صفاء سالم اسكندر: كانت جثة طفلة

0

قرأت أن غينسبرغ في واحدة من مقالاته ضمن كتابه الصادر عن دار الجمل، بترجمة مظلوم، يقول، ما مضمونه، أنه كتب مقالًا نقديًا عن أحد الأفلام، وقد دفعت له المجلة التي ستنشر المقال مبلغ 450$ صرفها على الفور، فيما بعد طلبت منه المجلة حذف كلمة “خراء” فجاء رده: أنه سيعيد مبلغ الـ450$ على أن يضيف كلمة “خراء” أخرى إلى الكلمة السابقة، لأن الوضع أكثر خراءً من ذلك.

ربما كل شيء صار يقع ضمن منطقة المضحك المبكي، تذكرت هذا الاقتباس وأنا أنظر إلى مدرستي الابتدائية وقد أصبحت لا شيء، مجرد أرض أو بعض هياكل متروكة بحجة أعمارها منذ ولاية المالكي إلى يومنا، ولا تستغرب أن قلت لك: في المساء مررت أيضًا بجانب المدرسة المتوسطة التي درست فيها ولم أجد لها أثرًا أيضًا.

مخيف أن تمحى أسماء المدارس التي علمتنا القراءة والكتابة. رغم كل شيء، رغم العقاب والرهبة والخوف.

في أحيان كثيرة، أقصد فترة الطائفية، يوم لم نعد نتحمل الرائحة التي قرب الصفوف الأخيرة، صفوف الرابع الإعدادي العام/ مدرسة قتيبة، كانت الرائحة لا تطاق، ولأن ثمة سكرابًا وأزبالًا كثيرة، صرنا نظن أن هذه الرائحة تعود لكلب يتعفن، قامت إدارة المدرسة برفع هذه الأوساخ، ولم تجد الكلب المتعفن، مر أسبوع كامل ونحن ندرس تحت هذه الرائحة القاتلة، حتى سمعنا ضجة في الخارج، وطلب منا مغادرة الصفوف بشكل فوري، لكن الفضول جعلنا لا نبالي بصياح الأستاذ في المغادرة. كانت جثة طفلة، مخطوفة ومقتولة، وموضوعة بين جدارين حتى يضيع أثرها، ولا أنسى أني سمعت أحد الطلاب يقول، بكل هدوء، إنهم وضعوا جثتها في المجاري على الأقل كنا تخلصنا من هذه الرائحة.

مرعب كل ما نمر به، ومع هذا نحاول العيش بكل ما نستطيع، فلو أن أحدهم كان معي وأنا أجلس مع أربعة من أصدقائي، بينهم سيروان الخائف جدًا من التهجير وتصفيته مع عائلته وهو يتودد بذم طائفته، حتى قال ويصرخ “الله أكبر”، وفجأة لم نعد نسمع أي شيء كان دوي انفجار رهيب، التراب والنار، ويد سقطت قربنا.

ركضت نحو سيروان قلت له: ظننتك أنتَ من فجر نفسه. قال لي: هل سنعود إلى الدرس أم نخرج إلى البيت؟! اللعنة، هل هكذا تبدو الأمور سهلة؟

عندما عدت إلى البيت، كنت أشاهد صراخ الجيران وبكاءهم، أخبرتني أمي، أن ابنهم بُترت يده، لأنه حاول رفع العبوة ورميها بعيدًا عن الناس، فانفجرت به، هل أخبر أمي أن يده سقطت قربي اليوم؟

*الترا صوت