سنا الشامي: التراث الإنساني العالمي يعزف على أوتار العود السوري ويتغنى بصناعته 

0

أدرجت منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم “يونسكو” عنصر صناعة العود والعزف عليه في سوريا على قائمة التراث الإنساني الثقافي اللامادي، وذلك بعد قرار موافقتها عليه خلال اجتماع الدورة الـ 17 للجنة الحكومية الدولية لحماية التراث الثقافي اللامادي الذي عقد في العاصمة المغربية الرباط بين 28 نوفمبر (تشرين الثاني) والثالث من ديسمبر (كانون الأول) 2022، وبذلك تكون سوريا قد استطاعت أن تضع بصمة جديدة لها من خلال إسهامها الثقافي في التراث العالمي الإنسان، فما تاريخ هذه الآلة؟ وما الذي يميز العود السوري عن غيره؟ وما خطوات صنعه؟

فن صناعة الأعواد

واعتبر فن صناعة الأعواد والعزف عليها العنصر الخامس الذي يدرج باسم سوريا بعد تسجيل عناصر القدود الحلبية والوردة الشامية، والصقارة والقنص وعنصر مسرح خيال الظل على لائحة التراث العالمي الإنساني. وعملت وزارة الثقافة السورية عبر مديرية التراث اللامادي وكوادرها المنتشرة في المحافظات السورية على رصد العنصر التراثي ومعاينته دورياً، ومتابعة التحديات التي تواجهها هذه الحرفة بمشاركة المجتمعات السورية الحاملة والممارسة هذا العنصر لصون هذا التراث.

وإلى جانت الوزارة، تحركت الأمانة السورية للتنمية (مؤسسة غير حكومية وغير ربحية) وتعاونت مع السوريين الممارسين لصناعة الأعواد، إضافة إلى العازفين والملحنين منذ عام 2018، على حصر هذا التراث من خلال مقابلات مع “شيوخ الكار” في دمشق وحلب، وأهم الحرفيين في مختلف المحافظات السورية كحماة والسويداء.

عود-1.png

قُدّم ترشيح صناعة العود والعزف لمنظمة “اليونسكو” بشكل مشترك مع إيران (اندبندنت عربية)

وقدم ترشيح صناعة العود والعزف إلى منظمة “اليونسكو” بشكل مشترك مع إيران، حيث عملتا بشكل ثنائي انطلاقاً من فكرة أن الثقافة تعد مفتاحاً للحوار بين الشعوب وبناء المجتمعات وهويتها، كما تضمن الملف رؤية خاصة بالشباب نظراً لدورهم في حماية أشكال التراث والترويج للتنوع الثقافي وضمان استدامة الممارسات التراثية.

مزايا العود السوري

وعن مزايا العود السوري، تحدث عازف العود الخبير بهذه الآلة منذ أكثر من 50 عاماً سمير الرقية لـ “اندبندنت عربية” وقال، “يتميز العود السوري بنوعية الخشب المستخدم وبدرجة إتقان صناعته، فالعوارض التي توضع على صدر العود ما زالت خاصة بأبناء هذه الحرفة في دمشق، كما أن رنين الأوتار يختلف في العود السوري، إضافة إلى طريقة زخرفة العود التي تضفي عليه قيمة جمالية عالية مثل إدخال عنصر الموزاييك”.

وعن تاريخ هذه الآلة ولمن تعود في الأصل، نفى الرقية أن أحداً استطاع أن يصل إلى مصدرها الأول، وبرأيه أن كل مؤرخ يضع احتمالاً وتاريخاً معيناً، لكن هناك بعض الدلائل التاريخية التي تقول إن أقدم الأدلة الأثرية التاريخية لآلة العود تعود إلى ما قبل نحو 5000 عام، وقد اكتشف باحثون ومنقبون أقدم آثار تدل على آلة العود في بلاد ما بين النهرين (العراق القديم) والجزيرة السورية، من بينها نقوش حجرية تمثل نساء يعزفن على العود، وتعود إلى العصر الأكادي (2350- 2170 ق.م).

وكان العود الآلة المفضلة لدى الناس في العراق خلال عصر الدولة البابلية الأولى (1950 – 1530 ق.م، وفي مصر يعود أقدم دليل لاستخدام آلة العود إلى عهد المملكة الحديثة (نحو 1580 – 1090 ق.م) بعد أن دخلها من بلاد الشام عبر “الهكسوس”، وكذلك ظهر العود في إيران للمرة الأولى في القرن الخامس عشر قبل الميلاد نتيجة انتقاله من العراق.

تاريخ العود السوري

تعود أقدم الأعواد المصنوعة في سوريا إلى العائلة الدمشقية “النحات”، ويعد عام 1881 بداية الورشة مع الأخوين روفان وعبده، ثم ابنه إلياس في ما بعد، وبهجرة هذا الأخير إلى البرازيل انتهت صناعة هذه العائلة.

