رضا أحمد: كلمةٌ خائفةٌ في فمِ جنديّ

0

كي تمدّ يديكَ

لأبعد غيمة تحاول الفرار من الضّباب،

لكلمة خائفة في فم جنديّ يحتضر،

لقطة وحيدة تتسلى بتحطيم أعشاش الطيور،

لمعجزة تخشى الهرب من الكتاب المقدّس

لصدفة تجمعك وحبيبتك في عقد انتفاع؛

عليكَ أن تصير شاعرًا

وتنتسب إلى مجموعة فيلة خزفية

جوار سرير أرملة

تبيع يقظتها الكاملة بقصائدَ على ألواح العاج.

الشّاعر يطفئ كل القناديل

لتضيء له فراشةٌ

الطريقَ إلى مقبرة المعرفة.

*

صوتكَ لا يحمل نكهة واحدة

أتذوّقه على مهل

ولا أقتنع بصدق حواسي،

يتسلل إلى غرفتي الآن

يلتصق بشفتي؛ أكاد أبتلع الليل الغافي تحت رئتيك

ونجومًا تلمع خلال سعالك المتوعّك

لا أظنني عرفت ملمسَ القطيفة إلا حين دثرتني أنفاس “سيناترا”

ولم أدرك كيف سيصبح بالزنجبيل مذاق فطيرة التفاح

حتى جربت انتزاع نجمة من صدر “شادية”

والآن ماذا عنك

كيف تمزق طبقات صوتي ببحّة تنهدك

وتغرق الشمس سريري

حين تقول: أحبكَ، لكني لا أجيد طريقة الاعتراف.

*

فائض القيمة معادلة لا تخاطب ودّكَ؛

ماتت وردة على عتبة كتاب

وعاش سوارٌ ذهبيّ

في معصم مومياء على رفّ متحف،

مات الملك “لير”

وعاشت قطة محظيّة

لفتاة مشرّدة في رواية أخرى،

كلّ نوبات هلعي تناصر قضايا مستهلكة

تعرض علينا في التلفزيون،

اقترب من الحكمة وأخبرني:

مَن يعتني بجثة كلب

سوى ضباعٍ كانت تخشى نباحه منذ قليل؟

*

السماء تلاحقنا في أنفاق “المترو”

وخلف أجمة السّلاح

تحطّ على رأس مطربة الأوبرا بصوتها الوحشيّ

وعلى كتف بائع غزل البنات

تعبئ صغارها في سندويتشات وتهرب؛

تنزع قميصها الأزرق لتجري أسرع

نهداها صغيران،

كدمات بنفسجية،

برق ورعد؛

رجل قاسٍ يستخدم عصاه هناك.

تنزع شرائط شعرها البيضاءَ وتجري

الرياح الشمالية قاسية

الرياح الجنوبية جافة

والرياح الشرقية تحمل صورة حديثة لامرأة

في إعلان مرطب،

تنزع سروالها الداخلي الصغير،

نقف؛

ثمة ماء يسقط

والبعيدون ناس يُصلون ليمضي في طريقهم،

الذين وقفوا تحت الماء بقمصان مفتوحة

بنوا قبورهم في الصحراء بعيدًا.

*

الخوف كتابك، كتيبتك وكبيرك

لن يتورّع أن يزيد حصتك من الموت بذبحة

حين تنظر إلى وجهك ينقصه قناعًا

كان يجعلك وديعًا،

لن تعرف قيمة الحزن إلّا عندما تبيعه بالتجزئة

وحين ينفد رصيدك الاحتياطيّ من الجبن

وتجد الموتى يسبحون في كفّك

بشواربَ مجدولة بالغضب ولا قوارب نجاة هنا،

قف ببضاعتك في إشارات المرور

وتمنَّ أن يغنيك صوتكَ المتعب عن سؤال نجمة

عالقة في مسيرة شحاذين،

وحين تبتكر خطيئة

تودّد إلى الحب باسمها البعيد

وتذكر جمالها المؤذيَ

لا تجعلها تشعر بالفضيلة أو المواساة

حين تجمع أشلاءك في منديلها وتبكي،

أين إزميلكَ المنهك في نحت ملامح أبيك

من تمثال “أفروديت” المصلوب في حقل ذُرَةٍ

يخيف العصافير والفئران والليل،

النسوة اللاتي اختلى بهنّ الحب

لم يتنزل عليهنّ الوحي

لكن شعرن بنشوة تراتيل السّماء في أجسادهن

وعرق العيون المرتابة بين دلالة النصّ ولذّة الكتابة.

*

بالتوابل طعمك دافئ

بالمكسّرات ينقصني بعض الملح والفلفل؛

يجمعنا كيس عملاق بغلاف أزرق

يمسكه طفلنا الأول،

لديك هذا الوله

وهذه المراوغة المفتوحة على حديثنا

بلا نيّة للاعتراف أو الهرب،

لدينا ضربة صغيرة من الحظّ

بمنديل أبيض

علامة تجارية تباع بثمن بخس لمؤسسة الزواج.

ابتسامة جارنا الأخرس

ومشية زوجته العرجاء

يشبهاننا أحيانا

وأحيانًا يلتهم آخرون وحدتهم دون محسنات طعم

ويخطئون في تذكر أين وضعوا قلوبهم أوّلَ مرة.

أحسنت صناعة قلبك

أهديته إليّ

لم أستطع ضمّه ولا سحقه كجوزة فارغة

أو مواجهة ضجيجه،

محظوظ أنتَ…

سنلتقي مجدّدًا بلا ملابسَ

بلا تكلفة مواصفات منضبطة للخلود في علاقة

بتذكرة واحدة إلى فراش خفيف

فوق سحابة دخان أو روشتة دواء،

يمكنك تقبيلي طوال الوقت

فرك خصلات شعري على وجهك

صناعة مقبرة عميقة في قلبي بمفكّك

لا تزول إلى الأبد

وتجعلني امرأة قبيحة في عيون الرجال.

أريد أن أكون قاسية

لئلا أخسر خوفي

وشعوري عند كل هزيمة

أن العيون كلها ركضت بعيدًا

وأموال المرابين صارت هادئة في جيوب الغيب.

جسدي فراغ يأخذ استدارته من لمساتك،

فمي هوّة بطلاء دمويّ،

والمرآة التي تأخذ جزءًا من روحي كلما نظرت إليها؛

خيوط براقة على نول

تغزله امرأة ضريرة لتصنع عيونًا بحجّة غياب.

موعدنا حين يقضم النيل قُبلة الحياة

من نزهة عاشقين

ويصير للّيل أغنية

نعرفه بها حين ترقص نجومه الفالس

ويتخلى القمر عن وجهه المتجهّم،

وحين تتخفى في حضنك كل أمنياتي

عن رجل لا يناديني باسمه

عندما يحضر لي الطعام أو أهجره.

*الترا صوت