من يعمل اليوم في مجال الكتب والمكتبات، يلاحظ اهتمام فئة كبيرة من القراء بكتب المجموعات القصصية، فالعديد منهم يفضلون القصة القصيرة على الرواية.
وفي المجموعة القصصية «المنزل ذو الطابق الأوسط» الصادرة حديثاً عن دار وتر، ترجمة وداد عبد العليم، جمعت المترجمة في هذا الكتاب مجموعة من القصص القصيرة لأهم كتّاب العالم مثل تولستوي، ماركيز، تشيخوف، فيرجينيا وولف، أرنست همنغواي، كيت شوبان، إدغار آلان بو، كاثرين مانسفيلد وناثانيال هورثون وغيرهم. والصفة المشتركة في هذه القصص أن أغلبها ينتمي إلى المدرسة الرمزية، وهي المدرسة التي ظهرت في فرنسا أواخر القرن التاسع عشر، مُتخذةً التعبير عن الانطباعات النفسية، بالإيعاز أو التلميح، بدلاً من الأسلوب التقريري المباشر.
تكتب المترجمة في مقدمة الكتاب .. «هذه المجموعة هي أشبه بتذكرة للدخول إلى عالم الأدب الحقيقي، الذي يعتبر النموذج الذي يقارن به في عالم الكتابة. فهو عالم تولستوي وفيرجينيا وولف وتشيخوف وغيرهم. فهم من امتهن الكتابة وأعطاها أكثر من حقها، ليصبحوا مجددين وراسخين على مرّ الزمان، هذه المجموعة درس للكتاب ومتعة لجميع القُراء».
منزل تشيخوف
تمت تسمية هذه المجموعة باسم قصة كتبها أفضل كُتاب القصص القصيرة على مرّ التاريخ، وهو الكاتب الروسي أنطوان تشيخوف وهي قصة «المنزل ذو الطابق الأوسط» التي تكشف عن الفرق بين مساعدة العبيد وإنقاذهم من المرض والجهل، ومنحهم الحرية ومعاملة العبد كإنسان له كل الحقوق التي منحها الأحرار لأنفسهم. (من الضروري تحرير الناس من العمل البدني الشاق، من الضروري إعفاؤهم من ذلك، وإعطاؤهم مساحة للتنفس، وإنقاذهم من قضاء حياتهم كلها في المطبخ، أو في العراء، أو في الحقول، يجب أن يكون لديهم الوقت للتفكير في أرواحهم، أو الله، وتنمية قدراتهم الروحية، يكمن خلاص كل إنسان في النشاط الروحي في بحثه المستمر عن الحقيقة ومعنى الحياة، امنحيهم بعض الراحة من العمل الشاق والحيواني، دعيهم يشعرون بالحرية، ثم سترين مدى سخافة كتيباتك وصيدلياتك بمجرد أن يدرك الإنسان رسالته في الحياة، عندها لا يمكن إلا أن يحب ويرضى بالدين والخدمة والفن، وليس مع تفاهات من هذا القبيل، وتحررهم من العمل).
ابن ديزريه
في قصة «ابن ديزريه» تطرح الكاتبة الأمريكية كيت شوبان، قضية (تمازج الأجناس) التي ظهرت في الولايات الأمريكية في القرن التاسع عشر خلال فترة ما قبل الحرب، حيث يحتقر أرماند زوجته ديزريه لأنها ولدت طفلاً ينتمي إلى العرق الملون، ولأن ديزريه مجهولة النسب يعتقد إنها هي من ورّثت ابنهم هذا العرق ليكتشف أخيراً بعد طردها من المنزل من خلال الرسالة المكتوبة من والدته إلى والده، أن أرماند هو الحامل للعرق الأسود وأن هذا السر قد تم إخفاؤه عنه.
هوس الكمال
ويتجلى بوضوح هوس الكمال البشري في قصة «الوحمة» للكاتب الأمريكي ناثانيال هورثون، وبطله (آيلمر) وهو عالم وفيلسوف لامع ومعترف به يسقط تركيزه من حياته المهنية وتجاربه، للزواج من الجميلة جورجينا (الزوجة المثالية جسديا باستثناء وحمة حمراء صغيرة على شكل يد على خدها) ويبدأ بتحضير جرعات لها في مختبره لتشربها وتنام على إثرها تساعد على إخفاء الوحمة، وفعلاً تختفي الوحمة لكن جورجينا تموت مع اختفائها.
أسئلة تولستوي
بينما هناك ثلاثة أسئلة أقلقت ملك تولستوي في قصته التي حملت العنوان نفسه (الأسئلة الثلاثة) وهي قصة قصيرة ورمزية تدور أحداثها حول ملك يبحث عن إجابات لثلاثة أسئلة يعتبرها أكثر الأسئلة أهميةً في الحياة، وبعد عجز الجميع عن الإجابة على أسئلته يجد ضالته بعد مغامرة يقضيها في بيت أحد النُساك في الجبال ليكتشف أن أهم شيء ينبغي على الإنسان معرفته ليشتغل به هو فعل الخير لمن هو معه كائناً من كان.
العقل الواشي
وتعجز العقول عن التصديق بسلامة عقل بطل قصة «العقل الواشي» للكاتب والناقد الأمريكي إدغار آلان بو، الذي يصف جريمة قتل ارتكبها وكان الضحية رجلا عجوزا له «عين نسر» ثاقبة، كما يصفها الراوي. وهي الجريمة الكاملة التي يستطيع الراوي فيها إخفاء كل آثارها بتقطيع الجثة وإخفائها تحت الأرضية لكن شعور القاتل بالذنب يتجلى على شكل هلوسة تكشف عن جريمته.
هذه لمحات عن بعض النصوص المختارة بعناية، والتي تمثل من خلال أصحابها مدى الأثر الذي تركه في التطور الأدبي والفكري والإنساني على مرّ العصور.
*القدس العربي