كي يستحق معرض كتاب أقيم أخيراً في «مكتبة الأسد» في دمشق أن يُدرَج في برنامج «ريبورتاج» على قناة «مونت كارلو الدولية» عليه أن يكون أوسع من مقابلة مع مدير المعرض وكاتب يوقع كتاباً وضيفة عابرة تتحسر على المعرض الذي كان ما قبل الحرب. كي يستحق أن يكون ريبورتاجاً لا بدّ أن يكون التقرير أشمل وأكثر دقة وإحاطة. ليس الكورونا، ولا الحرب وحدها، ما جعل دور النشر الدولية والعربية تنفضّ عن معارض دمشق، بل المقاطعة. هل تشكّل العناوين المقدمة حقاً «طيفاً واسعاً من الكتب السياسية والاقتصادية والأدبية»؟ ماذا فعلت الرقابة بالكتب؟ أليس هنالك قائمة كتب ممنوعة؟ هل صودرت كتب؟ هل هناك احتجاجات من «هيئة الأمر بالمعروف» الخاصة برقابة الكتب؟ ماذا عن أسعار الكتب والقدرة الشرائية للمواطن؟ ما أبرز العناوين الجديدة؟ هل خاب أمل قارئ ما جاء يبحث عن كتاب ولم يجد؟..
كل ذلك يغيب عن ذهن «مونت كارلو» ومراسلتها من دمشق. قد لا ترغب الأخيرة بالمجازفة بقول ما لا ترضى عنه وزارة الثقافة السورية، أو وزارة الإعلام، ومن ورائهما أجهزة الأمن، المقرر الأول والأخير، لكن أين هي الإذاعة العريقة؟ وقد كان بإمكانها أن تقوم بالمهمة ولو عن بعد، ولربما «شدّة القرب حجاب» إن أحسنّا الظن بالمراسلة الدمشقية.
تتصرف القنوات أحياناً ببلاهة (كذلك إن أحسنّا الظن)؛ إنها تعرف أكثر منا جميعاً استحالة أن يقول مراسل من دمشق، في هذه الأيام خصوصاً، أي شيء صادق وحقيقي عن أي شيء، ومع ذلك تقتضي الوجاهة، على ما يبدو، أن تضع في أجنداتها أن لها مراسلاً في دمشق.
في جلباب القذافي
لو تُرك سيف الإسلام القذافي ليخلف والده دون ثورات الربيع العربي لحرص على ارتداء صورة عصرية تعارض كل الصور المكرسة في عهد الأب، تماماً كما حاول بشار الأسد، حين أراد خداع السوريين بعهد خال من صور «الأب القائد» موحياً بزمن حديث فيه صحافة خاصة وانترنت واقتصاد حديث وتعليم وخلافه. لكن نجل القذافي، بعد عشر سنوات من الثورة ثم الاقتتال يحرص على الظهور بلباس الأب، ونزقه أيضاً، كما بدا في فيديو تقديم ترشيحه للانتخابات الرئاسية الليبية في مدينة سبها، حيث حاضنته القبلية.
هذه المرة هو يأتي بالضبط باسم الأب ليترشح، بعباءته البنية نفسها، وعمامته، وحين يتمكّن أكثر سيعود لرفع سبابته في وجه الجماهير، وربما كتابه الأخضر. يأتي لا لينتقم لأبيه وحاضنته القبلية، بل واعداً الليبيين بالفردوس القذافي المفقود، الزمن الضائع، المتحسّر عليه، من جيل ملّ الحرب والاقتتال وبات في أشدّ الحاجة لإخراس أصوات المدافع، مهما كان الثمن.
