ريبر يوسف
شاعر وكاتب ومخرج سوري
أوراق 11
أوراق المقالات
كان في مقدور “مخرجي الأفلام الوثائقية” إبان الثورة السورية، صناعة مجموعة لامتناهية من الأفلام الوثائقية قبل الثورة السورية؛ أي، تماما، تلك الفترة التي تجسّد أربعة عقود من حكم نظام الأسد وحزب البعث لسورية، لا سيّما أنّه كان في مقدورهم اللجوء إلى دولة أوروبية كما فعلوا خلال الثورة – فارين بمجموعة مقاطع فيديو أو مقاطع أخرى اشتروها من مصورين محاصرين في مناطق منكوبة. كافة الأفلام تلك لم تحتج إلى ميزانية تذكر للإنتاج، بل يمكن وصفها ضمن إطار “السينما الفقيرة”. بكل تأكيد، كان في مقدور هؤلاء المخرجين صناعة أفلام تناهض الدولة السورية عبر وسيلتين؛ الأولى، وهي نموذج المخرج السوري الراحل عمر أميرالاي، والذي كان متّبعا لدى مخرجين إيرانيين صنعوا أفلاما تهزّ أركان النظام الحاكم في إيران، عبر اعتمادهم مفهوم ما بعد الحداثة في قراءة الصورة داخل بلدانهم، والتحايل على الرقابات اللامتناهية، التي كانت ولما تزل مفروضة عليهم من قبل النظام الإيراني؛ والثانية، هي تصوير كلّ ما يريح ضمائرهم والهروب به، وصناعة فيلم عبر تلك المقاطع. كنّا لحظتها سنشهد سينما مغايرة، بل كان ممكنا أن يقوم النظام بتغيير وإنهاء نفسه داخليا أو حتى عبر معادلات خارجية.
إذاً، طرحت معظم الأفلام الوثائقية إبان الثورة السورية نظرة شمولية واحدة، وهي تماما النظرة التي طرحها النظام السوريّ، والمفضية إلى صياغة معقّدة، تؤدي إلى إنكار الثورة وأسلمتها، في المقابل، توالدت شركات عالمية أنتجت سينما توثيق الثورة السورية، على النحو المشابه لنظرة النظام السوري عموما وأميركا وروسيا على وجه الخصوص. بكل الأحوال، أغلب الأفلام الوثائقية السورية طرحت قضية أسلمة الثورة وعبر خصائص مبطنة غير مباشرة، أي: أغلب تلك الأفلام كانت تقصّ وقائع عن الثورة، بعد مجموعة متغيرات طرأت عليها وغيّرت من ماهيتها الأم، لا سيّما أنّها – تلك الأفلام، كانت تطرح فكرة الإسلامي في الزمن الحالي، الإسلامي الحالي دون التطرّق إلى الجوهر الذي أدى إلى تغيير مساره، والظروف التي جعلت منه ما هو عليه الآن.
بكل الأحوال، فإنّ شركات إنتاج عالمية راقت لها المعادلة تلك، بل إنّها صنعت من أناس مراسلين حربيين تسللوا إلى أماكن سيطرة القوى الإسلامية بغرض توثيق حيواتهم تحت مفهوم “أفلام الثورة السورية”، بالمقابل كانت غاياتها بلورة خطاب النظام المفضي إلى أن لا ثورة في سورية، إنما ما يحصل هو فقط مؤامرة وأسلمة وغيرها.
كان ممكنا تصوير مجموعة لامتناهية حسب المدرسة السينمائية التي (بناها) الراحل عمر أميرالاي، السينما التي تدين الفاعل وليس المفعول به، تراهم، هؤلاء المخرجون يخاطبون الآخر من منظور العدالة المفضية إلى إيثار الضعيف على القوي، إلا أنّهم ومن خلال الأفلام التي صنعوها يبدو أنهم مؤمنون بخطاب أدونيس، المفضي إلى إدانة المفعول به وتمجيد الفاعل.
تروق مثل هذه السينما العالم، أقصد السينما التي تجسّد الفكر الإسلامي لقرية سورية محاصرة من قبل العالم، أو لمقاتل يتبنى الخطاب الديني في سيرته خلال الثورة، أو لكلّ حدث مفضي إلى حالة بلورة خطاب النظام السوريّ تجاه الثورة السورية. بكل تأكيد، ثمة تأكيد نفسي هنا، أنّه كان بإمكان “مخرجي الأفلام شبه الوثائقية السورية” صناعة سينما على النهج الذي يخاطب المرء الضعيف لا السلطة، حيث إنّه ما من
فارق بين مخرج سوري موال يصنع فيلما يطرح من خلاله فكرة أنّ الفرد هو الجاني والفاسد، ومخرج سوري معارض يصنع فيلما يظهر من خلاله أنّ الفرد المغلوب على أمره إرهابي.