محي الدين الظاهر الكبيريت – الجوخدار
معاصر أحداث تلك الفترة
مجلة أوراق- العدد 17-18
أوراق الملف
1. حول تشكيل “الحرس الوطني السوري”
بعد نكبة فلسطين وضياعها. حيث كانت مهمة جيش الانقاذ ومن ضمنه الجيش السوري الاحتفاظ بمرتفعات وجبال الجليل الاعلى. ولكنه فشل بها وانسحب إلى حدود الانتداب المرسومة. وبقي بينه وبين الجيش الصهيوني بعض المناطق المحرمة والمنزوعة السلاح. هذه المناطق لم يستطع الصهاينة احتلالها، ومنها غرب نهر الاردن (الشريعة). وأشهرها أرض عرب الشمالنة ومنطقة الحمة بفضل الحرس الوطني السوري.
وكان عرب الشمالنة يزرعون أرضهم ويرعون مواشيهم بهذه الارض غرب الشريعة ويتواصلون مع الجولان عبر جسر اريك وكان يرابط لحراسة المناطق المحرره مخافر من شجعان الحرس الوطني المؤلف من عرب فلسطين وأبناء الجولان البواسل من شمالنة وزناغرة ومواسى وقديرين ونعيم وفضل وتلاوية. ينتشرون مع ظلام الليل بشكل مخافر صغيرة وكانوا كالشوكة في حلق مستوطنات اليهود ويعتبر الحرس الوطني من عداد الجيش السوري باسم عرب الشمالنة. وأنشئت منه الكتيبة 68 التي كانت تضم أشجع شباب فلسطين مهمتها العمل خلف خطوط العدو والاستطلاع وعلى رأسهم الشهيد علي خربوش من عرابة الذي قضَّ مضاجع الإسرائيليين 9 سنين من العمل داخل فلسطين، حتى الصحف الاسرائيلية عبرت عن فرحتها باستشهاده تحت عنوان (جنرال الجواسيس قتل الأمس). وكانت اسرائيل قد وضعت جائزة لمن يدلي بمعلومات عنه.
وفي عام 1951 أعلن العدو تحويل نهر الأردن واختار منطقة عرب الشمالنة المحرمة. وأهلها لم يزالوا باقون فيها. وتصدى الحرس الوطني السوري له بكل بسالة. وساندهم الجيش السوري وبقيت المعركة أسبوع. إلى أن تدخل مجلس الأمن وأوقفها وخرجت اسرائيل مهزومة ب200 قتيل وجريح وخسارة الحرس الوطني 9 شهداء و43 جريح. واستشهد الضابط السوري أسعد عمير، والضابطين الفلسطينيين واصف الجيوسي وجواد عبد الرحيم. وبعد معركة عرب الشمالنة بفترة حاول اليهود التسلل إلى حاصل كنف وتصدى لهم الحرس الوطني وأجبرهم على الفرار. وحاولت اسرائيل احتلال الحمة عن طريق سمخ. وتصدى لهم الحرس الوطني بقيادة الضابط الفلسطيني رشيد جربوع دون الرجوع للقيادة لمفاجئته بالعدوان. وقتل ضابط إسرائيلي ودمر آلياتهم وعادوا يجرون اذيال الخيبة. ومنح رشيد جربوع وساماً. ومنحته شركة استثمار الحمة بعض الأسهم هدية لشجاعته. وبعدها حاول العدو السيطرة على المناطق المحرمة قرب تل النيرب فتصدى لهم الحرس الوطني بقيادة الضباط إبراهيم توفيق وحسن الصالح وأجبروهم على الرجوع.
كان الحرس الوطني يحرس حدود الجولان من العصابات الإسرائيلية ويزرع الرعب في قلوبهم ويلقبونه عرب الجولان عيون الصقر تيمنناً بالهجانة السورية ويسمى بالسجلات العسكريه عرب الشمالنة. وبعد النكسة 1967 وذهاب أرض الجولان. سرحوا أفراده لعدم وجود مناطق محرمة ومنزوعة السلاح بعدها، وخيروهم بين جيش التحرير الفلسطيني والجيش الشعبي السوري. فتحية لمن خدم بالحرس الوطني والرحمة لمن توفي منهم وعافى من بقي، لقد أدوا الامانة الوطنية على أكمل وجه.
