رفيق شامي: أبجدية رائعة مع بعض الثغرات

0

لو سألت عربيين عن عدد حروف الأبجدية العربية فإن من المؤكد أن
أحدهما سيجيب: “ثمانية وعشرون حرفاً بالطبع” ويجيب الثاني – حائراً
أمام السائل الغريب – هامساً ومخالفاً للأول: “لا، بل هي تسعة وعشرون
حرفاً، أنا متأكد يا سيدي”.
تضارب الجواب وعدم دقته يوقع السائل في حيرة، فالسؤال ليس حول
عدد رموز اللغة الصينية التي يحتاجها أديب صيني متمكن من هذه اللغة
والتي تتراوح بين 2000 و5000 رمز.
حتى في عام 2009 ستجد هذين العددين 28 و29 في أغلب كتب تعلم
اللغة العربية والخط العربي، وكذا في صفحات الإنترنت وفي ذاكرة كل
العرب.
أمثلة حديثة
وحديثة جدا على التمسك بما يسمى خطأ حرف لا.
ولكن من أين أتى هذا الاختلاف؟
تمتلك الأبجدية العربية ثمانية وعشرين حرفاً والحرف التاسع والعشرين
هو “لا”. هذا “الحرف” ليس حرفا بل كلمة (تدعى رسمياً أداة) تتألف من
حرفين هما: “اللام” و”الألف”، وتستعمل هذه الكلمة كأداة نفي أو نهي.

أحرف الألفباء أو الأبجدية العربية:

لوحة بالأحرف العربية كما سادت خطأ لقرون
الملاحظ بأن الحرف ما قبل الأخير ليس بحرف، فهو يتألف من الحرف
الأول في الأبجدية “ألف” (الحرف الأول من السطر الأول) والـ”لام”
(الحرف السادس من اليمين في السطر الثالث في اللوحة أعلاه).

ولكن كيف قبل ملايين العرب – بمن فيهم الأدباء والفلاسفة وعلماء اللغة
من الأحرار والمتمردين، من مصلحين ومتزمتين لغويين مثل هذا الخطأ
الفادح؟ كيف تعامى هؤلاء الذين يتناقشون أحياناً ويتشاجرون شهورا إن لم
نقل سنينا طوالا حول شكل من أشكال الشعر أو تصريف فعل من الأفعال
عن أبجدية تعلّمتها أجيال من تلاميذ العربية تتكرر فيها الأحرف؟ كيف
يمكن لكل هؤلاء الذين لا يرحمون شاعرا غرق في بحر شعره، ويستلون
سكاكين نقدهم الساخرة لينهالوا بها على خصمهم الذي تاه بين فاعل
ومفعول به وكأنه مجرم حرب، أو يسخرون من أحدهم لأنه ضل طريقه
في متاهات كان وأخواتها وإن وخالاتها. كيف كان لهم أن يتعاموا عن
حاجات أبجديتهم الملحة للإصلاح؟ كيف خفي عن ناظرهم أن أبجديتهم
المحبوبة تعاني من نقص؟ أو أن يصمتوا لهذا النقص أو الشائبة التي ألمت
بأحرفهم وهي حجر الأساس في كل فكرة من أفكارهم لأكثر من ألف سنة؟
الجواب على هذا السؤال له علاقة بتاريخ هذا الحرف وبالمجتمع
العربي نفسه، وقد روي الكثير من الأساطير حول حرف الـ “لا”. وأنا
أسميها أسطورة لأن إسنادها ضعيف، ولم ترد في أي من كتب الحديث
الموثوقة. من النوادر الأكثر شهرة والتي تُروى في هذا السياق، أن أبا ذر
الغفاري سأل النبي العربي:
“يا رسول الله كل نبي مرسل بم يُرسل؟ قال: بكتاب منزل، قلت: يا رسول
الله، أي كتاب أنزل على آدم؟ قال: أ ب ت ج .. إلى آخره قلت يا رسول
الله، كم حرف؟ قال تسعة وعشرون. قلت: يا رسول الله، عددت ثمانية
وعشرين. فغضب رسول الله حتى احمرّت عيناه ثم قال: يا أبا ذر، والذي
بعثني بالحق نبياً ما أنزل الله تعالى على آدم إلا تسعة وعشرين حرفاً.
قلت: يا رسول الله، فيها ألف ولام؟ فقال عليه السلام: لام ألف حرف واحد
أنزله على آدم في صحيفة واحدة ومعه سبعون ألف ملك، من خالف لام
ألف فقد كفر بما أنزل على آدم، ومن لم يعد لام ألف فهو بريء مني وأنا
بريء منه، ومن لا يؤمن بالحروف وهي تسعة وعشرون حرفاً لا يخرج
من النار أبداً” .
النص هذا يخالف أولاً كل المعلومات الوثيقة عن النبي العربي
بتسامحه الكبير في كل شؤون اللغة. أليس من الغريب أن يصدر عن النبي
الوعيد والتهديد بالنار الأبدية من أجل حرف مركب، وللمرة الوحيدة
وبمناسبة لا تستدعي هذا الغضب أو العنف؟

