يستبعد أن يكون فريق كرة السلّة السوري قد أدرك حقاً أن النشيد الذي استُبدل به نشيد بلاده، قبيل مباراة مع منتخب كازاخستان، هو النشيد الوطني الإيراني، ومن البديهي أن نرى الذهول على وجوه اللاعبين السوريين أثناء عزف نشيد آخر غير «حماة الديار» وربما كان الأمر سيان بالنسبة لهم إن كان النشيد تركياً أو سواه، فلا نحسب أن لدى شبان السلّة هؤلاء الوقت الكافي للتدقيق في موسيقى الشعوب. لذلك يستبعد أن يكونوا قد شعروا بالحرج أمام المحتل الإيراني الذي ينتظرهم على أبواب دمشق، أو بالتواطؤ، أو أنهم وجدوا أنفسهم كرهائن وأسرى.
نحسب أنهم كانوا أقرب إلى الغيبوبة، وعندما صحوا منها راحوا يهتفون نشيدهم الوطني. جرعة وطنية لا بدّ منها قبيل مباراة ضمن تصفيات كأس العالم، صفّقوا بعدها لأنفسهم. جرعة لم تكفِهم للفوز، خسروا بنتيجة 74-84. خسارة لن يلتفت إليها أحد ما دام الشبان قد ثأروا لشيء أثمن، لمِا كان يمكن أن يدخلهم في دوامة حرج صغيرة.
الخطأ يمكن أن يكون في مكان آخر، فيمن أرسل النشيد للجهات المعنية في العاصمة الكازاخية، وهنا لا بدّ أن تواطؤاً ما قد حدث، وما دامت المعضلة يمكن أن تحلّ باعتذار، وبغرامة خمسة آلاف يورو تدفعها الجهة المضيفة، فسيظل الخطأ ممكناً مرات ومرات، ما دامت الديّة معروفة وسهلة ورخيصة إلى هذا الحدّ!
تكريم التلفزيون
لا اعتراض على أن يدعو «مهرجان بغداد الدولي للمسرح» أياً كان من النجوم والنجمات، فمن حقّه أن يستجلب الضوء بأي طريقة، أما التكريم فلا بدّ أن يكون له حساب آخر؛ عندما يكرِّم مهرجان مسرحي في العراق ممثلة كالسورية سلاف فواخرجي عليه أن يلقي نظرة إلى سيرتها المهنية، كم لديها من الوقفات على خشبة المسرح، أي أدوار لعبت، أي شخصيات سجّلت باسمها؛ أوفيليا؟ مس جوليا؟ شجرة الدر؟ نورا (في بيت الدمية)؟ الليدي ماكبث؟ واحدة من بنات الملك لير؟ خادمة من خادمات جان جينيه؟
واضح أن التكريم يأتي أولاً لأنها نجمة تلفزيون، المسرح لا نجوم له، ولا سماء أصلاً. مسرحيو بغداد (ومختلف المدن العربية) خير من يعلم ذلك. الممثلة السورية نفسها كُرّمت سابقاً في «قرطاج المسرحي» إلى هذا الحدّ لم فرغت حياتنا ممن يستحقون التكريم. لم يعد المسرحيون ينظرون باستخفاف إلى فنون التلفزيون، بات الأخير قبلتهم، وأمل حياتهم، وما المسرح سوى طريق للعبور. باتت خشبة المسرح المقدسة من الماضي.
لا يخطر في البال هنا الحديث عن مواقف سلاف فواخرجي المؤيدة لنظام بشار الأسد، وإن كان ذلك سيفسد التكريم أم لا، فمن قال إن «مهرجان بغداد» يفرق معه ذلك، هذا إن لم يكن تكريم واستضافة فواخرجي في الأساس بسبب موقفها السياسي ذاك بالذات.