وزارة الدفاع السورية وتأسيس الحرس الوطني السوري أو عرب الشمالنة ودوره:
أما حسب وزارة الدفاع السورية ووثائقها حول الأحداث التي أدت لتأسيس الحرس الوطني السوري:
عقدت الهدنة السورية – الإسرائيلية في 20 تموز 1949، وقضت بنودها بانسحاب وحدات الجيش السوري من الأراضي الفلسطينية التي احتلّتها أثناء الحرب، وبأن تصبح هذه الأراضي “مناطق مجردة” لا يحق لأي من الطرفين إدخال عسكريين من جيشه إليها أو ضمها لأراضيه.
وظلت هذه المناطق، طيلة عام 1951، هدفاً لاعتداءات الإسرائيليين عليها: ففي 25 آذار 1951 فتح اليهود النار باتجاه الخطوط السورية في القطاع المحيط بمستعمرة «مسْمَا هَايَردِن» ومزرعة الخوري من الجانب الإسرائيلي، وطالت الرمايات مخفري (الجمرك) و(جسر بنات يعقوب) السوريين.
وفي 30 آذار من العام نفسه عزّزَ اليهود حشودهم في منطقة بحيرة الحولة، ومنعوا السكان العرب الذين يقطنون المنطقة المجردّة فيها من زراعة أراضيهم، ثم في 4 نيسان من العام نفسه دخلت قوة عسكرية إسرائيلية يزيد عدد أفرادها على مائة جندي إلى المنطقة المجردة، واحتلت قرية (السمرة) العربية ودمّرتها، بينما بقيت المستعمرة اليهودية المجاورة لها (هاؤون) سليمة في مكانها.
وبينما كانت لجنة الهدنة في سبيلها لمعالجة هذا الحادث وصلت أخبار عن محاولة دخول سيارتين إسرائيليتين تقلاّن جنوداً إلى موقع (الحمة)، الذي يقع في مكان تلاقي الحدود السورية مع الحدود الأردنية من جهة، والحدود الفلسطينية من جهة ثانية. وقد حاولت السيارتان التملص من المخفر السوري الموجود في مدخل البلدة فتظاهر قائدهما بأن السيارتين ضلّتا الطريق، وطلب مهلة لا تزيد على دقيقتين للعودة إلى ما بعد خط الحدود، فسمح له الضابط السوري رئيس المخفر بذلك، ولكنه سمعه يقول لأفراد السيارة الثانية بأن ينسحبوا إلى مسافة 50م ويحموا تراجعه لأنه سيقوم بإطلاق النار على رجال المخفر السوري ثم الانسحاب. وصدف أن قائد المخفر السوري كان من الضباط الفلسطينيين الذين يجيدون اللغة العبرية (الملازم رشيد جربوع) فأشار لجنده بإطلاق النار على أفراد السيارة الثانية فسقط من ركابها سبعة قتلى وجريح وأسير تم تسليمهم جميعاً إلى لجنة مراقبة الهدنة.
وفي «5/4/1951، في الساعة السادسة عشر والنصف قصفت ثماني طائرات إسرائيلية منطقة الحمّة، وتصدّت لها الأسلحة المضادة».
وخلال شهر نيسان من عام 1951 كانت القوات الإسرائيلية تهاجم سكان المنطقة المجردة العرب الذين كانوا يقطنون سهل الحولة، في النقيب، والغنّامة، والبكّارة، والجسر، فتُصادر أغنامهم وأبقارهم وتدمّر بيوتهم وتطردهم من ديارهم… وبما أن السكان كانوا أضعف من أن يتمكنوا من صدّ هذه الهجمات الصهيونية فقد جرى إدخال ثلاث فصائل من الجند، برتبائهم وضباطهم، من ملاك كتيبة الاستطلاع، وفوج المشاة الأول، والفوج السادس عشر باللباس المدني حيث اختلط الجند بالسكان المدنيين، وخاض الطرفان معاً معركة حامية ضد الصهاينة، هي «معركة تل الشمالنة» أواخر شهر نيسان 1951. وقد أسفرت هذه المعركة عن مصرع ما يزيد على مائة جندي ومستوطن صهيوني مقابل سقوط تسعة شهداء أحدهم ضابط من الجانب السوري(الملازم الأول أسعد عميِّر) بالإضافة إلى إصابة عدد من الجرحى، وقد تمّ تكريمهم بوسام جرحى الحرب «نظراً لإصابتهم أثناء قيامهم بالواجب في منطقة العمليات الحربية».(شهداء معركة الشمالنة هم: الملازم الأول أسعد عمير، الرقيب صالح الحاج عبد الله، المجند يونس أسعد العيسى، المجند عبد صالح عيسى شعبان، المجند علي بن محسن محسن وجميعهم من فوج المشاة الأول، الوكيل زازو كاوه، المجند طه كلاس، المجند محمد حداد ديب، المجند أحمد عيسى حسن من كتيبة الاستطلاع، وقد منح هؤلاء جميعاً الوسام الحربي من الدرجة الأولى بعد الاستشهاد).
