لنتحدث يا صديقتي عن مسالك الريح، عن خطوات جسورة، ورسائل لم يحمِّها الحظ من الضياع، وعن الخوف من الضياع..
لنتحدث ياصديقتي عن إسراف النوايا، عن الأصابع حين تحب، عن نافذة تعبت في صمت، عن ضفتي نهر، عن ابتسامة تشاكس الغصة تركناها عند السياج .. وعن سياج ما زال يحلم .
عن شرود الطرقات الجانبية، وجسر يعبر بنا إلى مواسم الصيف، حيث الشمس والبراري والطائرات الورقية وحكمة الريح تذعن للمشيئة.
أبداً؛ لم أخبر أحداً حين
لم يكن لغرفتنا جدران، ولم نعرف أين ندق المسمار، كي نعود
وكما قلت لكِ ياصديقتي كان عذراً لنُفرط في الوداع، ولنبتكر من حزن البنفسج قصيدة حب جميلة لم تتسع لها حقائبنا، وأرغفة خبز ساخنة للجائعين بعدنا، ومرآة كسيحة.
كنا هناك، وكنت أنسج للبرد ذاكرة طيبة.
كنا نحن، نتساقط مثقلين بثمارنا. كما لو أننا هرمنا!
غداً البعيد جداً عن الوعود، سأتذكر قلباً نام على زنده
هكذا تنعس عيون الظباء، رويداً.. رويداً وعلى خجل.
تسربنا – يا صديقتي- من الأماكن، خلّفنا ظلالاً تقضم أظافرها، ورائحة أوجاع معطوبة، وصدى ضحكة ضاقت بغبارها..
مضينا دون تنبؤ، ودون اسم، وبما بقيّ من الهشاشة.
هكذا
ببساطة وجه انشطر اثنين، أو كوجهين انصهرا واحداً
كنا؛ يا الله كم كنا..
لست سيئة الظن لكننا تبددنا. أورثنا الفقد لأيامنا القادمة
طعّنا أيامنا..
آثارنا..
الهواء والبياض والعناق..
طعّنا سلالم تسلقناها ولم نصعد..
طعّنا الحمام الذي هدّل في آذاننا..
طعّنا المطر والوجيب والأنفاس..
طعّنا ما اجتمع في قلبينا، وبكينا.
هل نحكي عنه إذن!
لأخبركِ عن قلبه في مواسمه
عن صباحات لها فتنة البياض
عن أنفاسه يزفرها خفيفاً كي لا أصحو!
هل حدثتك عن عروقي في دمه، عن نشوتي حين أسقطُ في حضنه!
تعالي يا صديقتي نخمن دوار السقوط، أو نزف الأوردة، أو نجرب الاختناق شهقات وحشرجة، أو تعالي -كما المنتحرين- نطوح أقدامنا في الهواء، حين تخرخر الروح المذبوحة.
كنت أحبه، وكان جديراً بكل الوقت الذي مضى.
له وحده خلقت المفاتيح التي نعيدها لأصحابها.. والأسهم التي تدل على جهة الخروج.
افتحي كفي يا صديقتي.
انظري إليه أو .. دعيني أحدثك عنه!