وتعود آخر الأعواد من صناعة إلياس عبده النحات (1902-1993)، آخر صناع العود من أبناء عائلة النحات الدمشقية العريقة، إلى عام 1984، وقد اشتهر كثيرون من أبناء هذه العائلة كصانعين مهرة، إلا أن أحداً لا يملك اليوم العودة بشجرة عائلة النحات إلى ما قبل عبده جرجي نحات، وقد تأسس متحف عبده جرجي نحات وأولاده للنجارة في دمشق عام 1880، وهاجر بعدها إلى البرازيل واستقر في مدينة ساو باولو.

وفي غياب الطلب على الأعواد في البرازيل، لم يصنع الأب أعواداً هناك حتى وفاته، كما لم يعد إلياس إلى صناعة الأعواد في ساو باولو إلا عام 1969، بعد أن روى أنه رأى أباه في المنام يعبر عن أمنيته برؤية العائلة تواصل صناعة الأعواد، وقد تلقى العون من أحد إخوته في صناعة الأعواد، ويقول الباحث حسان عباس عن تاريخ العائلات الدمشقية التي صنعت هذه الآلة، إن الملصق في الأعواد البرازيلية التي صنعها إلياس يشير إلى أن “أشهر الأعواد في العالم من صنع أبناء المرحوم عبده النحات في ساو باولو البرازيل”، ويذكر أن للعائلة فرعاً آخر يبدأ مع حنا وولديه جرجي وتوفيق إضافة إلى أنطون، وهو فرد منفرد في العائلة، كذلك عملوا في صناعة الأعواد.

الأجزاء الكبيرة في آلة العود

لآلة العود مجموعة من الأجزاء التي تشكلها، وقد أطلق على كل جزء اسم معين، كما أن لكل جزء خصائص منفردة تميزه عن الآخر، وصنعت في سوريا بحسب الباحث عباس على هذا الشكل، “الطاسة” أو “القصعة” أو “الظهر”، وهي صندوق الطنين، وتصنع من الأخشاب القاسية والقابلة للف. وتتألف من مجموعة من الريش المغزلية بسماكة ثلاثة إلى أربعة ملم، ويتراوح عددها من 15 إلى 25 قطعة بعدد مفرد حصراً، وتجمع هذه القطع في ما بينها بعد حنيها على قالب بواسطة الحرارة لتشكل صندوقاً مغزلياً مقطعه قريب من انحناء القطع المكافئ.

وظيفة هذا الصندوق هي تضخيم الصوت المنبعث من الأوتار، وإعادة إرساله إلى القمرات المفتوحة في وجه العود، ويصنع الصندوق تقليدياً من خشب الجوز لقساوته وطول أليافه ما يسمح حرارياً بشكل جيد، وكان أفضل مصدر لخشب الجوز الذي يستعمل في الأعواد تقليدياً غوطة دمشق، ويمتاز بألوانه الفاتحة المنوعة وبجمال أليافه، إضافة إلى قساوته مقارنة مع وزنه النوعي، كما استعمل كل من خشب التوت أو السرو في الأعواد الأرخص ثمناً، كما استعملت أنواع عديدة من الأخشاب المستوردة في العقود الأخيرة في صناعة الصندوق منها القيقب والبوبينغا والأكاجو لإضافة قيم جمالية له ورفع أسعار البيع، ويتم التفنن أحياناً بإضافة خطوط من خشب الليمون الأصفر بين الريش لغايات جمالية.

و”الوجه”، وهو لوح الطنين أو طاولة الطنين، التي تصنع من أنواع الخشب الصنوبرية مثل الشوح أو الأرز، وأخيراً الأبيسيا، وتعتمد نوعية صوت الآلة المصنوعة بالدرجة الأولى على جودة الخشب المستعمل في هذا الجزء منها، ويعتمد ذلك على تجانس الألياف وكثرة عددها، إضافة إلى شروط تربية الشجر المستعمل وتوقيت قطعه وشروط معالجته قبل الاستعمال، فأفضل أخشاب الوجوه هي ما تم قطعه في الطرف الجنوبي من الغابة، ويتم القطع في ليلة غير مقمرة حيث يكون النسغ في أدنى حالات تدفقه، وذلك للحصول على درجات رطوبة منخفضة في الخشب، وبعد أن يقطع الخشب يحفظ لمدة ثلاث سنوات لتمر عليه فصول كاملة من الحرارة والبرودة بعد تغطيته وعزله عن الأمطار المباشرة.

ويستعمل الخشب في ما بعد لصناعة “الوجه” بعد شرحه بشكل متناظر بسماكة اثنين إلى ثلاثة ملم، ويتألف “الوجه” من أربعة أجزاء أو من جزأين متناظرين بتموضع الألياف الخشنة في المركز والناعمة في المحيط، ويدعم “وجه” العود من الخلف بمجموعة من الدعامات المسماة بـ “الكباري” أو “الجسور” أو “الجحاش” المثبتة عمودياً على “الوجه”، وهي ذات أبعاد وتموضع خاص يحتفظ كل صانع بسرها، ويعتبرها بصمته الشخصية في صناعة الآلة لما لهذا التموضع من تأثير كبير في نوعية صوت الآلة وجودته.

