رحيل سلمى الخضراء الجيوسي.. أيقونة الثقافة الفلسطينية

0

توفيت اليوم الخميس، الأديبة والشاعرة والناقدة المترجمة سلمى صبحي الخضراء الجيوسي، عن عمر ناهز 95 عاماً. وقال وزير الثقافة الفلسطيني، عاطف أبو سيف، إن الثقافة الفلسطينية والعربية خسرت أكاديمية فلسطينية كرست حياتها لنشر الفكر والثقافة الفلسطينية والعربية، وخسرت قامة أدبية مهمة، وعلمًا من أعلامها ورمزًا من رموز الإبداع والعطاء، حيث كان للراحلة دور بارز ومساهمة فاعلة في إثراء المخزون الأدبي الفلسطيني والأردني والعربي.

وأكد الوزير أبو سيف أنه برحيل الجيوسي خسر الوسط الثقافي الفلسطيني ايقونة فكرية، نثرت الشعر والأدب، بل خسارة للمكتبة العربية التي أغنتها بمؤلفاتها وعلمها.

والجيوسي ولدت العام 1928 وترعرعت في مدينة عكا وفي حي البقعة في القدس الغربية، وبعد نكبة 48 عاشت في الأردن. نشأت الجيوسي في أسرة مجاهدة. فوالدها صبحي الخضراء كان من مؤسسي حزب الاستقلال في فلسطين، وكرس حياته للدفاع عن الحق العربي. وكان أحد أخوتها، فؤاد سليم، قد سقط شهيداً خلال الثورة السورية الكبرى العام 1925. وهكذا نشأت الشاعرة في محيط نضالي. درست الثانوية في كلية شميت الألمانية بالقدس، ثم درست الأدبين العربي والإنكليزي في الجامعة الأميركية في بيروت، برزت موهبتها الشعرية باكراً في الصغر، إلا أن أباها نصحها بألا تكتب الشعر إلا بعد أن تتعلم العربية جيداً، وتمتلك نواصي الشعر…

تزوجت العام 1946 برهان الجيوسي، زميلها في الجامعة في قسم العلوم السياسية، وهو أردني من أصل فلسطيني، وكانت أولى مهامه الدبلوماسية في القنصلية الأردنية بالقدس حتى العام 1947، ثم شملت تنقلاته روما ومدريد وبغداد ولندن. واندمجت سلمى في المشهد الأدبي وخصوصاً في بغداد، عاصمة الشعر العربي في الخمسينيات، وأصدرت ديوانها “العودة من النبع الحالم” (1960).

استقرت الأسرة في مطلع الستينيات في بيروت حيث كانت للمشهد الأدبي خصوصيته، وكان هناك جدل بين مجموعتين متضادتين من الأدباء، حملت مجلة “الآداب” لواء المجموعة الملتزمة بالقضايا القومية، وحملت مجلة “شعر” لواء شعر الحداثة. وشاركت سلمى في الجدل الدائر وكتبت آراءها. في آذار/مارس 1960 إبان الصخب والجدل حول حركة الشعر العربي الحديث، نشرت سلمى الجيوسي في مجلة “الآداب” مقالاً جريئاً بعنوان “قضية الشعر العربي الحديث” دافعت فيه وسط أصوات الهجوم والرفض، عن الشعر الحديث، وأبدت تأييدها للحداثة الشعرية العربية واستشرفت بعين الرائية نجاحها “لكننا، نحن الشعراء الحديثين، أصحاب قضية نؤمن بها إيماناً عميقاً. عليه فإنه لا يسعني أن أقول لمن يؤمن بالحركة الحديثة إلا أن يصبر ويترفق في حكمه، فأنا مؤمنة في الشعر الحديث وفي مستقبله، وأجد لزاماً عليّ أن أدعو له وأدافع عنه وألح على مزاياه وشروطه وأصالته”. وفي المقال نفسه، دانت ما تفرع عن هذه الحركة من محاولات شعرية، لطفيليين لا يملكون المواهب والعمق، في فهم ومواكبة هذه الحداثة، كما رأت فيهم ظاهرة طبيعية لكل حركة جديدة.

