شيء من الذاكرة

0

هايل أبو جبل

جولاني عاصر الأحداث وشارك بها.

مجلة أوراق- العدد 17-18

أوراق الملف

في أواخر شهر ايار عام ١٩٦٧، ساد التوتر على الجبهة السورية الاسرائيلية وبدت بوادر الحرب وشيكة، وأصبح إبعاد أُسر العسكريين وإعادتهم إلى مدنهم وقراهم هو الشغل الشاغل للجميع.

كنت اعمل سائق سيارة ركاب ذات عشرة مقاعد تستوعب الأسرة مع بعض الحاجيات الضرورية للأيام المعدودة التي سوف تقضيها قبل أن تعود إلى منطقة الجبهة لتشارك باحتفالات النصر !!

في الثالث من حزيران أوصلت عائلة إلى قرية مشقيتا في ريف اللاذقية الشمالي رائع الجمال الطبيعي، وهي تبعد عن مدينة اللاذقية إلى الشمال ثم الشرق أكثر من عشرين كيلو متراً. كما عرفت أن بلدة مشقيتا هي مسقط رأس العلامة الاقتصادي السوري الدكتور عارف دليلة، له التحية.

عدت الى القنيطرة في مثل هذا اليوم عصراً لأنقل أسرة ثانية الى قرية “بكا” في محافظة السويداء، ولأبيتَ عند صديق لي يعمل مصوراً اسمه اسماعيل خزعل.

عدّت من السويداء في صبيحة الخامس من حزيران، وقبل وصولي الى القنيطرة بدأ العدوان على جمهورية مصر العربية.

عملت طيلة ذلك اليوم بنقل عائلات من القرى القريبة من مجدل شمس بعض تلك العائلات الى القنيطرة وبعضها إلى مجدل شمس كونها بعيدة عن التجمعات العسكرية ولا تتعرض للغارات والقصف الاسرائيلي.

لم تكن الحرب على الجبهة السورية حربا بالمعنى الحقيقي للحرب أي أنه لم تكن هناك اشتباكات ومواجهات بين فرق عسكرية إنما اقتصرت على قصف مدفعي متقطع من المدفعية السورية ليرد عليها الاسرائيليون بغارات جوية.

في العاشر من حزيران أعلن حافظ الأسد، وزير الدفاع يومها، بيانه الشهير رقم “٦٦” الذي أعلن فيه سقوط القنيطرة قبل سقوطها الفعلي بكثير، الأمر الذي برر الانسحاب الكيفي ودون أي مواجهة مع القوات الغازية. هذا الأمر أثار الاستغراب إذ كنا نتوقع، حسب الاعلام العربي، هزيمة اسرائيل وتحرير فلسطين.

وقد طالت الهزيمة الجبهتين المصرية والاردنية، لكن على الجبهة السورية (حسب رأي النظام) كان الأمر عبارة عن خسارة معركة، ولكن بالمفهوم الاستراتيجي وحسب فهم النظام للصراع فقد فشلت اسرائيل فشلاً ذريعاً لأن هدفها كان اسقاط النظام في دمشق !!!!

لا زالت اسرائيل تجر أذيال الخيبة، ولا زال النظام صامداً حتى الآن!!

في ذكرى معركة تل الفخار

في العاشر من حزيران عام ١٩٦٧، تمت السيطرة الاسرائيلية على مرتفعات الجولان بعدما احتلت تلك القوات كامل سيناء المصرية والضفة الغربية قبل ذلك.

كانت نتائج الحرب هزيمة مدوية للجيوش العربية على كافة الجبهات وعلى الجبهة السورية لم تكن هناك مواجهات قتالية بين القوات وكما يعلم الجميع فقد أعلن سقوط القنيطرة وبالتالي كل الجبهة قبل أن يدخلها العدو بدون قتال.

رغم هذا لا بد من إنصاف اولئك الأبطال والذين قاتلوا هنا وهناك وبكل البسالة والشجاعة والشرف.

على سبيل المثال لا بد من التطرق الى الملحمة البطولية التي خاضها موقع تل الفخار والذي استبسل المقاتلون المتحصنون به في الدفاع عن موقعهم وكبدوا العدو المهاجم الكثير من الخسائر في الاشخاص والعتاد.

الرواية الاولى عن تلك الملحمة جاءت على لسان النقيب صلاح حلاوة الذي كان مسؤولاً عن الموقع المكلف بإسناد تل الفخار وانسحب مع جنوده بعد التأكد من سقوط التل.

بعد عدة ساعات من السير الليلي وصلت تلك المجموعة الى مجدل شمس، وكان من بينهم اضافة الى النقيب صلاح حلاوة المساعد الاول زيد ابو ترابة وهو صديق لنا.

بعد ان ارتاح الجنود قليلا وتناولوا العشاء الذي أُعد لهم روى النقيب للجنود وبحضورنا أنه كان على اتصال دائم مع الملازم أول أسعد إلى أن سكت الملازم أول، لكن صوت الانفجارات بقيت مسموعة عبر جهاز الهاتف وهذه شهادة من ضابط مكلف بدعم تل الفخار يجب أن تدون في السجل العسكري لصالح اولئك الأبطال الذين قاموا بدورهم بكل شرف وإخلاص.

قال النقيب حلاوة ايضاً أنّهم عجزوا عن تقديم الإسناد لتل الفخار لأن الطيران الإسرائيلي استفرد بهم ولم يكن هناك من يساعدهم على التصدي للطيران المعادي.

علمنا فيما بعد أنّ باقي جنود الموقع الذي كان مكلفا بإسناد تل الفخار انسحبوا عن طريق لبنان لاعتقادهم أنّ القنيطرة قد سقطت ومنهم الضابط النقيب يوسف مداح.

أما قائد تل الفخار فهو الشهيد البطل أسعد بدران له ولكل الشهداء الأبطال الرحمة وليكن ذكرهم مخلدا.