ضاهر عيطة
كاتب وروائي سوري
مجلة أوراق العدد 12
الملف
ربما تكمن الإجابة عن سؤال الثورة، بعد مرور عشر سنوات على انطلاقتها، في هذا الكم الهائل من الخراب والدمار، الذي طال البنيان والعمران على امتداد الجغرافية السورية، يضاف إليه، مئات الآلاف من المعتقلين والمغيبين، والملايين من الضحايا والمهجرين والمشردين، مما يستدعي السؤال عن الغاية من كل ذلك، وسرعان ما تحضر الثورة كمستهدف رئيسي من هذه الوحشية، بوصفها حالة جمالية، بديلة عن البشاعة التي تعمل على إزاحة كل ما يناقضها، فالوحشية والبشاعة المجسدة في التنظيم الأسدي وأعوانه، لا تحتمل فكرة أن يكون للثورة حضوراً منافساً لها، يشكف النقاب عن مدى تأصل هذه الصفات فيها، ما يعني أن هذه الكم الهائل من الخراب والدمار والقتل والاعتقال والتعذيب والتهجير والتشريد، لم يكن هدفًا بحد ذاته، إنما جاء كوسيلة تهدف القضاء على ثورة، كان، ولم يزل يؤمل منها أن تحتفي بالجمال، وأن تبني وتحرر وتجمع، وتعيد الاعتبار لكرامة وكيان الإنسان السوري، وهذا تمامًا ما لا يريده التنظيم الأسدي، وعليها فكلما اضطر الإمعان أكثر في القتل والحصار والتجويع، كلما اتضح المؤشر على تجذر الثورة وفاعليتها في الوجدان السوري، ورغبتها في التطلع نحو المستقبل، لاسيما وأن الخراب والدمار والقتل بمعناه القيمي والأخلاقي، ينتمي إلى العطالة والجمود المضمر فعليًا في مصطلح الأبدية، الذي اجتهد التنظيم الأسدي على تكريسه، وعليه فمن غير المنطقي احالة هذا الخراب والدمار، وحال اليأس والعدمية التي وصلت إليها الحياة السورية، إلى الثورة، إنما مبعث ذلك يرجع إلى الكيفية التي عوملت فيها الثورة، كردة فعل عليها من قبل جميع الأطراف الساعية للعطالة والجمود، وتشمل هنا التنظيم الأسدي، وعصاباته من التكفيريين، وروسيا وإيران وحزب الله، والكثير من العروش والممالك العربية، إذ أن جميعها هذه الأطراف سعت، وكل حسب دوره ومصالحه، لخنق الثورة، وطالما وأن منجزات الخراب المنبثقة عن تلك الأطراف، التي أخلصت لمشروعها الهمجي، ما زالت آثارها مخيمة على حياة السوريين، تبقى الثورة حاضرة بوصفها المشروع الجمالي، والإنساني البديل عن هذه البشاعة والوحشية، ولعله من المفيد الابتعاد، ولو افتراضياً، عن مشاهد الدمار والخراب، وفتح نافذة تطل على مشهدية مغايرة، تشي بمشروعية وتطلعات الثورة، وتؤكد مرارًا وتكرارًا، ما تضمره في وجدان صناعها، من توق الانعتاق من الهمجية والوحشية، وأكثر ما يتجلى ذلك، لدى جيل الشاب، سواء كانوا في الداخل السوري، أم خارجه، فقد شكل هذه الجيل العصب الأساسي للحراك الثوري، ولم يزل يواصل عمليات الخلق والابتكار والإبداع، لاسيما وأنه بات يمتلك آليات تفكير جديدة، أهلته لأن يبدع في كافة الصعد، وبغتة، وفي غفلة عنا ظهرت مواهب شابة تحتفي بكل ما هو حيوي وجمالي، وهي بما تتمتع به من طاقات خلاقة، تعمل على نحو مدرك، أو غير مدرك، للإطاحة بكل ما تم التأسيس والاشتغال عليه على مدار عقود من حكم التنظيم الأسدي، وكما نلحظ الآن ثمة آلاف من الشباب والشابات، ينتجون ويبتكرون في الفكر والفن والعلم والأدب، شعرًا ورواية ومسرحًا وموسيقى وسينما، في حين لم يزل أعداء الثورة، متمسكين بوحشيتهم وبطشهم، رافضين الانفتاح على ممكنات بديلة، حرصاً منهم على البقاء في عتمة ما هو كائن وثابت وأبدي، على عكس أبناء الثورة، الذين اختاروا الانفتاح على كل ما هو مغاير عما ألفوه في سابق حياتهم التي حكمها التنظيم الأسدي. وانطلاقاً من هذه الرؤية المستقبلية، راحوا يجربون كافة الاحتمالات والممكنات في الحقول المعرفية والفكرية والفنية والأدبية والسياسية والعلمية، ولو أنهم لم يثوروا على السلطة القمعية، وبقوا في ذلك الثبات، لما أمكن لهم أن يكونوا على ما هم عليه الآن، من تحرر في الفكر والوعي، وشغف الشك بكل القيم والمقدسات التي روج لها التنظيم الأسدي طوال عقود، وهذا بحد ذاته حدث ثوري، ففي الشك يكمن السؤال حول طبيعة وشكل ومضمون المستقبل، وهو ما كان محرمًا الاقتراب منه، وللحؤول دون حدوث ذلك تم ارتكاب كل تلك المجازر والفظائع، ولكن رغم فداحتها ووحشيّتها لم تحقق المراد منها، وبقيت كردة همجية، تحركها البشاعة الكامنة في مفاصل التنظيم الأسدي، حين يقلق راحتها صخب الجمال والتطلع للمستقبل.