ليس لدى المرء أي شك بأنه لو أتيح لنجل القذافي الوصول إلى يوم الانتخابات، من دون أن تمنعه محاكم واعتراضات دولية وإقليمية، بأنه سيفوز بنسبة كبيرة من الأصوات. لم الغرابة؟ ألم يفز بشار الأسد برغم ثورة ملأت البلاد طولاً وعرضاً، بل وزلزلت العالم من حولها؟
ميلودراما الفاخوري
أحمد فاخوري، مقدم برنامج «تريندنغ» على بي بي سي، نموذج لمادة خام لمذيع جيد، لا غبار على صوته ومخارج حروفه وحضوره، مع ذلك فإن بلاغته لا تطاق، بلاغة مدّعاة، غير تلقائية، معها تشعر أنك أمام مشهد مقتطع من فانتازيا تاريخية. لا حاجة لسوق أمثلة على فصحى طبيعية، سلسة، أقرب إلى الحياة، فهي متوفرة بكثرة (يعجبني على سبيل المثال أداء مذيعي فرانس 24، أجدهم أقرب إلى الحياة من رطانة محطات أخرى، مع أن أصواتاً بدأت تتسلل إليها تقلّد أداء منبريّا ما).
لدى فاخوري، على ما بدا في حلقة من «تريندنغ» بعنوان «دموع بيلا حديد تكشف الوجه الآخر للشهرة والنجومية» حنين إلى التلفزيون السوري. لقد حرّضته «دموع بيلا» لتقديم حلقة ميلودرامية. راح يعدّ المكتئبين في الأرض، بعد أن استعرض بالصور وجه بيلا الباكي، وذراعها المضمدة باللصاقات الطبية، وبعد أن زجّ بما وقع عليه من أشعار عن الجمال، وبأداء رومانسي يذكّر ببرامج آخر الليل على الإذاعة السورية.
مع ذلك، لم يفت الفاخوري أن يستنجد بكلمات وتعابير دارجة، لم تفلح في تطبيع البلاغة الجوفاء: «المصاري» «القمل يجرّ السيبان» «أنفها متورم من كثرة التمخيط في الليل».. وهو بطبيعة البرنامج مضطر لأن يذهب إلى العامية عندما يستعرض تغريدات بلهجات مختلفة. هنا سيُظهِر فاخوري ولعاً ورغبة بالتمثيل في مسلسلات غوّار الطوشة، يصبح مع التغريدات ممثلاً أكثر من كونه مذيعاً. يدخل في مهنة ليست من اختصاصه. مع قليل من «النَّطْوَطَة» من يمين الشاشة إلى يسارها يصبح أقرب إلى المهرج، لا إلى مذيع في بي بي سي الرائقة، الرزينة، التي غالباً ما تأتينا محمولة فوق غيمة كثيفة من دخان الغليون.
في إمكان أحمد فاخوري أن يكون أفضل من ذلك، لو أنه فقط تخلّى عن أمراض التلفزيون السوري، وعن غرور وانخداع بتصفيق المعجبين على طول الخط.
الغاز السوري… أصل الحكاية
«لماذا تتأخر أسطوانة الغاز؟» فيديو من إنتاج وكالة أنباء النظام السوري «سانا». أرقام وإحصاءات غامضة وانفوغراف، نفهم منها عبارتين، واحدة تقول إن ما يصل مما يستورد من الغاز لا يصل منه إلا خمسين في المئة بسبب الإجراءات القسرية المفروضة على البلاد، والثانية تؤكد أن الاحتلال الأمريكي وميليشيا «قسد» يسيطران على أربعة معامل غاز.
ما من فساد حكومي إذاً، ولا تعفيش، لا جشع تجار ومحتكرين، ولا استئثار للسلع من قبل المتنفذين وبطانتهم، هنالك فقط إجراءات قسرية و«قسد»! لا استئثار في الأساس من قبل العائلة المالكة الحاكمة لمختلف موارد البلاد وعلى رأسها النفط!
الليلة سينام المواطن السوري مرتاح البال، بعدما فهم أصل الحكاية وفصلها، حتى لو لم تصله ذرة غاز. المهم أنه وجد جواباً للّغز الكوني الوجودي المؤرق: لماذا تتأخر أسطوانة الغاز. خصوصاً أن الجواب جاء مع فيديو مرفق بالرسوم اللازمة وموسيقى وكورال رائع يليق بـالأوديسة السورية المعاصرة.
*القدس العربي