وقد تتابعت حوادث الاعتداء على المنطقة المجردة وسكانها وكانت غايتها، حسبما ظهر بعدئذ، هي إلهاء القوات السورية بالمناوشات على خط الهدنة بينما كانت الجرّافات وآليات الشفط الإسرائيلية تقوم بتجفيف سهل الحولة، ونظراً لأن تجفيف هذا السهل يغير من طبيعة الأرض في المنطقة المجردة ويزيل حاجزاً طبيعياً بعرض 8 كيلو مترات تقريباً، لذا فقد تقدّمت الحكومة السورية بشكوى عاجلة إلى مجلس الأمن الدولي، وفي 8 أيار 1951 «اتخذ مجلس الأمن قراراً أدان فيه إسرائيل لإقدامها على تجفيف بعض أقسام بحيرة الحولة وتغيير مجرى نهر الأردن، مما أدى إلى أعمال حربية في المنطقة المجردة من السلاح الواقعة بينها وبين سورية، وقد دعا مجلس الأمن إسرائيل في قراره هذا للكف عن الأعمال التي باشرت بها». ولكن إسرائيل كانت قد انتهت من الأعمال التي تريد القيام بها في المنطقة!
وعادت المناطق الحدودية للتفجر في أوائل عام 1953 بسبب محاولة إسرائيل تحويل مجرى نهر الأردن، فأرسل الرئيس آيزنهاور إلى المنطقة خبيراً في المياه، وهو المستر إيريك جونستون، الذين قدّم مشروعاً لتقاسم مياه نهر الأردن بين سورية والأردن وإسرائيل، ولكنّ هذا المشروع كان يعني ضمناً الاعتراف واقعياً بدولة إسرائيل وهذا ما رفضته الدولتان العربيتان، بينما تابعت إسرائيل عملية تحويل مياهه.
وبتاريخ «27 تشرين الأول 1953 أرغم مجلس الأمن إسرائيل على وقف الأعمال التي باشرتها في الضفة الغربية من نهر الأردن في المنطقة المجردّة، وحتى يبت المجلس في الشكوى التي قدّمتها سورية بهذا الخصوص، وقد عهد المجلس إلى رئيس أركان هيئة مراقبة الهدنة بالسهر على تنفيذ هذا التعهد».
وقد كانت هذه الاصطدامات مقدمة للتفكير بإنشاء (الحرس الوطني) من سكان المنطقة، ويقول اللواء أمين أبو عساف في ذلك: «بعد أن تكررت حوادث العدوان الصهيوني على المنطقة المجردة، واتضحت خطتهم (أي خطة اليهود) القاضية بالاستيلاء على هذه المناطق والتمركز بها عسكرياً، وبعد طرد سكانها العرب، قررت رئاسة الأركان العامة الدفاع عن هذه الأراضي بشتى الطرق والأساليب للمحافظة عليها دون اللجوء إلى اصطدام يشترك فيه الجيش بشكل صريح. لذلك وسعياً وراء تنفيذ هذه الخطة لجأت قيادة القطاع بموافقة السلطات المسؤولة ومؤازرتها على تسليح السكان العرب في المناطق المجردة بأسلحة فردية وأوتوماتيكية تختلف نوعاً ما عن الأسلحة المستخدمة في الجيش».
واستمرت المناوشات بين الجانبين السوري والإسرائيلي بقية عام 1953، وطيلة عام 1954. «وكانت في أغلب الأحيان إذا لم نقل دائماً، في صالح الجيش السوري، فقد استطاع هذا الجيش دائماً تعطيل العمل في تحويل مجرى نهر الأردن، وأن يفرض سيطرته على المنطقة المجردة، وخاصة منطقة الحمّة التي فشلت عدة محاولات إسرائيلية للسيطرة عليها. وكانت فصيلة كاملة من رجال الجيش السوري، بإمرة ضابط تابع لرئاسة الأركان مباشرة، تقيم بصفة مدنيين مع السكان الأصليين، في هذا الموقع لمنع إسرائيل من احتلاله كما فعلت في بقية أجزاء المنطقة المجرّدة».
