هذا عنوان لمقال منشور حديثًا في صحيفة الوطن السورية في دمشق، إنما يمكن القول إن السؤال لا يبارح تفكير السوريين، ليس بعدما وصل الانهيار إلى حدّ مخيف شلّ الحياة بكل مفاصلها، بل قبْل العام 2011، عندما كان السوريون يعانون من تبعات الفساد “المبارك”، الذي يبدّد موارد الدولة المفترض أن تكون للشعب، ويتطاول على دخل الأفراد. كلنا يتذكّر تلك الفترة وما كان يلحق المواطن السوري فيها من الاعتداء على حقوقه واستباحة تعبه وجهوده، بالرشاوى والمحسوبيات واستغلال الحاجات وغيرها الكثير من أدوات الفساد. وزيادة على هذا القهر، كان هناك الترهيب والتهديد في حال تجرّأ أحدُهم ورفع صوته عاليًا مطالبًا بحقوقه ومدافعًا عن كرامته ووجوده الإنساني، فالقمع وكمّ الأفواه كانا دائمًا حاضريْن كسوط فوق رؤوس الناس، إلى أن صارت الصرخات تُخنق في الصدور، حتى انفجرت في لحظة ومضَ فيها الوعي بالذات الإنسانية، فانتفض الناس وصرخت الحناجر غاضبةً تطالب بالحرية.
بعد تراجع العمليات العسكرية الكبيرة في سورية، منذ العام 2018، وبعد المصالحات التي جرت بالتتالي، اعتبر النظام نفسه منتصرًا في معركته “الوجودية” أمام “المؤامرة الكونية”، وقضائه على “الإرهاب”، الذي نجم عنه، أي “الانتصار”، وطنٌ مقسّمٌ مدمّر، وشعبٌ موزّع بين مخيمات بؤس وظروف لجوء مهينة، وآخرون تبدّدوا في بقاع الأرض الواسعة البعيدة، ومن بقي في الداخل يعاني شظف العيش ومرارة البؤس في مناطق النظام ومناطق النفوذ الأخرى، فأي انتصار هذا؟ دأبت الحكومة السورية على إصدار القرارات والقوانين والمراسيم وغيرها الكثير، كلّها تصبّ في خانة واحدة وغالبة، جني الأموال ورفد خزينة الدولة، على حساب قوت المواطن وحاجاته الحياتية، فلم تترُك حيّزًا يخصّ المواطن إلّا وحاصرته بالقوانين التي تخوّلها السطو على دخله، مهما كان ضحلًا. ولم يعد الواقع في حاجة إلى تسليط الضوء عليه، فهو يضيء وحده بسبب النيران التي تلتهم كل شيء. ارتفعت فواتير الخدمات التي تقدّمها الدولة من ماء وكهرباء ومرافق وغيرها بشكلٍ يفوق التصوّر، في وقتٍ انعدمت هذه الخدمات، ازدادت رسوم البيوع، ارتفعت الضرائب حتى أن شركات صغيرة ومهنا أغلقت بالكامل. توسّعت رقعة الأنشطة التي تشملها الضرائب، ازدادت الرسوم التي تحصّلها الحكومة من بعض الخدمات التي هي من حقوق الأفراد، كرسوم جواز السفر على سبيل المثال. ازدادت رسوم جمركة الهواتف النقالة والأجهزة الذكية بنسبة مرتفعة جدًا، حتى أن أحدهم كتب على صفحته الفيسبوكية: أيهما أهون اليوم، أن تكسر ذراعك أم تكسر شاشة جوّالك؟ وفي جديد ما صدر، فرضت الحكومة على المحامي السوري رسمًا مقداره خمسمائة دولار عن كل سنة يمضيها خارج البلاد، وفي حال عاد إلى البلاد ورغب في تسوية وضعه، تنزل الضريبة إلى الثلاثمائة دولار. وهذا الرسم مفروض على الطبيب منذ سنوات طويلة، إلّا أن مهنة المحامي لم تكن من المهن المؤهّلة للخروج خارج البلاد، لصعوبات الحصول على تراخيص لمزاولتها في الدول الأخرى، بعكس الطب، كذلك هناك رسم الاغتراب الذي تطالب به المالية المقيمين خارج البلاد.
*ضفة ثالثة