عمّار ديّوب
كاتب سوري
مجلة أوراق العدد 12
الملف
كل ما حدث في سورية بعد 2011، هو من تأثيرات الثورة الشعبية في ذلك التاريخ. وكل التطورات التي حدثت، والأزمات التي دخلت فيها الثورة، والأسلمة والاحتلالات الخارجية وضعف النظام، أقول كلها لم تلغ تأثير تلك الثورة. ضعف قوى الثورة ورداءة المعارضة وكثرة احتلالات واستعادة مناطق واسعة من الفصائل، أقول كلها لا تساوى دحر الثورة واستعادة النظام لديكتاتوريته. تراجع قوى الثورة لا يعني تقدم قوى النظام، ولهذا يقال إن المسالة السورية أصبحت مسالة إقليمية ودولية. وأن تصير إقليمية ودولية، فهذا يعني أن النظام القائم لم يعد مقبولاً، وهناك ضرورة لنظامٍ جديد، وأما معالمه، فهي ستكون رهينة التسويات الإقليمية والدولية، والأخيرة لم تنضج تسويها بعد، وهذا يعني أن مأساة سورية ما تزال مفتوحة رغم اكتمال العام العاشر للثورة.
سؤال الثورة، وهل ما زال قائماً، وكذلك سؤال الخيبات والانكسارات.. نقول، كلما ساد الكلام عن سيطرة النظام نرى مشكلة جديدة تقف أمامه، وتوضح مقدار هشاشته وضعفه، فكيف لو دققنا بتلك الاحتلالات، وهذا وحده يوضح أزمته العميقة وإغلاق إمكانية تعويمه من جديد. الآن هناك نقاش جديد عن احتمال احتجاجات في المناطق التي اعتُبرت موالية وخاضعة، ولن تتغيّر ومهما تبدلت أحوال النظام، وأقصد مع ترسخ النفوذ الاقليمي للدول المتدخلة في سورية، وتردي العملة باضطراد، تجد أغلبية السوريين الواقعين تحت سيطرة النظام أن أوضاعها كارثية، وصارت تمرّر أيامها ولياليها في طوابير الخبز والوقود والبحث عن العمل والكهرباء المقطوعة وسواه، وبالتالي صرنا نقرأ عن اشكال جديدة من الرفض للنظام فكيف، سيما أن النظام يعمل من أجل ترشيح رئيسه ليحكم سورية لسبعٍ عجاف من جديد!
الثورة ليست فكرة كما قيل يوماً، بل كان الاحتجاج الرافض للفكرة أعلاه، يؤكد أن لا وصفة جاهزة للثورات، نستقيها من تاريخ هذه الدولة أو تلك، وبالتالي هي ليست مجرد حسابات للربح وللخسارة. ربما هي كذلك للانتهازين الذين التحقوا بها، والأن نرى كتل في المعارضة من تلك الكتل. الثورة بدأت من أجل تغييرٍ تاريخي كبير، يُنهي أوضاع سورية التاريخية، وأقلها من 1970، وبالتأكيد هي نتاج انهيارات جزئية للأوضاع الاقتصادية قبل 2011، حيث اعتمد النظام سياسات اقتصادية مناهضة للأغلبية الشعبية، ونقصد “سياسة السوق الاجتماعي” وهذا أدى لانهيار أوضاع الزراعة والصناعة، وهناك أسباب تتعلق بإغلاق النظام لكوّة الإصلاحات السياسية بعد عام 2000، وضمن ذلك، وبدءاً من عام 1970 تركزت الثروة في أيدي حيتان السلطة والمال، وهذا أفضى إلى ضرورة الثورة، وهو ما حدث في 2011، وهناك تأثير الثورات العربية، التي ظروف القائمين فيها تشبه الظروف السورية، وكذلك الاستبداد، إذاً كانت الثورة السورية من أجل التغيير نحو الأفضل وفي كافة مجالات الحياة، ودلالة ذلك، الشعار الدقيق في تلك الاثناء “الشعب السوري واحد” والذي كان من أجل حشد أغلبية السوريين في إطار الثورة ومن أجل طيّ مرحلة الثمانينيات، والانقسام الطائفي على إثره، وطي كل انقسام تعزز بعد ذلك التاريخ. الشعار هذا حاربه النظام، وحاربه الاخوان المسلمين وكل قوى طائفية بعد 2011، وكذلك الخارج.
قضية امتحان أفكارنا التي كنا نحملها في 2011، وعلى ضوء عشر سنوات من الثورة، هي قضية المثقفين بامتياز، وكذلك هي قضية السياسيين، والفاعلين بهذه المجالات. أولاً لم تكن إلّا قلّة تتوقع حدوث ثورة عام 2011، وحينما حدثت حاولت أطراف المعارضة التاريخية الاستيلاء عليها، ولكن أغلبية المثقفين كذلك لم يتوقعوا حدوثها. هناك دعوات في السنوات الأخيرة، ومن أجل نقاش الرؤى والتصورات التي حملتها الثورة والمعارضين للنظام، ولكنها حتى الان هامشية وضعيفة، وهناك رفض من قبل قيادات المعارضة لمسؤوليتها القيادية منذ 2011 وحتى الأن. هذه قضية دقيقة، ودون القيام بها، وبجديةٍ عالية، ستزدهر الأوهام والانكسارات والإحباطات، وهذا ما يجب القيام به، وليس الاستمرار في تجاهله، وكأن الثورة لم تتأزم وما زالت هي هي عام 2011، وهذا غير صحيح، وقد حاولنا تلمس بعض ملامحه “التأزم” بعد 2011 أعلاه.