معركة بحيرة طبريا (11/12/1955)
ويضيف أرشيف وزارة الدفاع السورية أنه في عام 1955 عدلت إسرائيل عن سياسية الاصطدام الجبهوي إلى سياسة الكمائن والإغارات الليلية، حيث نصبت كميناً في تشرين الأول 1955، على طريق مخفر الجمرك – علمين، ذهب ضحيته الملازم أول أشرف حمدي وعدة شهداء.
وفي يوم 11 كانون الأول 1955 اقترب زورق يهودي مسلح، أثناء ساعات النهار، من الشاطئ الشرقي لبحيرة طبريا، فأطلقت عليه مخافر المراقبة السورية النار، فأصيب بعض بحارته وتراجع إلى قاعدته. و “اعتبر الحادث منتهياً عند هذا الحد، فقد اعتاد اليهود أن يغامروا في الاقتراب من الشاطئ، واعتادوا أن يتلقوا تحية المراكز السورية فينطووا على أنفسهم ويعودوا من حيث أتوا”.
ولكن الوضع كان يختلف في ذلك اليوم، لأن الإسرائيليين كانوا يفتشون عن عذر يبررون فيه اعتداءاتهم على المخافر السورية في الحاصل والمسعودية والدوكا والكرسي ونقيب، ولذا تعمدوا التحرّش بهذه المخافر نهاراً لكي ينتقموا من أهلها وحَرَسها ليلاً!
وكانت مهمة المخافر السورية القائمة على الشاطئ الشرقي لبحيرة طبرية المراقبة وإبلاغ المخافر العليا في تل ناقص 69، وتل النيرَب، موقع سكوفيا عن تحركات الصهاينة، وفي حال وقوع اعتداء صهيوني على نطاق واسع كان على هذه المخافر مشاغلة القوات المعادية ريثما تتدخل قوات المخافر الرئيسية (العليا). ومعنى هذا أن مهمة هذه القوات كانت مهمة مراقبة وإعاقة أكثر من أن تكون مهمة تصدٍّ وقتال.
بدأ الهجوم على هذه المخافر عبر المحورين: المحور الأول على شكل إنزال بزوارق من البحيرة، والمحور الثاني بقوة برية انطلقت من مستعمرة عين جيف، وهذه القوة بحجم كتيبة من لواء «جولاني»، معززة بسرية من قوات المغاوير المدربّة على القتال الليلي، وعدد من الأدلاء المدنيين الذين يعرفون المنطقة. وكان أول عمل قامت به القوة المهاجمة هو قطع أسلاك الهاتف التي تصل المخافر الأمامية بالمخافر العليا.
وأما المدافعون فكانوا لا يزيدون على سرية واحدة من المشاة هي السرية الثانية من الفوج الخامس بإمرة الملازم الأول سعيد قزيز، الذي كان مقره في تل ناقص69، ويعاونه ضابط مجند هو الملازم بشير صفدي.
وكان هناك سرية أخرى من الفوج نفسه، مقرها في سكوفيا بإمرة الملازم أول ممدوح قرة شوللي. وإذا استثنينا مركز القيادة التعبوية للفوج، ومركز قيادة السرية الأولى (في سكوفيا) ومركز قيادة السرية الثانية (في تل ناقص 69)، فإن كل مخفر من المخافر السورية الأمامية الموجودة في منطقة البطيحة (الحاصل، المسعودية، الدوكا، الكرسي، نقيب) لم يكن يحوي أكثر من جماعة مشاة ورشاش وأربعة أو خمسة من المدنيين بإمرة رقيب أو مساعد.