وتفتح في “وجه” العود عادة ثلاث فتحات، واحدة كبيرة (وتوجد أحياناً في الأعواد الصغيرة المخصصة للنساء والأطفال)، وفتحتان صغيرتان، وتسمى في سوريا بـ “القمرات” تغطى عادة بقطعة مخرمة من الخشب أو العظم أو العاج لغايات تزيينية، وتكون لها أشكال هندسية أو نباتية أو عربسات، ويعد “الوجه” في العود بمثابة الكتلة الرنانة التي تهزها الأوتار ليدخل الصوت إلى الصندوق عبر الهواء من طريقين، الفتحة الكبيرة في “الوجه” أو من طريق “الفرس” الذي يثبت الأوتار على “وجه” العود ليعود خارجاً إلى المستمعين من طريق “القمرات”.

الأجزاء الصغيرة لآلة العود

“الفرس”، وهو الجزء الذي تربط عليه الأوتار على “وجه” العود، ويسهم في نقل الصوت منها إلى “الوجه” ومنه إلى الصندوق لتضخيمه، ويصنع “الفرس” من خشب قاس وقد تعارف الأقدمون على ضرورة صناعته بحجم صغير لكيلا يؤثر في قدرة “الوجه” على الاهتزاز، مع العلم أن هناك حداً أدنى لمساحة اللصق مع “الوجه” ليتحمل شد الأوتار.

“الرقمة” أو “المضرب”، وهي قطعة رقيقة مزينة من قشر الخشب القاسي لحماية الوجه من ضربات الريشة التي يؤديها العازف، وكان من العرف قديماً صناعتها بأبعاد صغيرة، ويمكن أيضاً صناعة هذه القطعة من الباكيليت أو من ظهر السلاحف البحرية في الأعواد الثمينة.

“الزند”، وهو الجزء المخصص، حيث تضغط الأصابع على الأوتار للحصول على العلامات الموسيقية المختلفة من العود، ومبدأ “الزند” عند “القصعة” ونهايته في “البنجق” أو “صندوق الملاوي”، وهو الجزء الذي يحتوي على المفاتيح المخصصة لشد الأوتار أو إرخائها للحصول على “الدوزان” المناس، ويصنع “الزند” من الخشب القاسي (الجوز تقليدياً)، وهو الجزء المركزي لساق الشجرة أي قلب الساق، ويتميز هذا الجزء بصلابة الخشب وتجانس نسيجه لتحمل شد الأوتار المطبقة عليه، وعدم تأثره باحتكاك الأوتار والأصابع عند الضغط خلال العزف.

ويبلغ طول “الزند” الفعال في العود (الجزء المخصص للعزف) ثلث طول الوتر الحر المطلق.

“البنجق” أو صندوق المفاتيح، وهو الجزء الذي تركب عليه المفاتيح (الملاوي أو العصافير) وعددها من 10 إلى 12 مفتاحاً بعدد الأوتار. ويصنع هذا الجزء من خشب صلب كالجوز، وتركب عليه مفاتيح مخروطة من خشب أقل قساوة، وهو عادة خشب المشمش، وقد استعيض عنه في الفترة الأخيرة بالأبنوس أو الباليساندر لصناعة “الملاوي”، وتبدو هذه الاستعاضة غير موفقة لأنها تضعف استقرار المفاتيح في ثقوبها.

وتحتاج صناعة “البنجق” إلى دقة وتمكن، إذ يجب أن تكون المفاتيح مستقرة وحرة في آن واحد، وذلك لأهميتها في ضبط “دوزان” الأوتار، ولزوم كونها مرنة وحرة وثابتة ومستقرة، وهذه الدقة شرط من شروط الدقة اللازمة في الأعواد عالية المستوى، وهي من العناصر التي تحدد نوعية الآلة وثمنها.

“الأنف”، وهو قطعة صغيرة من الخشب أو العظم أو العاج، توضع لركوز الأوتار من طرف “البنجق” (صندوق المفاتيح)، وتلزم الدقة في صناعتها لتأمين مرونة انزلاق الأوتار عليها، ويجب معالجتها بالصابون أو فحم الغرافيت لتأمين الانزلاق والتقليل من احتكاك الأوتار بها.

الأوتار وهي خمسة مزدوجة قد يضاف إليها سادس مفرد غليظ، أو اثنان رفيعان، بحسب “الدوزان المطلوب”، وكانت الأوتار تصنع قديماً من أمعاء الحيوانات أو الحرير، وتلف الغليظة منها بسلك نحاسي رفيع، أما الآن فإنها تصنع من النايلون أو الكريستال المقوى.

*اندبندنت