أليس من الغريب ثانياً أن يزعم أبو ذر الغفاري، وهو المؤمن
الثوري النقي والذكي أنه عدّ ثمانية وعشرين حرفاً ثم يقرّ أنها كانت تسعة
وعشرين؟
وثالثاً هناك خطأ كبير يهدم مصداقية هذه الرواية أن النبي العربي
قال: “أ ب ت ج” وهذا ترتيب للأحرف نظمه لأول مرة نصر بن عاصم
الليثي في عام 90 للهجرة!
أليس من الواضح الجلي أن من اخترع هذا الخبر المضحك هو من
نفس طينة من يدعي اليوم أن اللغة العربية ليست مقدسة فحسب لأن القرآن
كتب بها، بل هي مقدسة هكذا دون كل اللغات من أيام آدم وحتى القيامة.
مقدسة بإعجازها وعصمتها عن الخطأ لمصدرها الإلهي وهي لغة الجنة!
أي أن اللغة العربية لم يطورها ويخترعها الإنسان، بل نزلت كما هي من
السماء على عكس كل لغات العالم التي تعد أكثر من 6000 لغة. وسنعود
لتبيان الحقيقة في مصدر اللغة بعد قليل. لكن الأهم الآن النظر إلى ما نتج
عن هكذا تصور.
لنفرض أن الحديث صحيح، فهل كان أبو ذر الرجل الوحيد بين
صحابة وأتباع النبي العربي الذين علموا علم اليقين أن النبي، كإنسان
عظيم، يظل إنساناً كما قال النبي في أكثر من مناسبة حين غضب وشتم
من أغضبه ليعود بتواضع مذهل، لا يمكن إلا للعظماء أن يتحلوا به،
وليستغفر الله عما قاله ويؤكد أنه إنسان.
إذا كان ذلك صحيحاً فلماذا صمت آلاف الخبراء عبر القرون عن
خطأ كهذا؟ وعلموا أطفالهم أبجدية بخطأ واضح للعيان. وهي بالتالي
الأبجدية الوحيدة في العالم التي تحتوي على حروف مكررة. ما سبب
صمت آلاف العلماء والكثير ممن كان يجيد القراءة ويحب اللغة والكتابة
آلاف السنين؟
تحول بعض التفاسير العرب إلى شعب من الرهبان القديسين،
لطيف، مؤمن، حساس يخشى أن يدوس على ذبابة لكي لا يقطع رزق
أولادها، ويطيع الرسول في كل ما يقوله. الحقيقة التاريخية تقول غير ذلك.
الشعب العربي ليس أفضل ولا أسوأ من الشعوب الثانية. ولذلك لا أعتقد
أنهم لم يصلحوا اللغة حرصا منهم ألا يخالفوا نبيهم.
وكبرهان لغوي أدبي أسأل قرائي وقارئاتي: هل انتقد الرسول
العربي مهنة أكثر من صنعة الشعراء؟
ألم يخصّ القرآن الكريم الشعراء بسورة خاصة (السورة 26) تظهر
بما لا يدع مكانا للشك ازدراء إلهياً للشعراء: “(221) هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَن

تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ (222) تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (223) يُلْقُونَ السَّمْعَ
وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ (224) وَالشُّعَرَاء يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ (225) أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي
كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ (226) وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ”.
ألم تؤكد الآية القرآنية 68 من سورة يس على تضاد كلي بين ما
يقوله النبي وبين الشعر وتبرئته منه وكأن الشعر إثم: “وما علّمْنَاهُ الشّعرَ
وما ينبغي لهُ إن هوَ إلا ذكرٌ وقرآنٌ مبينْ”.
من حديث للرسول قوله عندما سمع شاعراً: “لأن يمتلئ جوف
الرجل قَيحاً يُرِيه خير من أن يمتلئ شعراً” رواه الكثيرون .
وقد قيل الكثير في القديم والحديث لتخفيف وقع هذه الصفعة
للشعراء. قيل إن الآية نزلت خصيصاً ضد الشعراء الذين ناصبوا النبي
العربي العداء في مكة. وكان الشعراء آنذاك بالفعل أبواق دعاية الأقوياء
(ولا زال أغلبُهم في بلادنا على هذه العادة النجسة). وقد ضايقوا النبي
العربي مثل أمية بن أبي السلط، لذلك كان لا بد من مواجهتهم وقيل أن
النبي أهدر دم الشاعر كعب بن زهير، وقيل أيضا أنه أمر بقتله. وكان
كعب قد تمادى في شعره البذيء على نساء المسلمين ونبيهم. وأهدر النبي
دم عدة شعراء وأمر بقتلهم لأنهم هجوه وهجوا الإسلام بصفاقة ومنهم
الشاعر أبو عفك والشاعرة عصماء بنت مروان والشاعر عبد الله الأدرمي
وغيرهم.
لكن النبي العربي، بتسامحه، وحكمته، عفى عن كل من أظهر التوبة
عما قاله ووعد ألا يعود لسابقاته، وهناك أمثلة عديدة على ذلك، نورد منها
قصة إسلام كعب بن زهير وهو شاعر مخضرم وإبن الشاعر الشهير
زهير بن أبي سلمى وكان قد هجا الإسلام فأهدر النبي دمه فأتي الشاعر
يطلب الرحمة من النبي وألقى “لاميته” الشهيرة:
بانت سعادُ فقلبي اليومَ متبولُ
متيّمٌ إثرها لم يفدَ مكبولُ
نبّئتُ أنّ رسول الله أوعدني
والعفوُ عندَ رسول اللهِ مأمولُ
وقد سر النبي العربي أيما سرور وعفى عن كعب وزاد في ذلك
فخلع عليه بردته ولذلك سميت هذه القصيدة ” البردة”.
أحب النبي شعر حسان بن ثابت الذي مدح فيه النبي وذم أعداءه كما
رثى موتى المسلمين. وتقدم ليصبح شاعر الدعوة الإسلامية وكان النبي
يزيد من عزمه على المضي قدما. وهكذا لا يصح تبسيط موقف الإسلام
من الشعر إلى أحادية رفضه بل إن الصورة الحقيقية معقدة ويصلح

