي اصبح ابسط مواطن على دراية عامة فيها.