(تنويه المقال يحتوي معلومات تفصيلية عن الفيلم فننصحك بمشاهدة الفيلم قبل متابعة قرأته)
يعتبر فيلم الجوكر حتى اللحظة هو الفيلم الأكثر إثارة للجدل في هذا العام 2019 فقد حاز جوائز عديدة أهمها جائزة مهرجان فينيسا السينمائي، فما إن عرض في المهرجان ونشر على شبكة الانترنت حتى اجتاحت الجماهير موجة من جنون المديح للفيلم لم تترك لأصحاب الرأي المختلف مكاناً يسمح لهم التعبير عن رأيهم.
ثمة أحجية ساخرة تقول: “سأروي لكم حكاية الفيل الأزرق لكن بشرط الآ تفكر بالفيل الأزرق؟ أو تحاول تصوره”! أليس هذا ضرب من الجنون؟
بالضبط هذا ما سيحدث مع أي متابع لفيلم الجوكر! فعندما تقرر مشاهد فيلم الجوكر للممثل (واكين فينكس) دون التفكير بما قدمه (هيث ليدجر) في ثلاثية (بات مان للمخرج كريستفر نولن)، العقل لبشري قائم في أساسه على القياس، لا يمكن أن يقيم الأشياء دون مقياس، فلا تستطيع تقييم فنان ورسام دون استحضار (ليناردو دافينشي ولوحته الشهيرة الموناليزا) وكذلك لا تستطيع أن تتكلم عن الإخراج السينمائي دون تذكر (مارتن سكورسيزي وتحفته سائق التكسي) أو نتكلم عن الجوكر (لواكين فينكس) دون الحديث عن (هيث ليدجر) …
ببساطة
لكن السؤال هنا هل حقاً يستحق كل هذا المديح! ام إنها مجرد حمى معدية كالتي انتشرت بين العامة عقب صدور فيلم Birdman؟ فيما يلي جملة من الأسباب التي قد لا تؤيد ذلك الاتجاه:
1- المشاهد الذي لا يتابع أفلام (واكين فينكيس) سيذهل بأدائه بفيلم الجوكر والطريقة التي أدى فيها الشخصية، لكن أي مشاهد تابع أعماله سيعرف أنه أدى عمله بالضبط وفق أسلوبه في تقديم الشخصيات التي يعمل عليها في باقي أفلامه، إنه يتقنها بكل احترافية، لذلك كان هنالك موجة مبالغة بأداء واكين وأغلب من دهشوا بأدائه في هذا الفيلم هم أولئك الذين لم يتابعوا أفلامه السابقة، لقد أدى عمله كالمعتاد وكان جيداً جداً، وهذا بالضبط الذي اعتدنا عليه من واكين وليس أقل من ذلك ولمن يحب التأكد يستطيع متابعة فيلمه ( You Were Never Really Here و فيلم Her ) ليرى.
2- عند مشاهدة أي فيلم، أي منا لا بد أن يبقى في ذهنه أشياء ومشاهد أو ردة فعل معينة من مقاطع في الفيلم لا يمكن ان ينساها في حال كان الفيلم عظيماً مثل مشاهد (هيث ليدجر) في غرفة التحقيق مع باتمان أو مشهد حرق الأموال، ولكن بعد الانتهاء من مشاهدة هذا الفيلم، لا توجد أي مشاهد مميزة يمكن أن تبقى في رأس المشاهد بشكل مميز عدا مشهد واحد وهو مشهد النهاية حين يقتل الجوكر مقدم البرنامج (روبريت دينيرو)
3- هنالك قاعدة في الحياة تقول: تعرف الأشياء بأضدادها، فلا يمكنك تمييز الخير لولا وجود الشر! وهذا بالضبط ما ينقص الفيلم! لم أستطع أن أعرف تقدير حجم الشر الموجود داخله لعدم وجود شخصية خيرة أو جيدة في الفيلم أو شخصية مضادة تكون هي صاحبة الطرف الأخر! لتكون مقياساً لكمية الشر هنا! فقد اعتدنا أفعال القتل والاجرام في الأفلام (وفي الحياة أيضاً مع الأسف) لهذا كان ينقص الفيلم مقياساً يساعد على طرح خطابه بشكل أفضل، فعلى سبيل المثال الجوكر في ثلاثية نولن (قال لباتمان) “بأنني لن اقتلك لأنك تكملني ولا أستطيع ان أعيش بدونك” فهو المقياس لشره.