وصفها بمصداقية كما يلي: أن النبي العربي وعلماء الإسلام الأوائل قبلوا
الشعر المؤمن الذي يساهم في انتشار الإسلام وفضائله ورفضوا كل شعر
آخر يعنى بالخمر وبالفسق والمجون وملذات الحياة والعشق والحرمان من
الحبيب والكفر بالدين والخالق ومدح الخلفاء والأغنياء بدجل ورياء وذم
الآخرين ببذاءة ما بعدها بذاءة… إلخ. لكن هذا الممنوع يشكل بالتأكيد
محتوى 95% من الشعر العربي إن لم يكن أكثر. ما يهمني في الموضوع
أن هذا الشعر غير المستحب لا من النبي العربي ولا من شرعه أخذ موقع
الصدارة في الأدب العربي منذ العهد الأموي وحتى يومنا. فأين كان هؤلاء
المؤمنون المهذبون كالرهبان عندما كان الخلفاء يمنحون آلاف الدنانير
(وهم بحاضرهم لا يزالون يفعلون ذلك ولكن بالدولار لأن بعض الشعراء
العرب لا ثقة لهم كأسيادهم بالعملة العربية) لقصائد تافهة منافية لكل ما
نصه الإسلام؟ ولماذا تصدر الشعر القمة الأعلى في هرم شعبية ما يقال
وما يكتب بالعربية؟
من هذا كله تتبين هشاشة الاختباء وراء حديث منسوب وغير مسنود
للنبي العربي عن الأبجدية التي لم تؤذ مسلماً ولا نصرانياً ولا يهودياً.
لكن لنترك هذا التهويل السلفي ولنسأل بمزيد من الإلحاح. لماذا لم
يلتفت الأولون لقدسية اللغة العربية ولا للحظة واحدة واجتهدوا لتطويرها
بسرعة وتواتر فائقين أثناء القرنين الأولين لنهضة الإسلام وضبطوا كل
شاردة وواردة فيها بقاعدة اخترعوها دون أن تكون آنذاك مقدسة ثم توقف
تطورها ومنع إصلاحها لا بل مسها منذ بدء انحطاط الثقافة العربية لمدة
تقارب الألف سنة؟ نعم، حُنِطَت اللغة بتقديسها ولم تنعم بأي إصلاح كذلك
الذي قام به العبقري الخليل بن أحمد الفراهيدي.
وبالمناسبة، فلقد حدد الفراهيدي وفيما بعد تلميذه العلامة الكبير
الشهير سيبويه (756- 796) عدد أحرف الأبجدية بتسعة وعشرين حرفاً
وهي الثمانية وعشرون التي نعرفها وأضاف إليها الهمزة معتبراً إياها
حرفاً كاملاً وتبعه تلميذه العبقري سيبويه في الإصرار على أن الهمزة
حرف مستقل على عكس العلامة المبرد الذي اعتبر عدد الأحرف ثمانية
وعشرين حرفا لا غير. وقد أكد العلامة اللغوي أحمد بن فارس (توفى عام
395 هـ/ 1005 م) صاحب معجم “المقاييس” أن عدد الأحرف 28
حرفا.
كل هؤلاء العباقرة الذين تدين لهم العربية بالفضل لم يأخذوا ما
يسمى حرف “لا” بعين الاعتبار.

ترتيب الحروف واليقين بالحاجة لحروف أكثر
من يبحث في أصول اللغة وقواعدها يكتشف شيئاً جميلاً ألا وهو
الجو الجميل المعطاء الذي ساد أيام النهضة العربية وسمح لهؤلاء العلماء
جميعاً بنقاش أمور لغتهم الأساسية دون أن يتهمهم أحد بالكفر. كان كل
شيء موضوع على بساط البحث والجدل، حتى ترتيب الحروف لم يكن
بديهياً.
كان الخليل بن أحمد الفراهيدي السباق إلى تدوين اللغة وترتيب
ألفاظها على مخارج الحروف بحسب نطقها، وكانت الأبجدية المتعارف
عليها آنذاك هي أبجدية بثمانية وعشرين حرفا لحساب الجمل: أبجد، هوز،
حطي كلمن، سعفص، قرشت، ثخذ، ضظغ. … لكن الفراهيدي رتب
الحروف ابتداء من حرف (العين) الذي ولع به لأنه يصدر من أعمق
وأقصى نقطة في الحلق وبعد هذا الحرف رتب الأحرف حسب مخرجها
ونطقها من الحلق تدريجيا إلى أن وصلَ إلى الحروف التي تصدر عن
الشفاه. وقد سمى الخليل كتابه هذا باسم أول حرف اعتمده، “كتاب العين”.
وحسب علي القاسمي يعتبر معجم “كتاب العين” (القرن الثاني هجري
الثامن ميلادي) أول معجم عربي. ولا يزال إلى اليوم قدوة لمن يعمل.
هذا الكتاب بني على أساس صوتي، لذلك يعد الفراهيدي أول من قدم
دراسة صوتية منظمة في تاريخ الفكر اللغوي عند العرب، ولا عجب في
ذلك لأن الخليل هو صاحب علم العروض وله باع طويل في الموسيقى،
فهو يعد أول من تذوق الحروف سماعاً ليتعرف على مخارجها. وقد جاء
بعده من حذا حذوه. لكن سيبويه لم يتبع في ترتيب حروف الأبجدية معلمه.
أبجديته بدأت بالهمزة وانتهت بالواو:
ء . ا . هـ . ع . ح . غ . خ .ك . ق . ض . ج . ش . ي . ل . ر .
ن . ط . د . ت . ص . ز . س . ظ . ذ . ث . ف . ب . م . و
وقد لاحظ الأقدمون (سيبويه، الجواليقي، الأصمعي إلخ) الحاجة
الماسة لأحرف جديدة للتعبير عما يعرب من ألفاظ أجنبية تحتوي على
حروف لا يقابلها ما يساويها في العربية. ولم يخفَ عن هؤلاء أن الكثير
من المصطلحات العربية ينحدر من أصول أكادية، آرامية وعبرية
وفارسية وهذه اللغات بدورها اشتقت الكثير من العربية سالفاً ولاحقاً، وهذا
لأن العرب قبل وبعد ظهور الإسلام كانوا على علاقة وطيدة بجوارهم في
حوض البحر الأبيض المتوسط وحتى أعماق إيران والهند وجنوب أوروبا
وإفريقيا. وقد قام أحد الباحثين بتحليل نص عربي بحوالي 1000 صفحة
من القرن التاسع فوجد فيه 226 مصطلحاً من أصل أجنبي تتوزع على

