هالة البدري، روائية وقاصة وناقدة مصرية
أوراق 19- 20
الملف
يحدث أن تقع في غرام المدينة من أول لقاء لك بها، لكن هذه المدينة فعلت بي ما لم أتوقعه. وقعت في غرام أهلها، وقضيت بينهم أياما من أجمل أيام حياتي، إنها الرقة.
كنت قد دعيت لحضور مهرجان عبد السلام العجيلي للرواية العربية الذي أقامته مديرية الثقافة بالرقة عدة مرات سابقة، وفي كل مرة كان لا يناسبني الوقت. وحين جاءت الدعوة هذه المرة صممت على الذهاب لعدة أسباب. أولا: بسبب السمعة الطيبة المتنامية سنة وراء سنة عن هذا المهرجان الذي يقام في المدينة التي ولد بها الكاتب السوري الشهير عبد السلام العجيلي، والذي يشارك في التحضير له مجموعة من الأصدقاء الكتاب السوريين من بينهم نبيل سليمان، ماجد العويد وشهلا العجيلي، أما السبب الثاني فهو موضوع المؤتمر نفسه، وقد كان في هذه الدورة 2010 عن المحظورات في الكتابة الروائية العربية. وجاء في الدعوة إليه أن قضية معالجة المحظورات البيئية الاجتماعية الثقافية العربية أو المساس بها أو اختراقها جزء مهم من نظرية الأدب وتحددت محاور المؤتمر في المحظور اللغوي، والمحظورات الثابتة، والمحظورات المتغيرة، والتقنيات الروائية في مقاربة المحظورات، واختراق المحظورات، وسياقات النزوع إلى العالمية..
أهم ما جاء في المهرجان كان في رأيي ما جاء عن كسر البنى الفنية التقليدية باعتبارها محظوراً أيضا، وذكر بعض الكتاب أسماء لكتاب كبار لا يمكن تجاوز طريقة إنتاجهم، باعتبارهم محظورين أيضاً مثل نجيب محفوظ في مصر والطيب صالح في السودان، وزكريا تامر في سوريا وهكذا.. وتحدث البعض عن اللغة وضربوا بعض الأمثلة من داخل الروايات نفسها، وربطوا بين حرية الكاتب وإمكانيات إبداعه، وأنه يستحيل على كاتب لا يشعر بالحرية أن يقدم عملا فنياً راقياً بدون اللجوء إلى وسائل تعبيرية فنية أخرى. أما شهادات الكتاب فكانت تجارب شخصية عن مواجهة المحظور في الكتابة، والمحظور في النشر، والمحظور اجتماعيا وسياسيا، ولهذا أتوقع أن يكون الكتاب الذي سيصدر في العام القادم ليضم هذه الأبحاث من أهم كتب المؤتمر في تاريخه البالغ ست دورات.
تعلمون أن مدينة حلب هي مدينة الطرب في سوريا، وأن الرقة هي البادية القريبة لها، وقد علمت أنها قريبة من محافظة الأنبار في العراق أيضا، لهذا حين استمعت إلى غنائهم الذي يبدأ كل ليلة في الفندق بعد انتهاء الجلسات العلمية في العاشرة وحتى ساعات الصباح الأولى، كانت تبدو لي أغاني عراقية، لكنهم قالوا لي إن المنطقة واحدة، وتراثها متشابه، إنها الرقة التي لا تنسى.