النسخة السورية من العدالة
من سجن طرطوس المركزي (على الساحل السوري) تأتي بشائر الثقافة السورية، فهناك، حسب «سانا» وكالة أنباء النظام، أقيمت فعاليات فنية، على رأسها عرض مسرحي بعنوان «العدالة» على هامشها قال رئيس فرع السجن إن هدف الفعاليات أن «نثبت للعالم بان السجون لدينا مؤسسات رعاية اجتماعية هدفها بناء إنسان صالح فاعل بالمجتمع عند خروجه من هذا المكان». السجناء (إعلام النظام بات يسميهم نزلاء) هم أنفسهم اعتبروا «أن هذه الأنشطة تسهم في تنمية مهاراتهم وهي بمثابة فرصة للعودة إلى الصواب.. بداية انطلاق لحياة أفضل ليكونوا أفراداً فاعلين بالمجتمع بعد خروجهم».
حلاوة الخبر أنه يتحدث تقريباً عن الجنة؛ سجناء هانئون (نعم، حتى السجناء، فما بالك بالآخرين) يتغنّون بالعدالة، والكلّ يلهج بالإنسان الصالح ووعد بحياة أفضل.
إنها حال نموذجية عمّا تريدنا سوريا الأسد أن نكون عليه، كل هذا الظلم، الرعب، التوحش، ثم نخرج إلى العالم لنقول كم إن الحياة جميلة والعصافير تزقزق، فيما المسارح تغصّ بالمتفرجين.
ملحمة لطيفة وبن راشد
إن سألتَ ناقداً أدبياً ما هي الملحمة سيجيبك بأن هناك أعمالاً محددة في التاريخ يطلق عليهما اسم الملحمة، من بينها مثلاً «الأوديسة» و«الإلياذة» و«الإنياذة» و«جلجامش» و«المهابهاراتا». وإن سألتَ ناقداً أو مخرجاً مسرحياً ما هو المسرح الملحمي سيقول لك بأنه يعني شيئاً محدداً، هو طريقة المسرحي الألماني برتولد بريشت، وتالياً مقلّديه، ويعني تقنيات وشكلاً معيناً من الفرجة. في كل ما عدا ذلك يصعب فهم ما يعنيه الناس عندما يصفون شيئاً ما بـ«الملحمي» وما أكثر ما تسمعها، هذا فيلم ملحمي، وتلك قصيدة ملحمية، ولوحة ملحمية، ورواية.. هل تقصدون مثلاً كثرة اللحم والدم والذبح فيها؟
المهم؛ آخر مرة سمعت فيها من يستعير وصف «الملحمي» كانت أمس، مع عنوان لـ «سي أن أن» يقول إن «لطيفة تؤدي ملحمة غنائية من أشعار محمد بن راشد» والموقع الالكتروني المعروف يتبنى تغريدة المكتب الإعلامي لحكومة دبي، على تويتر: «الفنانة لطيفة التونسية تؤدي خلال حفل توزيع جائزة الصحافة العربية ملحمة غنائية لقصيدة بعنوان «تأملات» من أشعار صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد مآل مكتوم».
يستطيع مكتب بن راشد أن يغرد ويزقزق كيفما شاء، إنما أن يؤكد موقع «سي أن أن» الوصف في مانشيت عريض فهذا تأكيد على أن مكتب الموقع الأمريكي في دبي يعمل لمصلحة حكومة الأخيرة لا لصالح «سي أن أن».
يعتقد بعض الإعلام أنه يضمن وضع الأعمال الأدبية والفنية في مصافّ أرقى عند وصفها بالملحمة، مع أنها غالباً لا تستطيع أن تعيش يوماً واحداً فقط في رؤوس الناس، وقد شاهدنا من قبل ما حلّ بـ «ملاحم» كاظم الساهر وماجدة الرومي وسواهما.
الغريب أن أقل الأمكنة ملحميةً هي ذلك المكان المخصص فعلاً لبيع اللحوم، فغالباً أنت تدفع الشيء الفلاني كي تحصل على حصة ضئيلة من اللحم لا تشبع عصفوراً.
أين اختفت الملحمة! لقد كانت المكان الوحيد الذي يستحق اللقب.
*القدس العربي