لهذا لم تستغرق المعركة أكثر من أربع ساعات وانتهت إلى استشهاد أغلب العناصر الذين كانوا في المخافر الأمامية، وحوالي ثلث من كانوا في مركز قيادة السرية (تل ناقص 69) بمن فيهم ضابطان مجندان وقائد الموقع الملازم الأول (الشهيد) سعيد قزيز. وفي صبيحة المعركة صرح ناطق عسكري سوري بالبيان التالي: «في الساعة 22,30 من تاريخ11/12/1955» قام الصهاينة بهجوم مركّز واسع النطاق على طول الشاطئ الشرقي السوري لبحيرة طبريا، تتألف عناصره من قطعات مغاوير تقدر بفوجين من مصب نهر الشريعة في البحيرة، ومن مستعمرة عين جيف، تدعمها كوكبة مصفحات وتساند المجموعة نيران مدفعية الميدان والزوارق الحربية، استطاعت هذه القوة بعد قتال عنيف دام أربع ساعات الاستيلاء على المخافر الأربعة المتمركزة على الشاطئ للمراقبة والإنذار.
وبعد أن استشهد معظم العسكريين أمام تلك القوة الكبيرة، حاول الإسرائيليون بعد استيلائهم على مخافر المراقبة الهجوم على المرتفعات ومراكز المقاومة المحيطة بالشاطئ، فركزوا نيرانهم واندفعوا بكامل قوتهم تدعمهم المصفحات للاستيلاء على أحد مراكز المقاومة الرئيسية فدار قتال عنيف استمر ساعتين، ثم انسحب الصهاينة إثر فشلهم من المخافر السورية كلها، بعد أن تكبدوا خسائر فادحة. لقد ضربت مخافر مراقبتنا بحاميتها الضئيلة أروع مثل في البطولة والتضحية، وكانت خسائرنا خمسة وعشرين شهيداً منهم ثلاثة ضباط، وثمانية وعشرين مفقوداً. لقد قامت عشر سيارات إسعاف إسرائيلية منذ الساعة الثانية عشرة حتى الرابعة صباحاً بنقل الجرحى والقتلى الصهاينة من منطقة القتال إلى مستعمرة عين جيف الإسرائيلي».
ولقد قامت القيادة العسكرية السورية بعد المعركة بسحب السرية الثانية من الفوج الخامس، التي تلقت الصدمة، فجمعتها في مركز قيادة الفوج في بلدة (فيق)، واسندت قيادتها إلى ضابط كفؤ استكمل نواقصها (النقيب إحسان هندي)، وتابع تدريبها لمدة شهرين انتشرت بعدهما في موقع (كفر حارب)، حيث ثأرت لقتلاها حين نجحت في صدّ وحدة إسرائيلية كانت تحاول التقدم في وادي (قلعة الحصن) باتجاه مركز القيادة في بلدة فيق خلال الشهر الرابع من عام 1956. ولم يكن مكان هذه المعركة يبعد بأكثر من بضعة كيلو مترات عن المكان الذي دارت فيه قبل بضعة أشهر معركة طبريا.
أدان مجلس الأمن في 19 كانون الثاني 1956 بصراحة تامة العدوان الذي شنته إسرائيل في 11 كانون الأول 1955 على المراكز السورية قرب بحيرة طبريا، وقد اعتبر عملها هذا خرقاً فاضحاً لنصوص الهدنة، ومتناقضاً تناقضاً تاماً مع التزامات إسرائيل بموجب نصوص هيئة الأمم المتحدة. ونثبت فيما يلي: نص هذا القرار لأهميته (بعد اختصار الحيثيات):
«إن مجلس الأمن:
أ ـ يعتبر أن ما تضعه سورية من عراقيل في وجه صيادي الأسماك اليهود في بحيرة طبريا لا يبرر العدوان اليهودي.
ب ـ يذكّر المجلس أنه سبق أن شجب الأعمال الإسرائيلية التي قامت بها خارقة بذلك نصوص اتفاقيات الهدنة، وأنه سبق له أن طلب من إسرائيل اتخاذ التدابير اللازمة بمنع تكرار وقوع مثل هذا الحادث.
ج ـ يشجب المجلس العدوان الذي قام به اليهود في الحادي عشر من كانون الأول 1955، ويعتبره خرقاً فاضحاً لنصوص اتفاقية الهدنة والتزامات إسرائيل بموجب ميثاق الأمم المتحدة.
د ـ يعبر المجلس عن قلقه الشديد من جراء خرق إسرائيل لالتزاماتها.
هـ ـ يدعو المجلس إسرائيل لكي تتمسك بهذه الالتزامات وإلا فإن المجلس سيضطر لاتخاذ تدابير أخرى في المستقبل وفق ميثاق الأمم المتحدة لتوطيد وإعادة السلم في المنطقة.