4- قراء ودارسو كتابة السيناريو وخصوصاً الأفلام التي تتمحور حول شخصية واحدة يعرفون أن سيناريو هذا الفيلم لا يميزه شيء فعلياً، فهو مكتوب بطريقة هوليودية كلاسيكية جداً! ولم يقدم شيئاً جديداً! وحتى في أسلوب رواية الأحداث لم يكن هنالك طريقة جديدة من ناحية ترتيب الأزمنة او التواريخ او طريقة رواية القصة كانت كالتالي بكل بساطة..
أ- نمط حياة للشخصية (حياة اعتيادية)
ب- حدوث موقف يؤثر في الشخصية (حادث الضرب وسرقة اليافطة)
ج- مرحلة البحث عن شيء (اثبات شخصيته يريد ان يكون كوميدي)
ح- مرحلة ظهور العقبات الجديدة (طرده من العمل)
ج- مرحلة ايجاده الحل (قتل الموظفين في المترو)
د- مرحلة اكتشافه لنفسه (كونه متبنى)
ه- مرحلة خسارة كل شيء (قتله لأمه)
ي- مرحلة الانقلاب الأخير وانقلابه على كل شيء..
هذه هي الصيغة نفسها التي تكتب فيها أغلبية أفلام هوليود وتعتبر الطريقة الكلاسيكية ولا شيء جديد عليها!
5- ضعف في الإخراج (المخرج كشف عن أوهام أرثر-واكين فينكس) بشكل سريع جداً، فالأحلام أو الأوهام التي كان يتخيلها في ذهنه كونه أصبح لديه صديقة والتي هي جارته بدت وكأنها حشو! ولم تعط النتيجة المرجوة والمطلوبة منها! بينما كان يمكن استثمارها بشكل كبير جداً في نهاية الفيلم (على سبيل المثال نهاية فيلم (Fight Club فهذه الأداة (الأوهام) تعتبر من اهم الأدوات التي يتم استعمالها في كتابة النص ولكن للأسف ظهرت مجانية وغير مفيدة هنا.
6- كان للفيلم هدف واحد وهو التعاطف مع شخصية (أرثر -الجوكر) وهذا الشيء جاء واضحاً ومكشوفاً بطريقة فجة! كان من الممكن أن يتم خلق مواقف او مشاهد او أحداث يمكن أن تقف فيها الشخصية على خط الوسط ما بين كونها شخصية سيئة من الأساس أو أنها شخصية جيدة، ولكن المجتمع فعل بها ما فعل. ولكن الفيلم فرض علينا وجهة نظره في أن المجتمع هو من حول أرثر الى هذا الوحش، بينما كان من المفترض أن يبقى هذا السؤال مفتوحاً للمشاهدين.
7- وبالعودة لهيث ليدجر، فإن العبثية الهائلة التي أوجدها في شخصية الجوكر وكمية الشر التي أطلقها لا يمكن وصفها أو تبريرها بأي شكل (مثل مشهد قتل بقلم الرصاص فقط للعبث)! لقد فرض الفيلم علينا الظل القاتم لانتقام أرثر من المجتمع، وهذا بطبيعة الحال ضيّق حدود الشخصية ولجم كثيراً من أبعادها السوداوية (فهيث ليدجر) قدم شراً مطلقاً دون حدود، بينما (واكين فينكس) قدم مواصفات الإنسان المظلوم فحيثما وقع الظلم عليه ظهر الشر من داخله.
8- لم يكن للفيلم موسيقى مميزة، أي لم تكن هنالك نوتة موسيقية واحدة يمكنك حين تسمعها أن تميز الفيلم عن غيره.
9- السينماتوغرافي في الفيلم كانت أقل من المتوقع رغم وجود بعض الكادرات الجميلة ورغم عملية التلوين الإ أنه لم يكن بالمستوى المطلوب.
في النهاية يمكننا القول أن هذا الفيلم هو فيلم أداء واكين فينكس، يثبت وجوده من خلاله ليدخل مضمار الأوسكار بجدارة، أما ما تبقى من الفيلم فهو اعتيادي في السياق الهوليوودي، فكم مرة شاهد الجمهور قصة الطفل الذي يعيش مع أمه ولديه أمراض نفسية، ويتم طرده من العمل ونبذه من المجتمع ليسحبنا إلى محاولته الانتقام! أليست هذه من كليشيهات هوليوود المستهلكة!