اللغات التالية 84 آرامية، 42 إيرانية، 29 يونانية، 22 إثيوبية، 22
أكادية، 14 عبرية، 4 عربية جنوبية، 4 لاتينية، 3 هندية، وواحدة قبطية.
هذا الاختلاط مع الثقافات الأخرى كان أخذاً وعطاء، لذلك أضاف
سيبويه إلى الأبجدية ستة حروف لتصبح أكثر قدرة على احتواء المفردات
الجديدة، فصار عدد الأحرف خمسةً وثلاثين حرفاً، وهذه الستة هي فروعٌ
من التسعة والعشرين، وهي كثيرةٌ يؤخذ بها وتستحسن في قراءة القرآن
والأشعار، فلها وجود في القراءات القرآنية والشعر مما يكسبها صفة
الفصاحة وهي: النون الخفيفة، والهمزة التي بين بين، والألف التي تمال
إمالة شديدة، والشين التي كالجيم، والصاد التي تكون كالزاي، وألف
التفخيم.
ثم أضاف إليها حروفاً ثمانيةً يصفها بأنها غيرُ مستحسنةٍ ولا كثيرةٍ
في لغةِ من لا ترتضى عربيته، ولا تستحسن في قراءة القرآن ولا في
الشعر بل وضعت لتحيط باللهجات المحلية المعروفة آنذاك، ولا يزال كثير
من اللهجات العربية اليوم تستعمل هذه الأحرف بتحويل القاف مثلا إلى ما
يقارب الألف (في عامية دمشق آضي بدل قاضي، آل بدل قال… إلخ) أو
الجيم المصرية (أيضا في عامية جنوب سوريا وحوران). وهذه الفروع
هي:
من يبحث في أصول اللغة وقواعدها يكتشف شيئاً جميلاً ألا وهو الجو
الجميل المعطاء الذي ساد أيام النهضة العربية وسمح لهؤلاء العلماء
جميعاً، نقاش أمور لغتهم الأساسية دون أن يتهمهم أحد بالكفر. كان كل
شيء موضوع على بساط البحث والجدل، حتى ترتيب الحروف لم يكن
بديهياً.
لكن سيبويه لم يكتب صيغة أو شكلاً لهذه الأحرف والأصوات لأنها
ليست فصيحة وقد ذكر في المقدمة بعد تحديد عددها أنها لا تعرف إلا
بالمشافهة فالحرف عاجز عن إيصال حقيقتها للقارئ.
وقد حدد العلامة الكبير أبو القاسم الزمخشري (1074-1143) في
كتابه “المفصل في صنعة الإعراب” عدد الأحرف العربية بثلاثة وأربعين
حرفاً. وقسمها كسابقيه من العلماء بين حروف الأصول (28 + الهمزة)
وستة حروف متفرعة لأصوات مقبولة وفصيحة كما يقول الزمخشري
ووصف بقية الأحرف (ثمانية) بأنها مستهجنة 8.

….

