زياد طرقجي: من المسؤول؟

0

كولين بأول، وزير الخارجية الأمريكي أيام بوش الا بن، ما زال إلى اليوم يتحدث بمرارة شديدة عن ذلك الخطاب الذي ألقاه في الأمم المتحدة في يناير 2003 والذي حاول فيه إقناع المجتمع الدولي أن صدام حسين يمتلك أسلحة دمار شامل.

 يعترف بأول في كتاب نشره لاحقا (*) أن المعلومات التي استند إليها في خطابه كانت من أشنع الأخطاء الاستخباراتية بتاريخ أمريكا.  وهو يُقر أن ذلك الخطاب هو “وصمة عار” في تاريخه الشخصي السياسي..
وطبعا وقعت الحرب بعد أسابيع من الخطاب، واكتشف العالم كله أن العراق لم يكن لديه أسلحة دمار شامل!  يشرح بأول كيف تبين له لاحقا أن التقرير الذي أعدته لجنة استخباراتية متخصصة كان ضحلا بالأدلة وضعيف الإسناد، وكيف أنه تسلم التقرير فقط عشية  يوم إلقاء الخطاب.

          
لم يتنصل الوزير الأمريكي من المسؤولية بالقول مثلا إن مهمته كانت تنحصر بقراءة التقرير، وإن لا ذنب شخصيا له لأنه “عبد مأمور”، بل حمّل نفسه، ولو متأخرا، جزءا كبيرا من الخطأ الجسيم بقوله إنه كان عليه التمحيص بدقة أكبر، رغم ضيق الوقت، بشأن مصداقية المعلومات التي سيقدمها للعالم بأسره.  
  

الإقرار بالخطأ وتحمل مسؤوليته ثقافة يتم ترسيخها بالممارسة والالتزام. لكنه نهج لا يزال غريبا على ممارساتنا وأدبياتنا، فنحن لا نزال نبرع في اكتشاف أخطاء غيرنا وفي لوم الظروف والآخرين على مآسينا. 

وأحدث مثال عن ” التطنيش” والتهرب من المسؤولية كان الانفجار المروع الذي وقع في بيروت مؤخرا، فقد تمضي سنوات دون أن يتبرع أحد بالإقرار بمسؤوليته ولو جزئيا عما حدث!  وفي السودان، انهارت العملة مؤخرا، فتم وضع كل اللوم على كورونا والنظام السابق، لكن لا يذكر أحد بعضا من القرارات الاقتصادية الخاطئة التي اتخذها النظام الجديد السنة الماضية… ويبدو أن كل دولة لديها مستودع في قبو مظلم لحفظ الأخطاء والإخفاقات التي مرت دون مساءلة.

بعد هذه الحقبة الحالكة التي تمر بها شعوب المنطقة كافة، سيكون من حق الأجيال الجديدة أن تقرأ تاريخا حديثا يُسمي الأشياء بمُسمياتها دون تلميع أو تبهير، ودون كنس الأخطاء تحت السجادة. أما مقولة إن التاريخ يكتبه المنتصرون، فقد انتهت صلاحيتها، لأننا أصبحنا نرى التاريخ يُصنع أمام أعيننا الآن على شاشات التلفزيون. كما أن شعوبا عديدة أعادت قراءة تاريخها بعين فاحصة، ودون مواربة، من أجل تعلم الدروس وتفادي تكرار الأخطاء.


 *كتاب كولين باول بعنوان:

*”It worked for me”.

*خاص بالموقع

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here