عادت إلى القدس ودرّست في “كلية دار المعلمات”. حصلت على درجة الدكتوراه في الأدب العربي من جامعة لندن، وقامت بالتدريس بعد تخرجها من لندن العام 1970 وتخصصت في الأدب العربي وعلمته في العديد من الجامعات العالمية والأجنبية: الخرطوم، الجزائر، قسنطينة، يوتا في الولايات المتحدة الأميركية، ثم في جامعة مشيغن، واشنطن، أسست مشروع “بروتا” للترجمة، الذي قدم الثقافة العربية إلى الغرب العام 1980 ونقل الثقافة العربية إلى العالم الأنغلوسكسوني، وقد أنتجت “بروتا”، موسوعات، وكتباً في الحضارة العربية الإسلامية، وروايات ومسرحيات وسيراً شعبية وغيرها. 

دُعيت إلى مؤتمر لند Lund في السويد (1984)، وكانت محاضرتها: “الشعر العربي والشعر السويدي، التماثل والاختلاف”، وهناك التقت الشاعر أوستِن شوستراند Östen Sjöstrand، رئيس اللجنة الفنية في أكاديمية نوبل. دعتها الأكاديمية في ربيع 1985 لتعد لها دراسة حول وضع الأدب العربي واستحقاق أدبائه لجائزة نوبل، فلبت الطلب. ولما نال نجيب محفوظ جائزة نوبل (1988) دعتها الأكاديمية إلى ستوكهولم لحضور حفلة توزيع الجوائز تقديراً لدورها.

أطلقت العام 1990 مشروعها الثاني: “رابطة الشرق والغرب” (East- West Nexus)، بهدف عرض الحضارة العربية والإسلامية قديماً وحديثاً بالإنكليزية عبر مؤتمرات أكاديمية شاملة ومتخصصة، ودراسات بأقلام عربية وغربية، من أجل إزالة المفاهيم الخاطئة والآراء النمطية لثقافات العالم العربي/الإسلامي. 

كتب عنها كثيرون، ومما قاله ستيفان شبيرل، أستاذ الأدب العربي في جامعة لندن: “أعجبت كثيراً بقدرتها على رؤية ما وراء الأسباب والتجزيئات والادعاءات وتمييزها للصوت الداخلي الحقيقي في العمل الأدبي… إن هذه القدرة المتميزة على الإحساس المتعددة الجوانب تكمن في اللب من كل الإبداعات التي تقدمها وتجعل منها أحد الكتّاب الإنسانويين (humanists) في زمننا”.

من أبرز إصداراتها:
1. العودة من النبع الحالم (ديون شعر) بيروت، دار الآداب 1960.
2. اتجاهات الشعر العربي الحديث (بالإنكليزية) داتربريل، هولندا 1970.

ولها ترجمات كثيرة منها:
1. إنسانية الإنسان، تأليف رالف بارتون باري (ترجمة) بيروت، مؤسسة المعارف 1961.
2. بالثازار (ترجمة) تأليف لورنس داريل. بيروت، دار الطليعة 1961.
3. جوشين (ترجمة) تأليف لورنس داريل. بيروت، دار الطليعة 1961.
4. الشعر الأمريكي (ترجمة) تأليف لويس بوكان. بيروت، دار الثقافة 1961.
5. الشعر والتجربة (ترجمة) تأليف ارشيبالد مكليش، بيروت، دار اليقظة العربية 1962.
6. هكذا خلقت جيني (ترجمة) تأليف ارسكين كالدويل، بيروت، دار الطليعة 1961.
7. والت يتمان (ترجمة) تأليف رتشارد تشيس، بيروت المكتبة الأهلية 1962.

كما صدر لها أكثر من 22 كتاباً مهماً تعتبر معظمها مصادر رئيسية في الثقافة العربية. ومن ترجماتها الى الانكليزية: “الصبار” لسحر خليفة، “الحرب في بر مصر” ليوسف القعيد، “براري الحمى” لإبراهيم نصر الله، “بقايا صور” لحنا مينه، “الرهينة” لزيد مطيع دماج، “امرأة الفصول الخمسة” لليلى الأطرش، “نزيف الحجر” لإبراهيم الكوني، “شرفة علي الفاكهاني” لليانة بدر.

وفي مجال الشعر، ترجمت إلى الإنكليزية عدداً من دواوين الشعر لكل من: أبي القاسم الشابي، فدوى طوقان، محمد الماغوط، نزار قباني، وغيرهم.

حصلت الراحلة على العديد من الجوائز العربية منها: جائزة شخصية العام الثقافية للدورة 14 من “جائزة الشيخ زايد للكتاب” 2020، وجائزة الإنجاز الثقافي والعلمي، لمؤسسة سلطان بن علي العويس الثقافية 2007، وجائزة سلطان بن علي العويس 2006، وسام القدس للإنجاز الأدبي. كما حصلت على جائزة محمود درويش للإبداع 2023.

*المدن