استخدام الفوتوشوب لتغيير الحقائق وتزييفها ليس طارئاً أو جديداً في بلادنا، لكن هنالك مرات بعينها لا تنسى؛ عندما استُخدم برنامج تحرير الصور الأشهر على أعلى المستويات، وبطريقة مكشوفة ومضحكة، مثلاً عندما قام إعلام مبارك (الرئيس المصري الراحل) بالتلاعب بصورة يظهر فيها حسني مبارك مع زعماء آخرين، من بينهم أوباما، لتغيير موضعه في الصورة، بحيث يبدو هو في مركزها، وبالطبع كان المقصود أن يبدو الرئيس زعيماً استثنائياً في نظر شعبه، لا بين زعماء العالم.
تلازم اسم برنامج الـ”فوتوشوب” مع عمليات التزييف دفعت رأس النظام السوري بشار الأسد في إحدى المقابلات لإنكار صورة لسوريّ قتل تحت التعذيب وَضَعَها المذيعُ المحاورُ في يده، وقبل أن يتمعّن بها، وعن ظهر قلب، قال بشار إنها “فوتوشوب”!
لكن ما حدث أخيراً في الجزائر يستعصي أكثر على الفهم؛ لماذا أقدمت صحيفة جزائرية ناطقة بالفرنسية على حذف مئذنة مسجد شهير، هو المسجد الأعظم، من صورة جنازة الرئيس الراحل بوتفليقة، ما الذي ترمي إليه، وكيف تجرؤ، وأي نظرة تحملها الصحيفة لجمهورها من القراء، أيّ استخفاف؟!
لكن القراء سرعان ما اكتشفوا التلاعب، لا لمعرفة عميقة بالفوتوشوب وطرق التزوير، بل لأنهم يحفظون بلدَهم، فضاءَهم، بالتفصيل. وهنا دار جدل على مواقع التواصل الاجتماعي، قد يكون في غير مكانه، من قبيل “ما فائدة أن يبنى مسجد كبير في ظل موت البعض بسبب نقص بالأكسجين ووجود الكثير من الفقراء والمحرومين الذين لا ينظر إليهم أحد”، أو “لماذا تختزل الهوية بصورة مسجد”.. في غير مكانه لأن السؤال الآن كيف يتجرأون على حذف وتزوير مشهد موجود في الواقع. لا يعقل مثلاً، إن حدثَ وحُذف أحد أهرامات مصر من صورة، أن تناقش كيف بنيت الأهرامات على أكتاف العبيد، وفيما إن كانت جديرة بأن تمثّل الهوية المصرية.
الصحيفة اعتذرت لاحقاً، لكن، وكما يحدث عادة مع الجناة المتلبّسين، فقد كان عذراً أقبح من التزوير. قالت إنه مجرد خطأ “تقني”، ولم يفتْها أن تعزف على وتر الوطنية، كما هو دائماً شأن الأوغاد في لحظة الحشر: “الحادث الفني البحت لا علاقة له بأي حسابات أيديولوجية، كما تحاول الدوائر المعروفة بعدائها للوطن استخلاصها”. هكذا، بضربة عبارة واحدة تتحوّل الصحيفة من مرتكب إلى ضحية أعداء الوطن، ومن هم أعداء الوطن سوى مكتشفي التزوير!
على هذا المستوى الواضح جداً تزوّر الأشياء في بلادنا، فما بالك بخصوص المعلومات الأبعد عن متناول الناس!
بين ضحكة وقهقهة
إن كان أرمين لاشيت، الزعيم الألماني المنتظر لخلافة أنجيلا ميركل، الخاسر الأكبر حقاً في الانتخابات البرلمانية الأخيرة، فربما يعود السبب إلى ضحكة “خارج السياق”، فلتت منه والتقطتها الكاميرات وروّجتها أثناء جولة تفقدية للمناطق المتضررة من الفيضانات غربيّ ألمانيا قبل شهور. وهذه “سي أن أن” تستعيدها في خضم الانتخابات البرلمانية في ألمانيا تحت عنوان “فضحته الكاميرا، ودعمته ميركل”. ضحكة لم تنته تداعياتها حتى الساعة، إذ شغلت الصحافة والسياسيين والجمهور منذ ذلك الوقت، وقد تكون سبباً في تراجع كبير في شعبيته.
رغم اعتذاره عن تلك الضحكة، حينذاك، إلا أن صحفاً اعتبرتْه “غير مناسب” للمستشارية، وأنه “فشل في تجسيد التعاطف الجماعي في شخصه”، ولم تستبعد صحيفة “أن يكون للضحكة عواقب طويلة الأجل”.
راحت الصحف تستعرض جولات لزعماء سابقين في ألمانيا أثناء كوارث مماثلة؛ المستشار الأسبق هيلموت شميدت، وكان حينها وزيراً للداخلية في هامبورغ، واكتسب من خلال إدارته للأزمة التي خلفها فيضان العام 1962 شعبية على مستوى البلاد. إلى غيرهارد شرودر الذي انقلبت حظوظه عندما سقطت الأمطار في ساكسونيا العام 2002، فارتدى جزمة مطاطية قادته إلى الفوز في الانتخابات بعد شهر من الكارثة. وصولاً إلى جولات الزعيمة الاستثنائية أنغيلا ميركل.
تستطيع إذا ضحكةٌ، زلّة على الأرجح، أن تدفع سليل الأباطرة لاشيت إلى خسارة سياسية فادحة.
أعطونا خطاباً واحداً لبشار الأسد لم يلق فيه النكات، ولم يقهقه ويدفع حشود الحاضرين معه دفعاً إلى القهقهة. رغم الكارثة المستمرة منذ عشر سنوات.
مظفر النواب
تحت عنوان “تحية إبداع إلى مظفر النواب” تولّف قناة “الميادين” فيديو تستعيد فيه بعض صراخ الشاعر وشتائمه، يبدأ بـ “قمم قمم/ معزى على غنم»، فيما الصور المرفقة لمجالس القمم العربية تغلب عليها العباءات، ليتبعها بهجاء الصحافة: “وتفنّنت الصحف الرقطاء/ تقبض من كل جهات النفط/ وتكتب ما برميلُ النفط يشاءُ”، وصولاً إلى صرخته الأشهر “القدس عروس عروبتكم”.
القصيدة التي تحتل المساحة الأكبر تتحدث عن الحسين: “ألستَ الحسين بن فاطمة وعليّ/ لماذا الذهولُ/ تعلمت منك ثباتي وقوة حزني وحيداً/ فكم كنت يوم الطفوف وحيداً/ ولم يكُ أشمخ منك/ وأنت تدوس عليك الخيول”. وعند العبارة ما قبل الأخيرة “ستشمخ” في وجوهنا صورة قاسم سليماني بين الحشود، بالإضافة إلى صور مقامات ورموز شيعية.
لا ندري إن كانت استعادة هجائيات الشاعر ستحرجه، وإن كان سيزعجه التوظيف السياسي الراهن، هو المقيم في “دولة نفطية” منذ أعوام، ولكن قد يكون المحرج أكثر تلخيص الشاعر بشتائم حُسبت زوراً على الشعر.
ما من إساءة للشاعر أكثر من “تحية الإبداع” هذه.
*القدس العربي