وسنأتي بالتفصيل على ما ينقص الحروف العربية وعن محاولات
إصلاحها الطيبة والسيئة النية، ونقدم اقتراحاً لإمكانية سد ثغرات الأبجدية

العربية وتحديثها ودون تغيير شكل الحروف الحالية ودون المساس بالقرآن
الكريم، لتكفي متطلبات العصر الحديث وتصبح قادرة على صياغة كل
الكلمات دون اللجوء إلى فتح قوس وكتابة الإسم باللاتيني لعجز حروف
العربية الحالية عن القيام بهذه المهمة.
فصل من كتاب “قرعة جرس لكائن جميل”، منشورات الجمل، ينشر
بموافقة دار النشر والكاتب

اشارات
القلقشندي، صبح الأعشى، المطبعة الأميرية، القاهرة، ج 3، ص. 11.
2 سنن أبي داوود، سنن إبن ماجه، سنن الترمذي، صحيح البخاري
وصحيح ومسلم
3 وقصة هذا الشاعر مأساة تراجيدية من العيار الثقيل ولست أدري لماذا
لم يتناولها مسرحنا حتى اليوم. كان أمية شاعرا فذا وكان حنفيا موحدا
عاصر الرسول العربي وحسده لأنه على ما يبدو إنتظر عشرات السنين
ليكون هو نبي شبه الجزيرة، ويأس من أن النبي أتى في قريش، فحقد وذم
النبي ومدح خصومه ورثى قتلاهم في موقعة بدر. ويكفي المرء قراءة
شعره ليتبين مدى خطورة هذا الشعر الفذ وإقترابه من مشارف الدعوة
لدين جديد. كان لأمية أتباع ومؤيديين في كل أنحاء الجزيرة العربية،
ويقال أنه أول من إخترع لفظة “اللهم” والتي أخذ بها العرب فيما بعد. وان
النبي العربي قال عندما سمع بعض شعره الديني: كاد ليسلم، أو كاد ليسلم
في شعره. وفي حديث للنبي العربي قال: آمن شعره وكفر قلبه، أو آمن
لسانه وكفر قلبه. وهو حيث مسند بشكل جيد.
بالغ بعض المستشرقين بخبث متعمد بدور أمية وتأثيره على صياغة
القرآن وقد دحض باحثون ومفكرون عرب وأروربيون هذا القول
المغرض الذي يهدف الإساءة للإسلام. أنظر البحث الرائع عن أمية بن أبي
السلط ومأساته وملابسات منع أشعاره وتأييد بعضها من قبل الرسول
العربي في موسوعة جواد علي: المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام،
بيروت وبغداد 1993، ج6، ص. 476 – 496
4 توفى فقيرا معدماً عام 789 م. وكم يسرني اليوم أن ارى أن باحثة
ومفكرة كبيرة كالسيدة يسرى عبد الغني عبدالله تهدي كتابها الكبير “معجم

المعاجم العربية” الصادر في بيروت عام 1991 إلى الخليل بن أحمد
الفراهيدي بكلمات تدخل العقل والقلب بدون إذن. تقول: “رجل أعطى
الكثير، ما أجدرنا أن نعطيه حقه إحتراما وتقديراً.” وللكاتبة أبحاث مهمة
في صلب الثقافة العربية، وهي لا تملك فقط قدرة كبيرة على البحث المثابر
والهادئ ولغة جميلة بل شجاعة تدهش أشجع الرجال
5 ابن فارس الصاحبي، أحمد ، دار الكتب العلمية، لبنان 1997، ص.
63
6 القاسمي، علي ، مجلة اللسان العربية العدد 46 ص. 58
7 فيشر، فولف ديتريش، الأساس في فقه اللغة العربية، ترجمة سعيد
بحيري، مؤسسة المختار، القاهرة 2001، ص. 28-39
8 الزمخشري، ابو القاسم محمود بن عمر،المفصل في علم العربية، دار
الجيل، بيروت بدون تاريخ، ص. 394 يُسمى الكتاب هكذا في دار النشر
هذه وهو صورة لطبعة قديمة بعنوان يختلف قليلا: “المفصل في صنعة
الإعراب” وقد صدرت نسخ عديدة الكترونية (يمكن تحميلها) وككتاب.
واحد في دار ومكتبة الهلال، بيروت، 1993) وطبعة ثانية بغلاف
أرخص من ذات الدار (2003)، وآخر عن دار الكتب العلمية (1999)
ونسخة حديثة عن مكتبة الآداب للطباعة والنشر (2006) وما هذا التراكم
إلا دليل على رواج كتاب الزمخشري وفوضوية السوق العربية للكتاب
وإهمالها لأقل حد من التنسيق.

*مجلة أوراق

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here