و ـ يدعو المجلس الجانبين إلى احترام التزاماتهما بموجب المادة الخامسة من اتفاقيات الهدنة على الحدود والمنطقة المجردة من السلاح.
ز ـ يدعو المجلس الجانبين إلى التعاون مع كبير المراقبين الدوليين لتبادل الأسرى في أسرع وقت ممكن».
وفي أيلول 1957 «وقع اشتباك بين أهالي قرية التوفيق وجماعة إسرائيلية مسلحة، ونجم عن ذلك قَتْل وجرح عدد من الإسرائيليين، وكانت نتيجة ذلك منع الإسرائيليين من حفر قناة عبر أراضي القرية».
2. جسر بنات يعقوب حيث سقط خالي شهيداً
يقع جسر بنات يعقوب على نهر الاردن.. على بعد قرابة كيلو متر من جنوب بحيرة الحولة، التي تم تجفيفها. وقد حمل هذا المكان إسماً قديماً هو مخاضة يعقوب. نسبة الى نبي الله يعقوب (بنو إسرائيل) عليه السلام. والذي عبر نهر الأردن من هذه المخاضة هو وبناته عند عبورهم لفلسطين، وأيضاً وهو في طريقه لزيارة خاله (لابان) شمال سورية.
– ومكان الجسر اختاره الناصر صلاح الدين الايوبي محرر القدس، لربط طرق القوافل القادمة من فلسطين إلى دمشق.
– وقام بتجديده الملك الظاهر بيبرس، ويرجح البعض أن الجسر وخان مجاور له من الجهة الشرقية، قد أعيد بناءهما منتصف القرن الخامس عشر الميلادي، أو جرى ترميمهما من جديد. ثم جُدّد بناء الجسر أواخر القرن السادس عشر بسبب ضيق مجرى نهر الأردن في هذه المنطقة، لدخوله منطقة جبلية. وتم بنائه كل مرة توافقاً مع حركة المياه وارتفاع منسوبها لنهر الأردن. وقد كان الجسر حتى عام 1948م، الوصلة الوحيدة بين الجولان والجليل الأعلى.
– قام الرحالة الألماني الدكتور أولريخ كاسبر سيتزين، الذي زار الجولان في شهر كانون الثاني 1805م بادئاً رحلته إلى جبل الشيخ ومنابع الاردن، وسائر مناطق الجولان. منتحلاً شخصية طبيب يدعى (موسى الحكيم) فكان أول أوروبي يزور الجولان منذ الحروب الصليبية. وقام بزيارة الأقاليم الواقعة شرقي بحيرة طبريا ووادي الأردن … وكتب واصفاً جسر بنات يعقوب:
الجسر بحالة جيدة جداً. وهو عريض وله ثلاثة أقواس. ويقدر عرض النهر ب35 خطوة. مع أن الجسر أكبر منه بنصف هذه المسافة يعني 50 خطوة. وفي النهاية الغربية للجسر طاحونة ماء، وخان للمسافرين يقع في الجهة المقابلة على الضفة العليا.. على بعد 100 خطوة من الجسر.
– والخان مشيد بأكمله من الحجارة البازلتية إلا الواجهة. ولكنه من الداخل يكاد يكون مهدماً، والتهديم قد حصل من قبل الكتيبة الفرنسية التي أرسلها نابليون لمطاردة كتيبة عثمانية عام 1799م بعد غزوه لمصر.
– وفي ذلك الخان التقى الرحالة سيتزن بعدد من جنود متسلم صفدي، الذي أستأجر الجسر من باشا دمشق لتقاضي أجرة المرور عليه، ويؤكد سيتزن أن هذا الجسر والخان بني في عصور قديمة.
– وبعد نكبة فلسطين وحرب 1948-1949 أي الحرب العربية الإسرائيلية الأولى، استخدم الجسر لتبادل الأسرى بين السوريين واليهود بعد معركة تل الفخار وتل العزيزيات بإشراف وترتيب الصليب الأحمر الدولي. وخلال هزيمة حزيران عام ١٩٦٧ م استشهد على بعد أمتار من الجسر، خالي الشهيد ظاهر أحمد الزامل من بلدة الرفيد النعيمية. وكان يصد طيران العدو بمدفع رشاش 14,5 وبقي جثمانه مسجى هناك دفاعاً عن أرضه الجولان وعلى أمل تحرير فلسطين الغالية.